/ شخصية القذافي بين البارانوية و النرجسية

القائمة الرئيسية

الصفحات

شخصية القذافي بين البارانوية و النرجسية

شخصية القذافي بين البارانوية و النرجسية  
( التحليل النفسي لشخصية دكتاتور ليبيا )
    لأول مرة أكتب عن شخصية أثارت و لا تزال تثير علامات استفهام حقيقية متعلقة بحقيقة رجل دولة أو ما يشبه ذلك ، إنها الشخصية الأكثر إثارة للرأي العام الدولي في هذه الأيام خاصة وأن بلاده تشهد ثورة شعبية جديدة ضد نظام الحكم ،  إنه ما يعرف بقائد الثورة الليبية ، الزعيم الدكتاتور معمر القذافي ، لكن من يكون هذا الرجل ؟ ، وما هي البنية العميقة لشخصيته ؟.
  جذور ومحطات:
    معمر القذافي عسكري و رجل سياسي حكم ليبيا منذ سنة 1969 ، ولد بالقرب من سرت ، بدوي من قبيلة القذاذفة ، تلقى دراسته في الكتاتيب القرآنية . سنة 1961 دخل الأكاديمية العسكرية في بنغازي بليبيا.تأثر بالسياسة القومية العربية للرئيس المصري جمال عبد الناصر، وأسس سنة 1963 جماعة الضباط الأحرار المتحدين المعارضة لنظام الملك إدريس الأول.
النقيب الشاب في سن السابعة و العشرين ، يصبح على رأس الحكم بعد انقلاب عسكري على النظام الملكي ،ترقى إلى رتبة عقيد وبدأ ثورة ثقافية و اجتماعية .في مارس 1977 صارت ليبيا جماهيرية ، وأراد بها القذافي دولة ذات ديمقراطية شعبية مباشرة .نظر القذافي لخط ثالث ما بين الرأسمالية و الماركسية ،ألف الكتاب الأخضر ونشره ما بين 1976-1979 .ظهر القذافي بمظهر المتشبث بالإسلام ، كان ينادي بالعروبة و الثورة ، قدم مشروعة الوحدوي العربي الكبير الذي فشل، بعدها تراجع القذافي وحاول التأسيس لفكرة الاتحاد الإفريقي، قدم أطروحات كثيرة في هذا الاتجاه إلا أن أفكاره لم تجد صدى كبيرا لعدة أسباب.ابتداء من منتصف 1980 اعتبر القذافي ممولا رئيسيا للإرهاب العالمي ،كما اتهم القذافي ومن وراءه ليبيا بضلوعه في الهجمات الإرهابية على المواطنين الأمريكيين سنة 1986 ، وقد رد آنذاك الرئيس رونالد ريغن على ذلك بقنبلة بنغازي وطرابلس الليبيتين.وقد أصيب القذافي إثر الغارات كما فقد ابنة له أثناء تلك الأحداث.اتهم القذافي مجددا بتفجير طائرتين أمريكيتين ما بين سنة  1988 و 1989. اتسم بالحياد في حرب الخليج الأولى 1990 لكن ذلك لم يشفع له أمام الغرب ليفرض على بلاده الحصار الاقتصادي و السياسي منذ 1992.على الصعيد الداخلي تعرض القذافي لانقلاب عسكري فاشل سنة 1993 ،كما تعرض لمحاولة اغتيال من طرف المعارضة سنة 1995.واجه عدم رضا شعبه عليه عديد المرات بسبب الحصار على بلاده بسبب سياسته.
نحو إعادة الاعتبار لذاته ، القذافي يتجه إلى إفريقيا موقع بلاده الطبيعي كما يزعم،لعب القذافي دور الوسيط بين الدول الإفريقية و قدم مشروع الاتحاد الإفريقي سنة 2002.بعد اعتراف ليبيا بمسؤوليتها في اعتداءات سنة 1988 و1989 و بعد قبولها تقديم التعويضات اللازمة لعائلات الضحايا تم رفع العقوبات على ليبيا من طرف هيئة الأمم المتحدة وذلك سنة 2003.بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 صار القذافي لا يشكل تهديدا بحجم القاعدة في نظر الغرب ولم يعد ذلك العدو الأبدي.
القذافي الجديد ابتداء من سنة 2003 بدأ يظهر بمظهر الرجل المستعد للذهاب بعيدا مع الغرب في تفنيد مزاعمه المتعلقة بامتلاك ليبيا لأسلحة الدمار الشامل ، حيث سمح القذافي بالرقابة الدولية على برنامج تسلحه.عاد القذافي إلى الساحة الدولية رسميا بقر الاتحاد الأوربي ببروكسل- بلجيكا سنة 2004...واصل القذافي شطحاته وخرجاته الغريبة في كل المناسبات التي ظهر بها إلى أن اجتاحته رياح الثورة بعد المرور بكل من تونس و مصر.
التحليل النفسي لشخصية معمر القذافي :
