/ مرّة أخرى: «درسُ نقرين في التّاريخ» !

القائمة الرئيسية

الصفحات

مرّة أخرى: «درسُ نقرين في التّاريخ» !

مرّة أخرى: «درسُ نقرين في التّاريخ» !

قلم: أحمد بلقمري

النقيشة الأثرية التي تمّ اكتشافها بنقرين بتاريخ: 02 جانفي 2020

كتبت سابقا مقالا بعنوان: «هل كان الأب دونا (DONATUS) مسلما؟»[1]، وتحدّثت فيه عن المسألة الدّينية كموضوع لتفكير نقدي، وهذا اهتماما منّي بالتّراث الجزائري باعتباره رمزًا للهوية الإنسانية الخاصة بأيّ شعب من الشّعوب والقبائل. وها أنذا أحاول العودة إلى كتاب نقرين المفتوح على الطبيعة لأنهل منه درسا من دروس التّاريخ، وأنثر المعرفة على الجوانب لعلّ ضمير المسؤولين عن قطاع الثقافة يستيقظ للحفاظ على ما تبقى في نقرين من آثار وتراث (مادي ولامادي) من الاندثار والضياع.

الجبل الذي تمّ العثور فيه على النقيشة

ومن صفحات كتاب نقرين، ودون قصد على الأرجح، راجت صور على صفحات موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» لقبر من الحقبة الرومانية المسيحية من منطقة نقرين جنوب ولاية تبسة تمّ اكتشافه من طرف الجمعية البلدية لإحياء السّياحة والتراث والمحافظة على البيئة والآثار بتاريخ: 02 جانفي 2020، أين لاقت هذه الصّور اهتماما كبيرا من روّاد الفايسبوك، وكذا من طرف المتخصصين في علم الآثار قبل وبعد تعرّض النقيشة المعثور عليها إلى التخريب، حيث قدّم ملاتيوس جبرائيل جغنون العالم المتخصص في علم الإبيغرافيا أو قراءة وترجمة النقوش الأثرية القديمة باللغات الآرامية واليونانية ترجمة للفسيفساء المزيّنة بطلب من صديقه الأستاذ تيسير خلف، وكان هذا نصّها: «التذكار الذي قدّمته الزوجة المخلصة لقرينِها "أتافي" بمناسبة مرور أربعة عشر عاماً لسيّدنا المسيح» .كما أضاف الأستاذ جغنون: «إذا أدخلنا الزاوية القائمة التي هي على شكل حرف (L) والحاضنة للرقم اللاتيني (XIIII). أقول لو أخذناها بعين الاعتبار، وحسبناها على أنّها فعلاً (L فعندئذ (أقول لو صح ذلك؟!)، إنّه يمكننا قراءة الرقم اللاتيني 64 عوضاً عن 14، والله أعلم؟ «!.
ويتابع الأستاذ جغنون: «عدد السنوات المعطاة هنا لا يمثل تأريخًا بقدر ما يمثل عدد السنين التي انقضت على وفاة الزوج مقدَّرا بالأعوام المسيحية«.

النقيشة التي تم العثور عليها بنقرين


كما جاء في بيان لمديرية الثقافة لولاية تبسة، ما يلي:
«بعد تقديم بلاغ من طرف السيد رئيس دائرة نقرين، والذي بدوره تلقّى بلاغ من طرف جمعية البلدية لإحياء التراث والمحافظة على البيئة والآثار نقرين، بخصوص العثور على فسيفساء بمنطقة بوباديس ببلدية نقرين، قامت مصالحنا بمعاينة الفسيفساء التي تحمل كتابة لاتينية جنائزية، هي كالآتي :
IN NOMINE CRISTI ME/
MORIA POSITA AB/
VXORI ET A FILII/
S IULIANA VIXIT ANNIS LXIIII.
In nomine Cristi. Me/moria posita ab/ vxore et a filii/s. Iuliana vixit annis LXIIII.
الترجمة إلى العربية :
باسم المسيح قدّم هذا التذكار من طرف زوجته وأبنائه للوليانا الذّي عاش 64سنة[2].
الشّكر لكلّ من السيد رئيس الدائرة والجمعية التي ساهمت في المحافظة على حماية هذا الموروث الثقافي».

واحة نقرين


نحن هنا إذا أمام فرضيات علمية بمعنى توقّعات واحتمالات لحلّ مشكلة، لكن الأهمّ في كلّ هذا أنّ الأرض في نقرين (Nigrae) تخبّئ أسرارا دفينة لتاريخ عظيم احتضنته بلاد الجنوب القريبة من صحراء الوادي، وغير بعيد عن سوق أهراس (Thagaste) بلد القديس أوغسطين (Saint Augustin). هناك أين ولد الأسقف المسيحي البربري دونا الأكبر (Donatus Magnus) المتوفّي نحو سنة 355 للميلاد في بلاد كنيسة إفريقيا (Casae Nigrae)، والتي أنجبت أسقفين آخرين كبيرين، هما: الأب فيليكس (Fælix Casennigrensis)، والأب جانفي النقريني (Janvier Casensium Negrentium)[3]، الذين حضرا مؤتمر قرطاجة لمناظرة القديس أوغسطين باعتبارهما رئيسين للدوناتيين، وكان القديس أوغسطين ذاته قد اعترف أنّ سوق أهراس وما جاورها كانت على دين التوحيد الدوناتي (المسيحية على مذهب الدوناتيين)، حيث كان الدوناتيون يصلّون في كنائسهم باللغة الكنعانية الفينيقية القرطاجية بينما يصلّي القديس أوغستين في الكنائس الرّومانية باللّغة اللاتينة.
وبالنظر إلى أهمية كنيسة نقرين (Casae Nigrae) تاريخيا، قرّرت الكنيسة الكاثوليكية ومقرّها في روما، سنة 1965، إعادة إحياء كنيسة نقرين بصفة شرفية، حيث عيّنت Francis Costantin Mazzieri أسقفا لها (ابتداء من سنة 1965 إلى سنة 1970)، ثمّ الأسقف Michael Patrick Olatunji Fagun (ابتداء من سنة 1971 إلى سنة 1972)، وبعده الأسقف Bishop Heriberto Correa Yepes (ابتداء من سنة 1973 إلى سنة 2010)، وبعد ذلك الأسقف José Carlos Chacorowski (ابتداء من سنة 2010 إلى سنة 2013)، ومن ثمّة الأسقف Robert Anthony Llanos (ابتداء من سنة 2013 إلى سنة 2018)، أمّا حاليا فيرأس الأسقف Wojciech Skibicki كنيسة نقرين شرفيا (ابتداء من تاريخ 14 فيفري 2019، إلى يومنا هذا)[4].
هذا غيضٌ من فيض، والله وحده يعلمُ ما تحملُ  هذه الأرض، وما تغيض، وما تزداد من آثار ذات قيمة كبيرة ينبغي لصنّاع القرار في مجال الثقافة أن يخصصّوا لها مزيدا من العناية والرعاية بعيدا عن الخلفيات الثقافية الإيديولوجية، وفي إطار أسلوب عمل مناسب للتعامل مع عديد الاختلافات الضرورية لضمان فعالية الأداء حفظا للتّراث والثقافة. 




[1]  بلقمري, أ. (2018). هل كان الأب دونا (DONATUS) مسلما؟. [online] Blogs.aljazeera.net. Available at: https://blogs.aljazeera.net/blogs/2018/12/27/%D9%87%D9%84-%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8-%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A7-donatus-%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D8%A7 [Accessed 12 Jan. 2020].
[2]  ترجمة النقيشة الأثرية من طرف المختص في علم الآثار لمديرية الثقافة لولاية تبسة السيد مهران سالمي. 
[3]  أنظر كتاب:  Dictionnaire historique-portatif de la géographie sacrée ancienne et moderne، لصاحبه: François Morenas. ص212.
[4] Cheney, D. (2019). Casae Nigrae (Titular See) [Catholic-Hierarchy]. [online] Catholic-hierarchy.org. Available at: http://www.catholic-hierarchy.org/diocese/d2c58.html [Accessed 12 Jan. 2020].

هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع