/ من المُخطئ: مرسي أم شعب مصر؟

القائمة الرئيسية

الصفحات

من المُخطئ: مرسي أم شعب مصر؟
قلم: أحمد بلقمري
           من المُخطئ: مرسي أم شعب مصر؟
يقول جمال حمدان في كتابه الشّهير "شخصية مصر": " إنّ وحدة الشّعب المصري هي أقدم وحدة تمّت لأمّة ظهرت على وجه البسيطة"، فلا أحد بإمكانه القول عكس التجانس الموجود في المجتمع المصري قديما أو حديثا، لكنّ المتتبّع للشأن المصري بعد ثورة 25 يناير يلاحظ حدّة و درجة الانقسام بين أوساط هذا المجتمع التعبيري الباحث عن البديل التنموي الأفضل في لحظة تحوّل ثوري؛ هذا الاختلاف الواضح هو وليد ثقافة تعدّدية و تفاعلات مشحونة بسوء الفهم المفعم بالتوتر و القلق، هو الخوف إذن من الرّجوع إلى الماضي و القلق من مستقبل مدلهم غير واضح المعالم. و في خضم كلّ هذا يبرز الرّئيس مرسي أمام شعب مصر في مشهد السّؤال الكبير: من المُخطئ؟.
يدعو الرّئيس مرسي شعبه إلى حالة الاستقرار و الأمن، و العمل على إحلال الدّيمقراطية بسرعة، و يبدو في هذه الحال متعجّلا مصيره و مصير الشّعب المصري حيث مواقع الأفراد و الجماعات في البنى الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية قد تغيّرت من السّكون و الثبات إلى الحركة و التغيّر بعد ثورة الشّعب المكافح من أجل نظام جديد بديل لنظام عاش في ظلّه قرابة ستين عاما.
إنّ مشاركة الشّعب المصري في صنع مصيره و تغيير أوضاعه بعد الثّورة يعتبر أمرا طبيعيّا جدّا، و تتطلّب هذه المرحلة فهما عميقا و مسايرة لهذا النّسق من الرّئيس مرسي، و هو ما لم يستوعبه الرّئيس الذّي ظهر مرتبكا كما لو تجاوزته الأوضاع و المشكلات و أغرقته المطالب في دوّامة البحث عن الحلول السحريّة الآنية و الصائبة. يدرك الرّئيس مرسي أنّ الأمور تتطوّر بسرعة ملفتة، و أنّ التعامل مع هذه المواقف يجب أن يكون في إطار احترام الحريّات و إحقاق العدالة، فأيّ إنجاز يجب أن يمرّ عبر تحقيق الاندماج الاجتماعي و التوحّد السياسي، و أيّ خطأ سيعود بالوبال عليه أوّلا، على شعبه ثانيا، على مشروعه، و حزبه و جماعته لذلك فارتباكه يعود إلى كلّ هذه الأمور مجتمعة.
في المقابل يبدو الشّعب المصري متلهّفا للمستقبل، يرنو إلى بناء مجتمع جديد أكثر قدرة على الحفاظ على تماسكه و تجانسه، مجتمع قادر على حلّ التناقضات التي يعيشها و مواجهة التحديات التي تواجهه بمختلف أنواعها التّاريخية و الثقافية و السّياسية و الاقتصادية و الاجتماعية. هذا الشّعب الأمّة تشكّل لديه وعي استطاع من خلاله أن يقهر حاجز الخوف بداخله حيث ارتفع سقف مطالبه و صار أكثر قدرة على المقاومة و الكفاح، لكنّه في نفس الوقت يشعر بالتهديد، بالخطر، بعد الأمان، بالقلق على المستقبل؛ هذا الإحساس اللاّواعي المتنامي لدى الشّعب جعله يخطئ هو أيضا في فهم المواقف السياسية و التصرّف حيالها، كما جعله يعجز عن عقلنة أفعاله و تصرفاته.
إنّ مفهوم الثّورة الشّاملة يبدو غير مستوعب إلى الآن من كافة أفراد المجتمع المصري و أوّلهم الرّئيس مرسي، مصر اليوم بحاجة إلى وقت و مسافة فاصلة بين مرحلة و أخرى؛ إنّ التصلّب و التطرّف لن يخدم أيّ طرف على حساب آخر، وحده التّعاون و الغيريّة و النّزعة الإنسانية المساواتية قد يساهم في إحداث التوافق و المضي قدما نحو إقرار نموذج حكم فريد و مميز بعيدا عن الإقصاء الأخلاقي و التّمادي في رصد أخطاء الآخرين. إنّ نزعة المحاسبة يجب ألاّ تطغى على نزعة المسئولية و التنافس الأخلاقي النزيه، و المعرفة وحدها ينبغي أن تكون الحلّ الواجب على الجميع تلقّفه، فأن تعرف أحسن يعني أن تحكم أفضل.      
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. أحييك على المقال الرائع .. وان كانت الامنيات مازالت بعيدة المنال .. حتى الان لا يلوح في الافق اى تقبل لوجهة نظر الاخر وسياسة التخوين والتشويه والتلفيق هى السائدة وعدم احترام الشرعية وضبط النفس واشياء كثيرة اخرى مازال الشعب يفتقدها في سنوات الحرية الاولى .. تخبط سياسة مرسي وان كانت غير مقبولة فهي دليل على عدم خبرة في ادارة البلاد .. ولا احد يصبر ولا احد لديه الاستعداد ..
    اعتقد فترة حكم مرسي لن تؤتي ثمارها الا بعد سنوات عجاف .. وهذا رأى اكثر المتفائلين ..
    شكرا لك .. نهال واحدة من قلب الانقسام :)

    ردحذف

إرسال تعليق

التنقل السريع