بين البدْو والحضرِ،،
أهديكم
اليوم أجمل وأروع قصيدة أعجبت بها في حياتي، هذه القصيدة لأمير الجزائر، عالمها وقائدها
الملهم عبد القادر بن محي الدين الجزائري (رحمه الله وطيب ثراه) المتوفى سنة 1300
هجرية الموافق1882 ميلادية، نظمها الأمير عبد
القادر يوم كان في فرنسا، وحينها جرت مناظرة بين طائفة من الأدباء حول موضوع البدو
والحضر وأيّ المعيشتين أفضل، معيشة
البدو أم الحضر؟، وعندما طلب رأي الأمير في الموضوع نظم هذه القصيدة الرائية التي
أفحم بها الأدباء والشّعراء، حيث قدم وصفا جميلا لحياة البادية ومحاسنها، و شغف
البدو بها وتفضيلهم لها على حياة الحضر ومساوئها
فقال :
يا عاذراً لامرئٍ قد هام في الحضر
|
وعاذلاً لمحبّ البدو والقفر
|
لا تذممنّ بيوتاً خفّ محملها
|
وتمدحنّ بيوت الطين والحجر
|
لو كنت تعلم ما في البدو تعذرني
|
لكن جهلت وكم في الجهل من ضرر
|
أو كنتَ أصبحت في الصحراء مرتقياً
|
بساط رملٍ به الحصباء كالدرر
|
أو جلتَ في روضةٍ قد راق منظرها
|
بكل لونٍ جميل شيّق عطر
|
تستنشقنّ نسيماً طاب منتشقاً
|
يزيد في الروح لم يمرر على قذَر
|
أو كنت في صبح ليل هاج هاتنه
|
علوت في مرقبٍ أو جلت بالنظر
|
رأيت في كلّ وجهٍ من بسائطها
|
سرباً من الوحش يرعى أطيب الشجر
|
فيا لها وقفة لم تبق من حزن
|
في قلب مضنى ولا كدّا لذي ضجر
|
نباكرُ الصيد أحيانا فنبغته
|
فالصيد منّا مدى الأوقات في ذعر
|
فكم ظلمنا ظليما في نعامته
|
وإن يكن طائراً في الجو كالصقر
|
يوم الرحيل إذا شدّت هوادجنا
|
شقائق عمّها مزنٌ من المطر
|
فيها العذارى وفيها قد جعلن كوىً
|
مرقعاتٍ بأحداقٍ من الحور
|
تمشي الحداة لها من خلفها زجلٌ
|
أشهى من الناي والسنطير والوتر
|
ونحن فوقَ جياد الخيل نركضها
|
شليلها زينة الأكفال والخصر
|
نطارد الوحش والغزلان نلحقها
|
على البعاد وما تنجو من الضمر
|
نروح للحيّ ليلا بعدما نزلوا
|
منازلاً ما بها لطخٌ من الوضر
|
ترابها المسك بل أنقى وجاد بها
|
صوب الغمائم بالآصال والبكر
|
نلقى الخيام وقد صفّت بها فغدت
|
مثل السماء زهت بالأنجم الزهر
|
قال الألى قد مضوا قولا يصدّقه
|
نقلٌ وعقلٌ وما للحق من غير
|
الحسن يظهر في بيتين رونقه
|
بيتٌ من الشعرِ أو بيتٌ من الشعَر
|
أنعامنا إن أتت عند العشيّ تخل
|
أصواتها كدويّ الرعد بالسحر
|
سفائن البرّ بل أنجى لراكبها
|
سفائن البحر كم فيها من الخطر
|
لنا المهارى وما للريم سرعتها
|
بها وبالخيل نلنا كل مفتخر
|
فخيلنا دائما للحرب مسرجةٌ
|
من استغاث بنا بشّره بالظفر
|
نحن الملوك فلا تعدل بنا أحداً
|
وأيّ عيشٍ لمن قد بات في خفر
|
لا نحمل الضيم ممن جار نتركه
|
وأرضه وجيمع العزّ في السفر
|
وإن أساء علينا الجار عشرته
|
نبين عنه بلا ضرٍّ ولا ضرَر
|
نبيت نار القرى تبدو لطارقتنا
|
فيها المداواة من جوع ومن خصر
|
عدوّنا ما له ملجا ولا وزرٌ
|
وعندنا عاديات السبق والظفر
|
شرابها من حليبٍ ما يخالطه
|
ماء وليس حليب النوق كالبقر
|
أموال أعدائنا في كلّ آونة
|
نقضي بقسمتها بالعدل والقدر
|
ما في البداوة من عيب تذمّ به
|
إلّا المروءة والإحسان بالبدرِ
|
وصحّة الجسم فيها غير خافيةٍ
|
والعيب والداء مقصورٌ على الحضَر
|
من لم يمت عندنا بالطعن عاش مدى
|
فنحن أطول خلق اللَه في العمر
|
تعليقات
إرسال تعليق