الحاج مدبولي.. قصّة رجل من عالم الكتب
أوّل ما وطئت رجلاي ساحة طلعت حرب في قلب قاهرة المعزّ شدّ انتباهي شيئان ملآ نفسي إعجابا: فنّ العمارة المميّز لبنايات السّاحة، ومكتبة تسمّى مكتبة مدبولي فيها من كلّ أنواع الكتب، لم تكن واسعة لكنّها كانت أشهر من نار على علم، إنّها واحدة من أشهر المكتبات في العالم العربي، إنّها مكتبة الحاج مدبولي ذلك الطّفل بائع الجرائد الذي أحبّ الكتاب و كافح في الحياة من أجل رؤية حلم حياته يكبر معه.. إنّها المكتبة التّي تجلب اهتمام أبناء مصر و الزائرين الأجانب من محبّي الكتاب. و أنت تلج باب المكتبة يقف أمامك ذلك الرّجل من عالم الكتاب: الحاج مدبولي الرّجل الصّعيدي ابن الجيزة يقف أمامك بسيطا كما لو أنّه عامل بالمكتبة، لابسا ثوبه المصريّ الأصيل يُحدّثك ويُرحّب بك و أنت لا تعلم أنّه الحاج حتّى إذا ما همس أحدهم في أذنك اعتدلت و رحت تحاول ترقيع بعض من كلامك لأنّك في حضرة رجل خبير بالكِتابِ و الكُتّابِ، عندما يسرد عليك الحاج مدبولي قصّته تظنّ بأنه واحد من بؤساء فكتور هيجو، كيف لا وهو الذّي لم يدخل المدرسة في حياته مثل الأطفال، ولم يحظ بفرصة التعلّم، عرف الحاج حياة البؤس و الشّقاء في سنّ السّادسة متجوّلا بين شوارع القاهرة وميادينها حاملا ما استطاع من مجلاّت وجرائد ليبيعها فيساعد والده في ذلك.. الحاج مدبولي لم يكتف ببيع الجرائد و المجلات فحسب، بل استطاع بفضل تضحيته إلى جانب شقيقه و والدهما أن يطوّروا نشاطهم و يستأجرون كشكا لبيع الجرائد و المجلات بساحة طلعت حرب ليصبح بعدها مقرا لدار النشر مكتبة مدبولي.. عندما تستمع للحاج وهو يحدّثك عن رسالة الكتاب التي يحملها، تشعر بما قدّمه الرّجل ليصل إلى ما وصل إليه، تحسّ بأنّ عالم الكتاب لم يكن يوما مجرّد مهنة بالنسبة له بقدر ما كان وعيا بمسؤولية إحقاق التنمية في مصر وتشجيع النّاس على المعرفة.
رَحلًتُ عن القاهرة وبقيت في ذهني صورة الحاج مدبولي الذي علمت فيما بعد أنّه رحل عن دنيا النّاس ( رحمه الله ) تاركا وراءه إرثا عظيما لا يقدّر بثمن، مكتبة تضمّ أكثر من نصف مليون عنوان، أكثر من أربعة آلاف عنوان نشر بدار النّشر مكتبة مدبولي، آلاف المحبّين و المعجبين بقصّة رجل من عالم الكتاب.. فماذا قدّمنا نحن للمعرفة ؟..
قلم: أحمد بلقمري
الله يبارك انسان عصامي ليس غريبا على بلاد ولد فيها امثال العقاد
ردحذفصدقني أخي لو عرفته لبكيت وفاته، إنه إنسان مثال وقدوة حقق ما لم يحققه المتعلمون في أكبر جامعات العالم.. فرحمه الله وطيب ثراه.. ما أحوجنا إلى أمثال مدبولي في الجزائر بوركت أخي على التعليق..
ردحذف