/ موتُ الجُبناء و حياةُ الأحرار.. عندمَا نمُوتُ في اللاّوعي !

القائمة الرئيسية

الصفحات

موتُ الجُبناء و حياةُ الأحرار.. عندمَا نمُوتُ في اللاّوعي !

موتُ الجُبناء و حياةُ الأحرار.. عندمَا نمُوتُ في اللاّوعي !
قلم: أحمد بلقمري
".. يُريدون تبييض تاريخهم الأسود بتاريخ آخر أكثر نصوعا و بياضا !.. سيذكر التّاريخ هؤلاء المتسلّقين لا ريب؛ لكن سيذكرهم بسوء لأنّهم كانوا الأسوء، اختاروا طريق الخزي و العار و أخطئوا طريق الجنّة."
لو قدّر لنا أن نقيّم خمسين سنة من استرجاع سيادتنا الوطنية على أرضنا لأصابنا الذّهول لفداحة الخطأ و بون الفروقات، و لشعرنا بالذّنب و الخزي و العار مجتمعين. بلد بحجم قارّة و بمقدّرات طبيعيّة و موارد بشريّة هائلة يرزح تحت نير التخلّف، سلك مسالك ظلاميّة و انتهج مناهج الجهل و سار على دروب الضّياع و التّيه العظيم !!!. لقد سجّلنا عبر محطّات عديدة أنّ هذا المجتمع صارت تحكمه اللاّقيم و ينظّم اللاّمنطق فيه علاقة الفرد بالنّظام العام و المؤسسات المنتمي إليها، حيث حلّ الخضوع و الخنوع وغابت القيم الاجتماعية و قيم الإرادة الإنسانيّة ، ظهرت قيم الاتّباع وغاب الإبداع؛ طغت قيم القلب على قيم العقل و الامتثال و الطّاعة لأصحاب القرار و الانسجام و الموائمة و الاستيعاب و القبول و الانتماء؛ إنّ مردّ هذا كلّه إلى تراكم المُمُارسات السيّئة لسلطة فاشلة على مدار سنوات طويلة؛ إنّ دوران الشّعب في حلقة مفرغة دون الالتفاف حول مشروع عصرنيّ يغذّيه أمل في المستقبل صنع إنسانا عاجزا يموت في اللاّوعي و يتصوّر فناء الحياة، لقد صار بين الرّاعي و الرعيّة المحكومة قسمة مؤجّلة إلى يوم يبعثون، حاكم مسؤول بلا سؤال يتمنّى الشّعب موته و انتهائه، و شعبٌ بلا خصال يتمنّى الحاكم المسؤول قتله كلّ لحظة تثبيطا و قلقا و حقيقة حتّى ينعم بالسّلطة الكاملة و يتحلّى بالقوّة اللاّزمة في ظلّ الهدوء و الاستقرار.
يخطب الرّاعي في شعبه قائلا:"إمّا أن تنتخبوا أو ليرجمنّكم حلف الشّيطان بقاذفات الصّواريخ فيحرقكم، و يأخذكم أخذا"، فيسارع الموتى إلى حتفهم صائحين:"بل وحدة الأمّة يا سلطاننا، سننتخب و ننتحبُ لأجل حياتك". يعتقد الموتى أنّ رئيسهم المشلول قادرٌ على قتلهم بضربة سيف واحدة، يعتقدون أنّه يملك نزوة التّدمير، مقتنعون أنّه بإمكانه الإجهاز عليهم جميعا، كما يعتقدون أنّ في موتهم حياة سيّدهم الذّي لا بديل له، و في موته غير المرتقب موتهم هم لذا نراهم يجهرون بتخلّفهم العقلي، و يعيشون على صعيد العبور إلى العالم الآخر الذّي يختفي في الزّمن، و يعودُ خلف كلمات التهديد و الوعيد للسيّد الذّي لا يقهر !.
أيّ حياة هته التّي يعيشها الجبناء !، أهكذا يفكّرون؟، أليس فيهم من لا يخاف الموت، و يحلمُ بالغد الواعد فلا يبكي على طلل و لا يصيبه ملل أو عجز وكسل لأنّه على قناعة واحدة: "الحياة الأبديّة كتبت للصّالحين، للنّاصحين، للقادرين على الصّبر و مواجهة الموت وجها لوجه"؟!.. بل هناك كثير من النّاس من رفضوا العبوديّة قائلين ببداهة فائقة:" نحن نفكّر و نعمل لذا لن نموت، لن نموت لأنّنا نريد ذلك، لن نموت لأنّنا نحبّ ذلك !. نحن نتألّم فعلا لكنّ ذلك لن يؤثّر على أحلامنا الرّاقصة في لاوعينا، نحن نعشق طرق الخلاص و نعلم أنّ فعل التحرّر أكبر عدوّ للموت حين يقاومه"، هؤلاء تربّوا على قهر الموت، تعلّموا من الشّرفاء هذه الحكمة:"انظروا للشّاة حين الذّبح و هي تقاوم الموت إلى آخر رمق !، انظروا إلى موتها بعد المقاومة كيف يبدو جميلا !، انظروا إلى هدوء الجثّة حين تطير الرّوح مرفرفة نحو السّماء !، انظروا إلى التّراب كيف تخضّبه الدّماء فيحمل لون الحياة الأبديّة. انظروا إلى الطّفل حين يرى هذا المشهد فيقرّر أن يكون حرّا و أن لا يستسلم للموت." هؤلاء لا يخشون في الحقّ لومة لائم، صابرون على ما يكرهون و متأهّبون لخوض معركة الحريّة حينما ينادي المنادي.
ما أروع جموع الأحرار حين تهبّ جميعا مطلقة صرخة الحريّة:"عندما نموت في اللاّوعي لا تنتظروا السّلام أيّها الطّغاة، الأحرار لا يموتون لأنّ الحرّ مثل شعاع الشّمس حتّى و إن انكسر فإنّه ينفذ إلى الأعماق". من يملك العقل يملك أداة الحريّة، الحريّة التّي يحاربها الحاكم بإضفاء القداسة على ذاته ستسقط أمام عقول الأحرار التي لا تُستعبد ولا تُستَبْعد. أيّها الحكّام المستبدّون: ازرعوا عقول الجبناء تخويفا و تزييفا فلن تروّضوا عقول الأحرار، و لن تقدروا على الفصل بين الإنسان وفكره، ضعوا المساحيق و غيّروا لون الشّعر، تّغنوا بالبطولات المزيّفة و البسوا ثوب المخلّصين فلن ينفعكم ذلك لحظة الخلاص، و حين تدقّ ساعة الحريّة. الحياةُ مَرَّةٌ و مُرَّة، و استرداد الحقوق يكون طال الزّمان أو قصر.. صحيح أنّكم ربّيتمونا على الخضوع و الاسترقاق و ليّ الأعناق لكنّكم أغفلتم أمرا مهمّا لأنّكم مغفّلين، هل تدرون ماذا يخبّئ الرّماد؟، يخبئ جمرا و الجمر يتّقد نارا، و غَضَبُ اللّهب لا يفرّق بين الظَّلَمَةِ في عِزِّ الظُّلْمَة. بقي أن أقول للجبناء:" لا تخافوا النّار لأنّ فيها نورا يستضاء به، من يخاف الاقتراب من النّار يعيش أبد الدّهر خاضعا خانعا، يقتله البرد و يُتَوِّهُهُ الظّلام".
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. كلمات لامست خاطري وجالست بفكري
    شكرا من الاعماق :)
    تحياتي..
    الريم

    ردحذف

إرسال تعليق

التنقل السريع