بعد تعرضنا لحياة القذافي وتقديم محطات من مسيرته ، وبعد تتبعنا لحالته باطلاعنا على بعض المواد العلمية التي وقعت بين أيدينا ارتأينا أن نقدم هذا التشخيص لحالة القذافي وهذا لتنوير الرأي العام عن رأي عالم النفس في هذه الحالة الغريبة.إن القذافي يعيش حالة ما بين البارانوية و النرجسية ،حيث يعاني زملة من اضطرابات الشخصية أهمها اضطراب الشخصية البار انوي و اضطراب الشخصية النرجسية حسب الدليل التشخيصي و الإحصائي الرابع المعدل للإضطرابات العقلية  DSM4، يعاني القذافي من اضطراب عميق في الشخصية لكن أحدا من المحيطين لم يتجرأ ليقول له ذلك حتى لا يضطهده القذافي فيقتله أو يزج به في السجن كما فعل مع الكثيرين من معارضيه ، نحن لا نعرف التاريخ التطوري لشخصية القذافي بشكل دقيق لكننا نستطيع تقديم ملمح لشخصيته من خلال ما لاحظناه على سلوكياته في مختلف المناسبات ، ولعل أهم ما يميز شخصية القذافي هو شعوره بالعظمة على مستوى السلوك و الخيال وهو ما نلاحظه دائما في خطاباته حيث كثيرا ما يردد بأنه ملك ملوك إفريقيا،وقائد الثورة الأبدي ،و بأنه إمام المسلمين ، فهو عندما يقول بذلك فهذا يعني بأنه في حاجة إلى التقدير ،كما أنه مفتقد غلى القدرة على التفهم العاطفي .إن القذافي كثيرا ما يباهي بالانجازات و المواهب و بالقدرة و التفوق و العلم ، وينتظر من الناس أن يعترفوا بتفوقه رغم أنه لا يحقق إنجازات مكافئة لما يقول به.إنك عندما تستمع لحديث القذافي يأخذك معه في رحلة الخيال فيجعلك تتيه في خطابه المستغرق في الحديث عن النجاح اللامحدود و القوة و القدرة العظيمة ، و التألق في مشهد ينم عن نرجسية خانقة اتخذ فيه القذافي من ذاته نفسه ومن جسده الخاص موضوعا لحبه ،فتجده مثل نارسيس في الأسطورة اليونانية ، إننا أمام حالة ذهان ارتبطت بحالة العته المبكر حيث نعتقد بان القذافي عانى في صغره من حالة عته مبكر مردها إلى انحباس الليبيدو الذي لم يفرغ كما لم يتجاوز.إن القذافي يعتقد نفسه فريد زمانه ، وصاحب عبقرية نادرة ،إنه بتأليفه للكتاب الأخضر الذي ساس به شعب ليبيا أكد بأنه يتطلب أن يحاط بأناس يقدرون موهبته ويكونون مميزين مثله حتى يستطيعون نقل أفكاره و العمل بها ،أما غير أولئك فهم متآمرون ،يثيرون الشك ، وهو ما يجعله لا يثق فيهم لمجرد معارضتهم لأفكاره ، وبالتالي هم لا يستحقون الحياة ، حيث قالها صراحة و على شاشات التلفزيون : من لا يحب معمر القذافي لا يستحق الحياة .وهنا نلاحظ بوضوح اتحاد الاضطرابات في شخصية معمر القذافي بين البارانوية و النرجسية. القذافي في حديثه يغضب بسرعة ويستجيب بعنف كما يقوم بهجوم مضاد ضد الآخرين إذا استشعر هجومهم على شخصه وسمعته، كما نجد القذافي متعجرفا ، متعاليا ، مبديا سلوكيات ومواقف غريبة .وفي حياة القذافي نجد بأنه تزوج مرتين ، كما نجده محاطا في كثير من المرات بالنساء، وهذا دليل على الشك حتى في الشريك الجنسي وهي السمات المميزة في معظمها للبارانوياك.
    إن تطور الحالة النفسية لمعمر القذافي نحو البارانوية و النرجسية كان وحده كفيلا بالشك في الحالة الصحية العقلية للرئيس الليبي ، لكن أحدا لم يستطع الحديث عن هذا الأمر حتى جاءت الثورة الليبية الأخيرة لتعري الواقع الذي لم يرد كثير من الناس أن يصدقوه وهو أن التاريخ سيسجل يوما بان ليبيا حكمها رجل مجنون طيلة أربعين سنة ،وهذا الخزي و العار لن يلحق بليبيا فحسب إنما بكل العرب ،وعليه علينا في المستقبل أن ننتبه لصحة رؤسائنا النفسية العقلية كما العضوية حتى لا يحكمنا المجانين.
                     

 أ.أحمد بلقمري           باحث في القضايا النفسية و التربوية
مقال نشر بجريدة الجزائر نيوز بتاريخ:21 مارس 2011
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع