فضيلة الفاروق لثقافة اليوم:
لو بقيت في الجزائرلأصبحت « محلية» أو ربما أكون اعتزلت الكتابة...
فضيلة الفاروق مدينة آريس بقلب جبال الأوراس، التابعة لولاية باتنة شرق الجزائر، هي كاتبة جزائرية تنتمي لعائلة ملكمي المثقفة التي إشتهرت بمهنة الطب في المنطقة، واليوم أغلب أفراد هذه العائلة يعملون في حقل الرياضيات والإعلام الآلي والقضاء بين مدينة باتنة وبسكرة وتازولت وآريس طبعا.
بيروت بشكل ما منحتني حياة جديدة، خاصة أنني بدأت من الصفر حين قدمت إليها
فضيلة تركت الطب لتتجه إلى الرواية ولتشد الرحال إلى بيروت، حيث حققت حياة أخرى، وهاهي تفتح بعض صفحاتها لثقافة اليوم.
* هناك الكثير من الأدباء هاجروا مواطنهم وأبدعوا، هل يعني ذلك أن الوطن يفقد الأديب تطلعاته وأفكاره، أم أن هناك أمورا أخرى ؟
- دعني أتحدث عن تجربتي الخاصة حتى لا أظلم أحدا بتنظير قد لا يكون صحيحا. حين كنت في الوطن، كنت أكتب يوميا، نتاجي كان كثيرا، كنت أملأ أغلب الجرائد بالقصص والمقالات ونصوص تشبه الشعر لأني لم أكن شاعرة حسب رؤيتي الخاصة لما أكتب، لقد توفرت لدي الموهبة، والطموح، وكنت شعلة من النشاط، طالبة جامعية، وأعمل بالموازاة في جريدتين وأقدم برنامجا إذاعيا ناجحا، ومع هذا لم استطع أن اصدر كتابا، كنت وقتها عضوا في رابطة إبداع الأدبية، أنشط بكل ما أوتيت من قوة وطموح وأحلام، ومع هذا كانت الكتب التي تصدر لذكور لهم توجه سياسي معين. والنتيجة هي أني استقلت من الرابطة، حاولت بعدها أن أجد ناشرا بمفردي، وصدمت بواقع النشر، أظن أن الأمر اختلف قليلا اليوم في الجزائر، خاصة بعد أن تكفلت وزارة الثقافة بدعم جمعيات كثيرة لإصدار منشوراتها. المصيبة الوحيدة المتبقية هي أن الإعلام في الجزائر، ومجموع كتابنا ومثقفينا منشغلين أغلب الوقت بمحاربة بعضهم بعضا، ما جعل الصراع محليا، وما يكتب يظل محليا أيضا. حين خرجت من الجزائر منذ 16 سنة تقريبا، وجدت أفق بيروت مفتوح، صحيح أن الساحة الثقافية، ساحة وغى، ولكنك في بيروت تجد أمامك خيارات واسعة لتحقق ما تريد. إن خامتي جزائرية هذا شيء مفروغ منه، بقي أن أعترف أن بيروت علمتني ما معنى الحياة، ومنحتني أفقا واسعا لأعرف.
* فضيلة في الجزائر شخصية مختلفة عن فضيلة بيروت، هل الغربة وانتماؤك لجنسية أخرى فتح لك آفاقا أخرى من البوح غير المحدود، فلو كانت فضيلة في الجزائر لما رأينا أغلب رواياتك ؟
- الجزائر بلد متعب، فيما بيروت رغم كل شيء بلد مريح، وفيه آفاق من الحرية تجعل الشخص طليقا في أفكاره وحياته، لو بقيت فضيلة في الجزائر لظلت " محلية" أو ربما أكون اعتزلت الكتابة، لقد مررنا في التسعينات بفترة سوداء قتل فيها أكثر من ستين كاتبا ومثقفا، وكان من الصعب أن أقف في طابور الموت وأنتظر دوري، لعلي كنت مت، واسمي تبخر من ذاكرة التاريخ... بيروت بشكل ما منحتني حياة جديدة، خاصة أنني بدأت من الصفر حين قدمت إليها.
* تقولين أن القصة القصيرة لا تستوعب ألمك وأنه يلزمك دفاتر ودفاتر لإملائها بما يؤلمك هل الرواية تعبير عن الذات الشخصية أم الذات الإنسانية، وهل فضيلة تجد في الرواية ثرثرة نسائية لما كان فقط ؟. هناك من يجعلوننا نبتلع ما يكتبون بعدة لغات غصبا عنا و كأننا نبتلع زيت السمك على الريق لأنهم يملكون سلطة ما.
- سؤالك إستفزازي، لكنه جيد، لقد كنت أكتب القصة القصيرة في الجزائر وكنت حينها أهتم كثيرا بتقنيات الكتابة، وحين انتقلت إلى بيروت، صفعتني الغربة بمفاجآت لم تكن لتخطر على بالي، فدخلت مرحلة جديدة من اكتشاف الذات. صحيح أن البعض يعيب علي أني أسرد أشياء كثيرة متعلقة بحياتي، لكن في نظري بدل أن أتلصص على الآخرين، و أكتب عنهم، متخفية في عباءة القديسة التي تعظ الناس وتدعي أنها فوق البشر، الأجدر بي أن أسرد تجاربي وأكشف أعماقي للقارئ، أنا أرفض التزييف، والتصنع، وحين أكتب لقارئ أريده أن يستوعب ويتعظ من تجربتي أنا دون أن أتفلسف عليه، فلطالما آمنت أن الأدب رسالة مقدسة، على الموهوب أن يحملها على عاتقه مثل رسالة ربانية من أجل خلاص البشرية من دمارات كثيرة. أما عن الشق الثاني لسؤالك فأرى أن هذا الجواب وارد، كما أجوبة أخرى، من يقرأ " بنات الرياض" لرجاء الصانع سيعرف أن الرواية ثرثرة نسائية، لكن عليه أن يكون حذرا لأن الثرثرة عامل خطير في صنع قراراتنا، كما في صنع مصائرنا أحيانا بالتالي لا يجب أن نستخف بهذه الثرثرة، إنها تكشف عن هويتنا بامتياز، و تكشف عن قيمة ثقافتنا، ...ثم لا يجب أن تنسى أننا مجتمع يرتعب من الثرثرة، و يقضي أغلب وقته بممارستها، إذن لا يجب أن نحاسب بعض كاتباتنا على ثرثرتهن الورقية.
غادة السمّان |
* هل نستطيع أن نقول أن فضيلة الفاروق حملت هم وأوجاع وطن في كتاباتها، رغم وجود الصوت النسائي الجزائر الآخر مثل أحلام مستغمانمي ؟
- سؤالك قاتل يا صديقي، وظالم لتاريخ الجزائر الأدبي، الجزائر تعج بالأسماء الأدبية، لكن المشكلة أنهن مغيبات للأسباب التي ذكرناها سابقا، لا يجب أن ننسى زهور ونيسي أول كاتبة جزائرية كتبت باللغة العربية وأصدرت رواية في مطلع السبعينات بعنوان " يوميات مُدَرِّسة حرة" ولا يجب أن ننسى الشاعرة مبروكة بوساحة أول شاعرة أصدرت مجموعة شعرية باللغة العربية في الجزائر أواخر الستينات، ولا يجب أن ننسى الكاتبة العملاقة جميلة زنِّير، لا يجب أن ننسى زهرات الأدب الجزائري ياسمينة صالح، نوارة الأحرش، لميس سعيدي، نسمية بوصلاح، حنين عمر، سارة حيدر، فايزة مصطفى، زهرة ديك، حمامة العماري، فاطمة بن شعلال، سليمى رحال، نصيرة محمدي، حبيبة محمدي، ندى مهري، عبير شهرزاد.. القائمة طويلة يا صديقي ويصعب علي تذكر الجميع. وكل هؤلاء الكاتبات و الشاعرات حملن همّ الوطن في كتاباتهن كما هموم أخرى، أما عن همي أنا فهو هم الإنسان عموما وهم الوطن وهم الثقافات والأديان التي أخذت مسارات مدمرة في حياتنا بدل أن تكون طريقا للسلام النفسي والفردي، والجماعي العالمي.
* تشتكين من الإعلام على أساس أنه يحاسب الكاتبة على عناوين رواياتها ولا يقرأ تلك الروايات هل من وجهة نظر لك حيال ذلك ؟
- من المؤسف أن تحاكم روايتي " إكتشاف الشهوة" من خلال عنوانها، لأنها رواية تعالج مشاكل الزواج المدبر من طرف العائلات ويدفع ثمنه الشبان والشابات المتزوجون حسب أهواء أهلهم. لقد لعبت في الرواية على الإسقاطات الرمزية، وناقشت الموضوع من عدة جوانب، لكن للأسف حوربت الرواية لأن عنوانها فيه كلمة " شهوة" ولأن إحدى القصص الواردة في الرواية تحكي معاناة الأزواج من الانسجام الجنسي بينهما ما يجعل الزواج ينهار. وصراحة فوجئت حين منعت الرواية في أغلب العالم العربي، بسبب كلمة " شهوة" لأن الشهوة شعور غريزي موجود في الإنسان والله سبحانه وتعالى زرعه فينا لحكمة يعرفها، وقمعها يعطي أفرادا شواذا في تعاملهم مع الآخر، وإطلاق سراحها بدون تهذيب يحول الإنسان إلى أبشع من الحيوان، لهذا كان يجب طرح الموضوع في رواية، حتى يتسنى للقارئ البالغ فقط أن يقرأها مع نفسه ويشغل مخه لمناقشته، فحتما الرواية أرقى بكثير من مواقع السكس التي يزخر بها الإنترنت، وقنوات التلفزيون الفضائحية، وغيرها. يجب أن نتعامل مع الرواية بواقيعة أكثر، وندرك أنها نسخة مبسطة جدا ومتناهية في الصغر مما هو موجود في الحياة، فالكاتب ليس خالقا ليأتي بشيئ جديد، وما يقدمه ليس بالضرورة أن نقبله، لقد منحنا الله عقولا لنناقش ما نقرأ، ويمكن أن نفعل ذلك بشكل راق وبدون شتم وتذمر وتعد على الكاتب أو مناصريه.
* فضيلة الفاروق هي فضيلة ملكمي، نرى أنك تكتبين خلف اسم مستعار، ومع ذلك لا تنصحين أي كاتبة أن تتوشح باسم مستعار، كيف تفسرين ذلك ؟
- حين اخترت اسما مستعارا، كنت خائفة ومرعوبة من ردة فعل العائلة، والمجتمع، وكنت أريد أن أتخفى، ولكن بعد سنوات من التخفي بدأت أعرف شيئا فشيئا، ووجدت أن جيل عائلتي الشاب يقف إلى جانبي ويشجعني، وأن الأفكار التي كنت أخاف منها خاصة من المحيط القريب مني تغيرت كما كل شيء في هذه الدنيا يتغير، اصبحت اشعر بألم أني انسلخت عن هذه العائلة باسم مستعار، خاصة أن عائلتي عائلة مشهورة بنبل أخلاقها، ومهنتها المتوارثة جيلا عن جيل " الطب"، ثم إن أغلب ابناء العائلة اليوم برعوا وتألقوا في مجال الرياضيات وهندسة الكومبيوتر والقضاء، فوجدتني غريبة باسم الفاروق الذي لا علاقة له لا من بعيد ولا من قريب باسم عائلتي الأصلي " ملكمي"... أظن أن ما مررت به ستمر به كل أنثى تدخل عالم الإبداع بإسم مستعار... لهذا أعطي وجهة نظري، ولا أفرضها على أحد... كما أوضح أن الاسم المستعار يخلق لي مشاكل أثناء تلقي دعوات لمؤتمرات وملتقيات خارج البلد، كثيرا ما ترسل لي تذاكر وتأشيرات السفر بالاسم المستعار فأربك الداعين لي بالتصحيح وما يليه من تأخير في ذلك. وأذكر أن شهادة الماجستير استلمتها ومكتوب عليها اسمي المستعار، واضطررت أن أخر سفري 15 يوما لأستلم الشهادة المصححة موقعة من طرف العميد. وليتني احتفظت بنسخة منها لتظل تذكارا.
رجاء الصّائغ |
* إعجابك وحبك لغادة السمان، هل يسمح لنا أن نقول أنك امتداد لغادة السمان بأسلوب آخر ؟
- أحب جدا أن يقال عني ذلك، غادة السمان كانت رفيقتي بأدبها، وتعاملت معها كما أتعامل مع رفيقة قريبة وصديقة حميمة جدا، لكنها ايضا بالنسبة لي مؤسسة خرّجت كتابا كثيرين، نساء ورجالا، وهي مثل الشجرة الباسقة التي ينغرس جذعها في الأرض وفروعها الكثيرة جدا تعانق السماء. أقول ذلك ليس مجاملة لها، بل تقديرا لأدبها وعطائها المستمر بالصدق والإلتزام نفسه الذي بدأت به ذات يوم.
* يتطلع أغلب الروائيين العرب للترجمة، برأيك هل الأعمال العربية المترجمة تعطي الأفضلية أم العلاقات الشخصية لها شأن في ذلك ، وكيف ترين الأعمال العربية المترجمة ؟
- أشعر أحيانا أن المترجم الغربي يتعاطى مع الكاتب العربي بالعقلية العربية وليس العكس، فالكاتب الذي يشغل منصبا حساسا كرئاسة تحرير جريدة أو صفحة أو مراكز معينة في الوزارات هو المفضل لديه، وهو الذي يترجم ويقدم للقارئ الغربي كما لو أنه نموذج يصور مجتمعنا جيدا، ومن جهة لنقل أن حيل بعض هؤلاء الكتاب على المترجمين الغربيين تبلغ قمتها حين يستقدمون للمشاركة في ملتقيات لأجل أهداف شخصية، هناك أدب جيد لم يترجم لهذه الأسباب، وهناك اسماء أدبية تغيب ايضا في الساحة الأدبية العربية وتبعد عن الترجمة قصدا، وهناك من يجعلوننا نبتلع ما يكتبون بعدة لغات غصبا عنا وكأننا نبتلع زيت السمك على الريق لأنهم يملكون سلطة ما. قلة جدا هم الكتاب الذين ترجموا لأن أدبهم جيد... وعلى كل الحديث في هذا الموضوع شائك وطويل، يلزمنا حوار آخر يفرد للموضوع كله لنتحدث بصراحة عن الأسماء والأعمال المترجمة ومن ترجمها وماذا اضافت للمكتبة العربية والغربية لنفهم بالضبط ماذا يحدث في عالم الترجمة.
* هل نجح الراوي «الرجل في تجسيد المرأة» البطلة في الرواية العربية مثل بعض الروايات الأجنبية ؟
- هناك رجال من كل صنف، من يتعاطف مع المرأة ومن يتحامل عليها، من ينصفها ومن يظلمها، والكتاب لا يختلفون عن باقي الرجال، هناك رجال كتبوا برونق لا ينسى كما فعل أمين معلوف في روايته " القرن الأول بعد بياتريس، أو كما فعل ربيع جابر في روايته في رائعته " أميركا" أو كما فعل واسيني الأعرج في روايته " سيدة المقام"... ولنتحدث هنا عن واسيني مثلا والنماذج النسائية التي يقدمها في أدبه، إنه يقدم دوما نماذج واعية، ناجحة متمردة، ثائرة، فيما النموذج الغالب في أدب الرجال هو إما أن يقدموا المرأة المطحونة تماما، أو العاهرة التي تخرج تماما عن الطريق الصواب. فقط أحب أن أضيف أن المرأة يجب أن تكتب عن نفسها لأن المثل يقول:" ما حك جلدك مثل ظفرك" وإن كتب الرجل لنصرتنا كما نفعل نحن فزيادة الخير خيرين...!
* نلاحظ إنك تعتمدين كثيراً في رواياتك على مخزونك الشخصي في الحياة، وهنا يحق لنا أن نسأل عن خيالك، فإلى أي مدى تجسدين الخيال في أعمالك ؟
- كل الكتاب يعتمدون على مخزونهم الشخصي، فالأدب وليد فكرة شخصية، وقراءة خاصة للحياة وكل ما حولنا، نحن نترجم أفكارنا بلغة معينة وبشكل معين لا أقل ولا أكثر، وأنا استعمل خلفيتي الثقافية كما مخزوني الحياتي الخاص بنفس المقدار كما استعمل مخيلتي، وأظنني لعبت كثيرا في روايتي إكتشاف الشهوة، وأقاليم الخوف، بالصور الخيالية التي تجاوزت المالوف، حتى أني إعتمدت الخيال العلمي في " أقاليم الخوف"، لكن لا أدري لماذا لم تلفت نظر أحد هذه الفكرة، لقد أطلقت العنان لخيالي وكتبت عن دول لا أعرفها، أنا لم أزر فرنسا مثلا ولا مرة، ولكني أصف الأماكن فيها بمخيلتي، لم أزر العراق ولا دارفور ولا البوسنة ولا أفغانستان ومع هذا سرحت في هذه المساحات بمخيلتي ما استطعت. أليس سؤالك مجحفا في حقي يا صديقي؟
* نجد أنك تكتبين الأدب الساخر في مقالتك، وتكتبن الألم في رواياتك، إلى أي مدى تستطيع فضيلة الفاروق التوافق بين هذين الأدبين ؟. من يقرأ « بنات الرياض» لرجاء الصانع سيعرف أن الرواية ثرثرة نسائية.
- أجد متعة كبيرة في كتابة المقال الساخر، أما حين أنغمس في كتابة الرواية فعادة أخاطب "صديقي القارئ" وأبكي على كتفه كما تقول غادة السمان، أكتب النصوص المؤججة بالحب والمشاعر الجياشة ايضا، وأجد فيها متعة كبيرة، لكن الرواية تقتلني لأنها تقتلع أعماقي وتنثرها على الورق.
* يقول الدكتور الروائي واسيني الأعرج: "مشكلة الهوية مشكلة أزلية في الجزائر". هل يعني ذلك أن الأدب الجزائري بلا هوية محددة ؟
- يقصد واسيني هنا الصراع بين المعربين والمفرنسين في الجزائر، وهو صراع ثقافي محض تولد من جراء ردات الفعل المتفاوتة ضد الاستعمار الفرنسي، كما يقصد أيضا الصراع الإثني بين المنتمين للثقافة العربية المشرقية ويصرون على أن السكان الأصليين للجزائر قدموا من اليمن بالتالي يصرون على أننا عرب، وبين الأمازيغ الذين يعتبرون أنفسهم فصيلة من الرجال الأحرار الذين تواجدوا في الجزائر قبل ظهور العرب في شبه الجزيرة، وأسسوا لحضارة عمل العرب على طمسها بعد الفتوحات الإسلامية، مع خلط مقصود بين الإسلام واللغة العربية ورفض الفصل بينهما، بحيث اصبح كل من يبوح بأمازيغيته يطعن في دينه. هذا الصراع يحتد كل سنة مع استغلال رجال السياسة له ليصبح خط تماس مكهرب بين الفريقين. لكن بالنسبة للأدب فإن البصمة الأمازيغية موجودة في كل الأدب المكتوب سواء باللغة العربية أو الفرنسية، كما نجد أن الأدب المكتوب باللغة الفرنسية يعكس وطنية فائقة، وحبا كبيرا للجزائر من طرف كتابه، وكل شيئ في النصوص الجزائرية باللغتين يسرد تفاصيل حياة الجزائريين المختلفة تماما عن المشارقة وعن الفرنسيين، وهذا يعني أن للأدب الجزائري هوية واضحة ومحددة ويمكن إعتبارها دليلا قاطعا على أننا شعب له جذور عريقة، ولكن مثله مثل غيره في العالم الثالث دخل دائرة الصراعات السياسية التي حولته إلى كائن مهمش ومسكين وما سوف عليه.
* يقول الباحث والروائي المصري إبراهيم محمود " إن الكاتبات يكتبن ما أراد شهريار، فشهرزاد كانت تقص على شهريار ما يريده هو وليس ما تريده هي، وكاتبات اليوم يفعلن الشيء ذاته لشهريار اليوم ". أستند الباحث والروائي إبراهيم محمود بمقولته تلك بروايات فضيلة الفاروق، كيف ترين مقولته تلك ؟
- مع احترامي للروائي المصري إبراهيم محمود، أتساءل هل يعني كلامه أن الرجل كائن أخرس، أو كائن مهنته الإصغاء فقط؟ الحكاية صناعة يشترك فيها الرجل والمرأة، وصدقني لو كنت مكانه لما سميت كتابي " الضلع الأعوج" " بل " المنحنى الذي يحضن القلب" لأن حكاية الضلع الأعوج من الجهة اليسرى من جسد آدم عليه السلام التي تعج بها قصص التوراة والإنجيل، حكاية مفبركة، وإن كان فيها شيء من الصحة فيجب أن يكون هذا الضلع هو الضلع الذي يحمي القلب.... ثم ما السيئ إن حكت " شهرزاد" قصصها للرجل الذي تحب على هواه؟ وهل كل كاتبة " شهرزاد" ؟ وهل كل رجل " شهريار"؟ أوكي هذه نظرة إبراهيم محمود، وأنا أحترمها، لكني لست معها جملة وتفصيلا، فحتى قصص ألف ليلة وليلة تناولتها دراسات كثيرة، أغلبها يؤكد أن شخصية شهرزاد وهمية، وأن كل حكايات " ألف ليلة وليلة" من تأليف التجار والمسافرين بين الهند وبلاد الشرق للتسلية وملء الليالي الخالية من النساء بأخبارهن....!
* " السماء في بيروت تمطر ذهباً ". ونحن بدورنا نسألك ... ماذا تمطر سماء الجزائر، وهل لبيروت تأثير في جرأتك وصراحتك ؟
- قصتي مع بيروت: قصة حب من طرف واحد، أحببتها جدا، ولكنها ذبحتني بشتى الطرق، حتى أني أشعر أنها ركح لمسرحية كبيرة منحت فيها دورا هامشيا. السماء في بيروت لا تمطر ذهبا، لقد بكيت في بيروت على مدى خمسة عشر سنة، خفّ نظري من كثرة ما بكيت، كسبت أصدقاء قلة جدا فيها، ولن أفهم أبدا لماذا كنت أحارب في بيروت في لقمة عيشي. لم أجد ناشرا بسهولة في بيروت، إلا بعد معاناة، لم أجد وظيفة قارة، وفي الحقيقة بيروت مدينة التناقضات، فهي تعطيك الكثير من الحرية، ثم تسحقك بطرق أخرى لا تخطر على بالك، يجب أن تكون مسالما معها، و ألا تنتقدها أبدا و إلا ذبحتك، يجب أن تكون حذرا في كل علاقاتك و مع كل الذين حولك لأنك لن تعرف من حبيبك و من عدوك بين كل الذين يبتسمون لك، يجب أن تتظاهر أنك ثري، و أنك لست محتاجا لأحد ليتقبلك الجميع، إحذر أن تتحدث عن وضعك المادي السيئ، أو عن حظك العاثر، إحذر أن تشكي أمام أحدهم، عليك أن تتعلم كيف تغلق على أحزانك وشجنك في خزنة مشفرة، الحديث عن بيروت طويل ومؤلم، ومع هذا سأقول لك أنها أحسن بلد عربي، و هذا يعني ايضا أن أفضل ما لدينا لا يليق بإحترام الإنسان. تسألني ماذا عن الجزائر؟ وسأجيبك دع الجرح مغلق رجاء، إنها كما أي دولة عربية أخرى لا تعرف أن تحترم الإنسان وتعامله مثل شاة في قطيع، عشت في الجزائر طفولة جميلة عموما في قريتي آريس، ثم حين بلغت سن البلوغ بدأت حياتي تتحول إلى جحيم، جحيم طويل لا ينتهي يصنعه الآخرون حولك، يؤلمني رأسي حين أتذكر الوضع في الجزائر، بلد ثري جدا، ونصف شعبه تحت مستوى الفقر، و نصفه الآخر فقير أو شبه مستور، الأمن غير متوفر، المرأة تصارع، والرجل يصارع، والنتيجة صفر لكليهما، هذا هو المؤلم جدا في الجزائر... وغير ذلك حتى وأنت تناضل من أجل كل هؤلاء ليتحسن وضعهم تنزل عليك الشتائم في الصحف والتهديدات من قراء ستتساءل دوما ماذا تعلموا في المدارس ليكون مستواهم الأخلاقي واللغوي بذلك الشكل الدنيء...الجزائر كلها على بعضها علامة إستفهام كبيرة، ومع هذا أحبها أكثر من أي رقعة أخرى في العالم. أما جرأتي فهي ولدت معي، الله منحني هذه الجرأة، لا بيروت ولا الجزائر ولا أي مكان آخر، الجرأة سلوك و ليست درسا نتعلمه لكن حتما جرأتي المبالغ فيها سببها جراحي الجزائرية أولا.
* فضيلة الفاروق تقف بجانب المرأة، وتحاول أن تحدث تغيراً في صورة المرأة لدى المجتمع، برأيك هل الرواية قادرة على ذلك ؟
- بالمختصر ما أريد أن أقوله للمرأة، هي أن تغير طريقة تربيتها لأولادها حتى تحصل على رجال يحترمون المرأة، لدينا مثل جزائري يقول " رجلك ما ولّفتيه، وولدك ما ربيتيه" بمعنى أن زوجك سيعاملك حسب ما عودته عليه، وإبنك حسب ما ربيته عليه. في رواياتي أمرر هذه الرسالة ورسائل أخرى، لقد كانت جداتنا يربين أحفادهن عن طريق سرد القصص، وحين أنهي دور الجدة وأحيلت على التقاعد، فقد مجتمعنا قيمة كبيرة من القيم الأخلاقية، لقد كانت مجتمعاتنا أفضل حالا مما هي عليه اليوم على المستوى الأخلاقي، ولا أدري إن كانت الرواية ستنقذ ما يمكن إنقاذه، لكني أعرف تماما أن المجتمعات التي تقرأ مجتمعات لا تعاني ما نعانيه نحن...!
* في نهاية اللقاء ، ماذا تقول فضيلة الفاروق للروائية العربية بشكل عام والروائية السعودية بشكل خاص ؟
- لست مقياسا لأحد، و الروائيات العربيات منهن الجيد الذي يجب أن نقتدي به، ومنهن السيئ الذي يجب أن نتفادى أن نكون مثله، ومنهن من يسجل حضور لا أقل ولا أكثر، لكن في كل الحالات ولا روائية عربية تقبل أن يملي عليها أحد ما يجب أن تفعله...لهذا سأوفر النصائح لنفسي قبل أن " أتبجح" بها على غيري...ثم خذها قاعدة مني: بمجرد أن تقيم كاتبا عربيا من وجهة نظرك كقارئ ستكسب عدوا، لهذا كن واثقا أن محاورتك لي خلقت لي أكثر من عدو والحمد لله...هل فهمت الآن لماذا أصبحت أكره الحوارات وأرفضها؟
تعليقات
إرسال تعليق