/ الشّاعر والنّاقد الجزائري رمضان حمّود

القائمة الرئيسية

الصفحات

الشّاعر والنّاقد الجزائري رمضان حمّود




الشّاعر والنّاقد الجزائري رمضان حَمُّود 

(1906-1929/ 1324 - 1348 هـ)
دراسات أدبية
/ قلم الأستاذ: الأخضر بن هدوقة




ولد رمضان حمّود في سنة 1906 بمدينة غرداية في بيئة محافظة، وكان لجدّه ووالده فيما يبدو أكبر الأثر في تنشئته هذه النشأة الصالحة، بما زرعوه في نفسه منذ الصغر من استقامة في الدين، وتمسكه بالأخلاق الكريمة، وحب الوطن، ولما بلغ السادسة من عمره، اصطحبه والده معه إلى –غليزان– حيث كانت تجارته، عندها التحق حمود بإحدى المدارس الفرنسية. هناك، وقد شهد له بالذكاء والنبوغ منذ الصغر، كان مثالا للنشاط في فصله، والاعتناء التام بدروسه، فطوى باجتهاده ومواهبه في سنتين اثنتين، ما يطويه غيره من التلاميذ في أربع سنوات، وهو ما جعل معلميه يخصونه بالمحبة، والعطف، ويضربون به المثل في حب التحصيل عندما يريدون تحفيز تلاميذهم، ولكنه اصطدم منذ مراحل التعليم الأولى بمأساة التعليم في الجزائر المستعمرة، حيث غدا التلميذ ممزقا في أغلب الأحيان بين تعليمين أحدهما فرنسي، عصري المناهج والأساليب؛ ولكنه يهدم الروحيات ومقومات الشخصية الجزائرية هدما، وثانيهما عربي حرّ، والذي عرفته الكتاتيب، والمساجد، وبعض المدارس الخاصة؛ ولكنّه عقيم الأساليب ضعيف المناهج. ونتيجة لذلك، قرّر والده أن يبعث به إلى تونس، وكانت آنذاك قبلة كلّ شغوف بالمعرفة، فانظم حمّود إلى أفراد البعثة التعليمية التي كان يرأسها الشيخ أبو اليقظان، والشّيخ أبو إسحاق أطفيش، والشّيخ محمد الثميني، فكوّنته المطالعة والأندية الأدبية، وأبرز مواهبه الشّعرية، وربّاه مشايخه في البعثة، وزرعوا فيه حبّ الاستقامة خلقا ودينا، وبثوا في نفسه حب التضحية، وتقلب هناك في مدارس منها السلام، فالمدرسة القرآنية الأهلية، ثمّ المدرسة الخلدونية، ثمّ الجامع الأعظم، درس الخط العربي، وبرع فيه، كما درس مبادئ في الجغرافيا والتاريخ، ثمّ النّحو، والصّرف، والتشريح، والهندسة، وفي القسم الثاني العلوم الطبيعية بأسرها، فكوّن مع بعض إخوانه الطلبة في البعثة (جمعية أدبية وطنية)، حيث كان من أبرز عناصرها، ولكنّ مرض السّل الخطير، بدأ ينهش رئتيه، وهو ما يزال طالبا في تونس، لم تسلمه مخالبه إلا بعد أن مزّقته، وأخيرا انطفأت شعلته.

الشّاعر والنّاقد رمضان حمّود



ضرورة الاحتكاك بالآداب الغربية


إنّ الشّعر الجزائري، أبان في الثلاثينات، أنّ أقلّ ما يقال عنه أنّه شعر تقليدي محافظ، ينتمي إلى الكلاسيكية الجديدة عند شباب الحركة الإصلاحية، ويرتد إلى عصر الانحطاط عند غيرهم، ونتيجة لذلك فإن الدّعوة الجريئة، والصريحة إلى الاتصال بالغرب، إنّما أتت من رمضان حمود الذي جهر بدعوته، في وقت كان النّقد والأدب في المغرب العربي عبارة عن اجترار للقديم، وفي هذا الوقت المبكر، فهم حمود أنّ السّبيل الوحيد هو تحرير الأدب من قيود الماضي، وما يطلق عليه بالجمود والتقليد الأعمى، ويظهر ذلك من خلال قوله: «أنا لا أقصد بالترجمة الترجمة اللفظية، والاختلاس، والمسخ، وقتل الأدب بالسيوف العجمية شرّ قتلة... بتحطيم الأوضاع، والقواعد الأساسية، والبلاغة العربية، والامتيازات، والفروق التي بني عليها كلّ قوم... ولكن أقول، وأكرّر بكلّ حرية، وأتفوّه بما أعتقد... إنّ الأدب العربي مريض ومشرف على الهلاك، إن لم يتداركه أبناؤه في عصر خالف تمام الاختلاف عصوره المتقدّمة، فهو يحتاج إلى دواء ناجع، يوافق علّته، ومزاج طبيعته المنغمسة في حالة الجوّ الحار، إنّ لكلّ زمان رجالا، ولكلّ أدب مخصوصا به، لا يزن أن يقلّده الجيل الذي يليه. بيد أنّ دعوته، لا تعني أنّ الأدب العربي ضيفا يحتاج إلى توسيع أو معوزا يفتقر إلى ثروة، أو خامل الفكر، لا بدّ له ممن يرفع صوته ليعرفه النّاس، ولكنّ الأدب الجزائري في نظره أصيب بانتكاسة شديدة، فهو في حاجة ماسة إلى البحث عن علاج، وهذا لا يمكن إلاّ بالاحتكاك بالآداب الأجنبية، وإنّما ركّز هو وزملائه على قضيّة تطور كلّ أدب، ثمّ تساءل عن العوامل النفسية لتشبث بعض الأدباء بالقديم، فيقول: «وهل قوّة الإدراك في تقهقر مستمر، حتّى أنّ المرء لا يفعل شيئا إلاّ، ويسأل: هل فعله القدماء أم لا؟، وهل هو مطابق لإرادتهم أم لا؟، وهل القدماء رمز على العلم، والاختراع، والمتأخرون على الجهل والاتّباع؟، وهل خلق الإنسان ليكون ذيل غيره، وغيره هو الرأس؟، وهل يدوم بناء بغير ترميم، وتجدّد، مهما كانت صلابته، وقوّة مشيّده؟».

لم يهتم حمّود في نقده برسالة الشّعر، ومضامينه وحدها، وإنّما اهتمّ بشكل القصيدة أيضا، ذلك لأنّه لم يفصل قط بين الشّكل والمضمون، فهما عنده متكاملان متلاحمان في نسيج واحد، إذ يرى بأنّه لا يمكن أن تكون هناك جدّة أو تطوّر في أحدهما دون الآخر، ومن ثمّة، كان لا بدّ من العناية ببعض القضايا الفنية المحضة، وأهمّ هذه القضايا، كما يتجلّى من خلال النصوص قضية الصدق الفني، التي عرفت هي الأخرى نقاشا حادا بين القدامى والمحدثين في الشّعر العربي، لهذا فإن رمضان حمّود يريد أن يشير إلى أنّ العملية الشّعرية هي الأساس في القصيدة الشعرية سواء كانت ذاتية الإنسان المتمدّن أو المتوحّش، وإن كلّ ذلك يظهر بالممارسة، وما دام أنّ الشّعر مصدره النفس الإنسانية، فإنّ المثقف والعامي فيه سيان، فكلاهما يرسل كلامه من نفس متّقدة، وروح ملتهبة، وقلب مملوء إحساسا وشعورا، فتقبله أسواق الأفئدة والصّدور. إذن، مصدر الشّعر، النّفس، والرّوح، والقلب، ومادّته، الإحساس والشّعور، وهذا لا يتأتّى، إلاّ بالاحتكاك والممارسة، ومن هنا فإنّه في نظره أيضا، أنّ الشّعر سطّر بريشة الشّعور على صحائف لغات الأمم الخاصّة بها..

الإلهام والموهبة


ويترتّب عن التحديد السابق للأدب بعامّة، والشّعر بخاصة، أنّ نقّاد الاتّجاه التأثري في المغرب العربي، نظروا إلى الشّعر على أنّه إلهام، أي أنّه موهبة مُنِحَها الإنسان لتصوير ما يضطرب في نفسه من مشاعر وعواطف، لهذا فإنّ رمضان حمُّود نظر في هذه القضية، معتمدا على الناقد الفرنسي المشهور شابيلين، فقال: «إنّ الشّعر هو النّطق بالحقيقة، تلك الحقيقة العميقة، الشّاعر بها القلب، والشّاعر الصادق، قريب جدّا من الوحي»، فالشّعور في نظر هذا الناقد الجزائري، ليس عملا يمكن أن يقوم به من شاء من النّاس، بل هو إلهام تولّده الطبيعة في نفس الشّاعر. لهذا فإنّ حمّود، تجنّب استخدام كلمة وحي، حتّى لا يؤدّي به إلى مجابهة رجال الإصلاح، خاصّة، وأنّه يشاركهم في كثير من مواقفهم، قال ذلك حتّى يتجنّب الشّاعر التصنع، وأن يصوّر ما في نفسه من شعور صادق، أو ما يسمّيه: «وحي الضمير، وإلهام الوجود»، والحقّ أنّ نظرته هذه تكتمل مع شخصيّته تمام الاكتمال، فقد عرف عنه، كره شديد للنّفاق، والدّجل، ومقت قويّ للتقليد والجمود؛ أو لم يقل عن مذهبه الفنيّ: «لست من الذين يكتبون للتسلية والترويح عن النّفس، ولا الذين يتذلّلون بالعبارات المنمّقة الرقيقة، ولكن أكتب لأفيد وأستفيد، لا ليقال إنّه كتب، بل ليقول لي ضميري أنّك قمت بواجبك، وأدّيت ما عليك، فكن مطمئنا». والصّدق عنده أساس نجاح التجربة الفنية بصفة عامة، لذلك فإنّ الشّاعر من هذه الوجهة، لا يختلف عن الرّسام في شيء، فكما أنّ الرّسام لا ينجح إلاّ إذا تزوّد بطاقة حيّة من الشّعور، وكان المنظر الذي يريد رسمه حاضرا في ذهنه وأمام عينيه، كذلك الشّاعر، لا طاقة له على امتلاك العقول، والأخذ بأزمة النّفوس، إلاّ إذا أجاد تصوير العواطف الهائلة، التي تقوم في ميدان صدره الرّحب، عندما يريد أن يعرب للسّامع عن خواطره الخاصّة أو العامة، لا مجرد تنسيق، وتزويق، وتكلّف مشين، وكذب فادح، لأنّ هذا مما ينقص من قيمة الشّعر والشّعراء في الأمّة النّبيهة.

الموقف من لغة الشّعر


وكلّ ما كان يهمّ رمضان حمّود وزملاؤه، أن تكون اللّغة بسيطة، وأن يكون الأسلوب غير معقّد، أو بعبارة أخرى، عدم تكلّف الشّاعر في التّعبير عمّا في نفسه من أحاسيس، لهذا يخاطب من يصفهم بالأحداث، قائلا : «فيا أيّها الأدباء الأحداث، انبذوا عنكم التكلّف والتنطّع في اللّغة، وأفرغوا المعنى الجميل في اللفظ الجميل»، فحمّود، لا يريد أكثر من الصّدق في التعبير، وهو الصّدق، الذي إن أخذ به الشّاعر، جنّبه التكلّف، والتنطّع في اللّغة، وجعله يعبّر عن نفسه، بدل أن يبقى ظلاّ لغيره من الأدباء، فاللّغة التي يفضّلها، هي التي تتماشى وروح العصر، المتطورة معه، المستجيبة لمتطلباته، لغة سهلة التناول من طرف المتلقين، بسيطة، تصل إلى النفس الإنسانية دون جهد أو تكلّف، فهي لا تتعالى بكلمات غريبة معقّدة، كما لا تنزل إلى عامية شوهاء مبتذلة، إنّها اللّغة الوسطى، كما يعبّر عنها اليوم، حيث يرى رمضان حمّود، بأنّه: «لا يسمّى الشّاعر شاعرا عندي، إلاّ إذا خاطب النّاس باللّغة التي يفهمونها، بحيث تنزل على قلوبهم، نزول ندى الصباح على الزّهرة الباسمة، لسنا في حاجة لأن يكلّمنا الشّاعر في القرن العشرين بلغة امرئ القيس، وطرفه، والمهلهل الجاهليين الغابرين». ومن الواضح، أنّه لم يدع إلى لغة دارجة أو عامية، كما دعا إلى ذلك بعض النقاد في المشرق العربي، في تلك الفترة بالذات، لأنّ الحفاظ على اللغة عنده هو حفاظه على القومية، والأصالة، والشخصية، ويتجلّى ذلك في هذه الدّعوة التّي وجّهها إلى الأدباء والشّعراء، قائلا: «أجهدوا أنفسكم في درس لغتكم، في فهم أسرارها، في تدقيق معانيها، في إتقانها، غاية الإتقان، فإذا تمّ لكم المراد، واستحوذتم على جانب وافر منها، أنبذوا عنكم كلّ صلة بينكم، وبين ماضيها، اجعلوها وسيلة إلى نيل مآربكم، لا غاية تتجاوزونها، غيّروا، فنّنوا، واسعوا، أصلحوا، فإنّكم بذلك تكونون عصرا: أنت ما يحلو لك».

التّصوير والتّعبير في الشّعر


لقد التفت النقّاد التأثّريون في المغرب العربي إلى جوانب أخرى في الشّعر، فبالإضافة إلى النظر في الوزن، واللّغة، والذّوق، والإحساس، والعاطفة، نظروا كذلك فيما أطلقوا عليه أحيانا (الصّورة الشّعرية) وأحيانا (التّصوير الشّعري)، لذلك فإنّ رمضان حمّود اعتبر الشّاعر، والمصوّر، أجيرين للفنّ، والجمال، وكلاهما مدين بالإجادة، والتدقيق في النظر والبحث، فهذا في المحسوسات، وذاك في المعنويات، وإذا كان التّصوير يستلزم بالإضافة إلى الشّعور حواس متطوّرة، قادرة، على التقاط الجزيئات الدّالة، فإنّ التّصوير في المعنويات، يقتضي من الشّاعر التأمّل، ومراجعة النفس، في الحالات الرقيقة أو المتشابهة، كما يتطلب منه إجادة استعمال العقل الباطن في هضم المادة التي يستند عليها عمل الشّاعر في البداية وتكييفها، لذلك فهو يقول: «فكذلك الشّاعر لا طاقة له على امتلاك العقول، والأخذ بأزمة النفوس إلاّ إذا أجاد تصوير تلك الوقائع الهائلة، التي تقوم في ميدان صدره، عندما يريد أن يعرب للسّامع عن خاطر من خواطره الخاصّة أو العامة كانت (كدّا)، لا مجرّد تنميق وتزويق مشين». وهذا يقودنا إلى الحديث عن الصّدق، وبالتالي يقودنا إلى الحديث عن العاطفة، ودورها في إبراز الصورة الشّعرية، تلك القضية التي وجدت كلّ الاهتمام من رمضان حمّود، حين اعتبر العاطفة أوّل عنصر يساعد على إنجاح الشّعر وإخفاقه، وقد حذّر الأديب الناشئ، من أن يتقدّم إلى مهنة الشّعر والأدب بزاد النّحو، والصرف، أو العروض، والقوافي، أو البلاغة، والمادّة اللغوية...، ما لم يسعف كلّ ذلك في نفسه وازع قويّ نحو التّجربة الأدبية، فهو ليس بضاعة كما يقولون، ولكنّه إلهام وجداني، ووحي للضّمير... إنّ الأدب الذّي لا يصدر عن نفس حسّاسة في نفحاتها، لا يتسرّب إلى أعماق النّفوس الحيّة، بل لا يخلد طويلا، ولا يلبث أن يقضي عليه سلطان النسيان والإهمال. والواقع أنّ المذهب الرّومانسي في الأدب، كان يعطي أهمية عظيمة للصّورة الفنية والعاطفة في التجربة الفنية، ويعود هذا اعتبارا إلى طبيعة الرومانسية نفسها، التي جعلت للقلب، والشّعور أعلى قوّة من العقل، باعتباره هاديا للإنسان.

والخلاصة بعد كلّ هذا، نستطيع أن نقول، بأنّ رمضان حمّود يعتبر بالنسبة للأدب الجزائري الحديث، رائدا في ميدان النّقد الأدبي، ولا سيما في مجال نقد الشّعر، فقد عالج قضايا جوهرية، منها رسالة الشّعر، ودوره في الحياة، وأوضح ما في المضامين التقليدية من قصور، كما عالج بعض القضايا المعنوية، منها العاطفة، ودورها في الشّعر، وقضية الصّدق الفنّي، واللّغة الشّعرية، وكيف يجب أن تكون.

المقال/ نشر بواسطة الكاتب الأخضر بن هدّوقة، على موقع الجمعية الدّولية للمترجمين واللّغويين العرب(واتا)، بتاريخ: 30 أفريل 2009.



من هو الشّاعر والنّاقد رمضان حمّود؟


ولد رمضان حمّود في سنة 1906 بمدينة غرداية/الجزائر، في بيئة محافظة، وقد كان لوالديه، وجدّه، أكـبر الأثــر في تنشئته النشأة الصالحة، وحب الوطن. ولمّا بلغ السّادسة من عمره، صاحب والده إلى غليزان، فالتحق بإحدى المدارس الفرنسية هناك...

وقد طوى باجتهاده في سنتين، ما يطويه غيره في أربع سنوات، فقرر والده أن يبعث به إلى تونس، فانضم إلى أفراد البعـثة التعليمية التي يرأسها الشّيخ أبو اليقظان، والشّيخ أبو إسحاق أطفيش، والشيخ محمد الثميـني، وعمــره 16 سنـة. فتكوّن فيها أدبيّا، وفكريّا، واجتماعيّا، وسياسيّا. لم تدم إقامته بتونس طويلا لظروفه الصحية، وبعد عودته إلى الجزائر، سجنته السّلطات الاستعمارية سنة 1925. وقد قضى بقية حياته، يناضل من أجل إصلاح مجتمعه، حيث كان يعاني من مرض السّل الذي أعيا الأطبـاء داؤه، فانطفأت هذه الشّعلة من الطموح والحماسة سنة 1929. ومن آثاره الخالدة:

1.   بذور الحياة: خواطــــر في الأدب والاجتماع. 

2.   الفتى: محاولة قصصية، تحكي حياة رمضان نفسه. 

3.   قصائـد شعريّة: له حوالي 25 قصيدة في مختلف المواضيع. 

4.   مجموعة مقالات: أدبية واجتماعية، موزّعة في مجلاّت.
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع