مخاطر البيئة: ماذا عن العرب؟
العدد: 68 التاريخ: 25/7/2011
ازداد في العقدين الماضيين الاهتمام العالمي بالبيئة نتيجة معاناة كوكب الأرض من ضغوط مختلفة تمثّلت بزيادة عدد السكان والاستهلاك الهائل للوقود العضوي، سعياً للمكاسب الاقتصادية والعسكرية للدول العظمى. فبات ارتباط التلوّث البيئي بالتغيّرات التي يشهدها المناخ أمراً لا جدل فيه. ولئن كان الاستخدام الجائر للثروات الطبيعية أحد الأسباب الرئيسة في هذا المجال، فضلاً عن تطوير التفجيرات النووية وعلوم التحكّم في الظواهر الطبيعية واستخداماتها العسكرية، فإن سياسات الدول العظمى المتمثّلة في "تركيز الصناعات الأكثر تلويثاً للبيئة في مناطق العالم الفقيرة دون غيرها، وفي تهجيرها تلك الصناعات"، تشكّل بحسب تعبير الدكتور حمدي هاشم "مصادرة الدول العظمى لمطالب العدالة البيئية"، أي مصادرتها لنفسها، وذلك في دراسته التي تحمل عنوان " تغيّرات المناخ العالمي، 2010 من موقع http://www.arabnet5.com/ articles.asp).
وبحسب تقرير مؤسّسة وورد واتش Worldwatch الأميركية، بلغت انبعاثات الأنشطة الاقتصادية في العالم نحو 8.2 مليار طن من غاز ثاني أكسيد الكربون في العام 2007، بزيادة قدرها 2.8% عما كانت عليه في العام 2006، ووصلت نسبة الزيادة إلى 22% مقارنة بمستويات العام 2000. ومع استمرار الانبعاث بمعدلاته الحالية تزداد حدّة الاحتباس الحراري، الأمر الذي يدعو لضرورة تخفيض درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويّتين. إذ احتلّت مشكلة الاحتباس الحراري مكان الصدارة في القمة الأخيرة "للثمانية الكبار" التي قررت تقليص التلوّث العالمي بالغازات الدفيئة إلى النصف في العام 2050، فيما التزمت الدول المتطوّرة تقليص تلك الغازات من جانبها بنسبة 80 %. وهذا ما يتطلب تدبير تمويل استثماري ضخم يتجاوز حجم ميزانيات دول العالم الثالث مجتمعة (هاشم، حمدي، تغيّرات المناخ العالمي). وبحسب المصدر نفسه تشير تقديرات عائدة للعام 2000 إلى أن إسهام مصر ومعها الدول العربية كافة بلغ نحو 5% من إجمالي الانبعاثات الغازية في العالم ، بسبب خلو مسطح الدول العربية من المشروعات الاقتصادية الكبرى ذات التأثير البيئي الضار بالهواء الجوّي، ولا سيما الصناعات المسؤولة عن تزايد الكربون العضوي، باستثناء ما تسمح به الدول الصناعية العظمى من تهجير لمصانعها الملوثة للبيئة ومنها الأسمنت والسيراميك والكيماويات وغيرها لاستغلال الموارد الطبيعية والخامات الأولية واستهلاك عناصر البيئة في هذه الدول المستقبِلة. ما يعني انخفاض الإسهام العربي في تزايد الكربون العضوي مقارنةً بالنموّ الاقتصادي غير المسبوق في كلّ من الصين والولايات المتّحدة الأميركية، والذي يزيد من نسبة إسهامهما معاً بأكثر من 50% في الحجم الكلي لمجموعة الغازات المتسببة في الاحتباس الحراري.
ضمن هذا السياق، ونتيجة الأضرار المناخية التي تطال كوكب الأرض بكامله بغض النظر عن المتسبّب الأساسي أو الثانوي عن هذه الأضرار، جرى دمج البعد البيئي في سياسات التنمية واستراتيجياتها، من خلال مفهوم التنمية المستدامة، ولاسيما أن تبدلات المناخ والاحتباس الحراري الشامل يلحقان خسائر بالاقتصاد العالمي تقدر بـ 125 مليار دولار سنوياً. ويقدّر أن يتضاعف هذا الرقم إلى نحو ثلاثة أضعاف في العام 2030. وفي هذا السياق تأسّست برامج وهيئات وجمعيات إقليمية وعالميّة في شؤون البيئة منها، برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP يونيب) التابع لمنظمة الأمم المتّحدة، والذي، وبحسب تعريفه، يسمح للأمم والشعوب بتحسين نوعية حياتها من دون إضرار بنوعية حياة الأجيال المقبلة، وتشمل أولوياته: نظام رصد وتقييم وإنذار مبكر في مجال البيئة حول العالم، تشجيع النشاط البيئي حول العالم وزيادة الوعي المجتمعي بالقضايا البيئية، تبادل المعلومات عن التكنولوجيات السليمة بيئياً وإتاحتها للجميع، تقديم المشورة التقنية والقانونية والمؤسّساتية للحكومات والمنظمات الإقليمية.
ماذا عن العالم العربي؟
أُنشئ مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة بموجب قرار مجلس جامعة الدول العربية رقم 4738 بتاريخ 22/9/1987. ويهدف المجلس إلى تنمية التعاون العربي في مختلف مجالات شؤون البيئة، وتحديد المشكلات البيئية الرئيسية في الوطن العربي وأولويات العمل اللازمة لمواجهتها، فضلاً عن الاهتمام بالعلاقات المتشابكة بين البيئة والتنمية، خصوصاً التي يتطلّب تناولها بعداً إقليمياً.
ونبّه تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية في العام 2010 إلى ضرورة تنفيذ تدابير أقلّ تكلفة لتخفيض خسارة المياه وتحسين كفاءتها لأن العالم العربي يواجه خطر النقص في المياه والغذاء ما لم تتخذ خطوات سريعة وفعالة لمعالجة أزمة الشحّ المائي، حتى لو أمكن استخدام كلّ مصادر المياه العذبة المتوافرة في المنطقة.
كما حذّر التقرير من خطر مواجهة وضعية "ندرة المياه الحادة" بحلول سنة 2015 حيث تنخفض الحصة السنوية من المياه للفرد إلى أقل من 500 متر مكعب، وهذا الرقم يقلّ أكثر من 10 مرّات عن المعدل العالمي الذي يتجاوز 6000 متر مكعب للفرد، معتبراً أن ندرة المياه هي عائق أمام التنمية الاقتصادية وإنتاج الغذاء والصحة البشرية ورفاه الإنسان.
في هذا السياق، نفّذت البلدان العربية مجموعة من السياسات والتدابير الصديقة للمناخ، تشمل إجراءات لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة التي هي من صنع البشر، فضلاً عن إجراءات لتعزيز "خزانات الكربون"، خصوصاً الغابات. ومن الأمثلة المحدّدة في العالم العربي، والتي أوردها "التقرير السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية"أفد":أثر تغيّر المناخ على البلدان العربية،2009"، استخدامات طاقة الرياح على المستوى التجاري في مصر، واستعمال الطاقة الشمسية على نطاق واسع لتسخين المياه في فلسطين وتونس والمغرب، واعتماد الغاز الطبيعي المضغوط كوقود لوسائل النقل في مصر، وأول مشاريع الطاقة الشمسية المركّزة في مصر وتونس والمغرب والجزائر، وأول مجلسين عربيّين للأبنية الخضراء في الإمارات ومصر، وبرنامج التحريج الضخم في الإمارات، والمدينة الأولى الخالية تماماً من الكربون (مصدر) في أبوظبي، والمشروع الرائد لاحتجاز الكربون وتخزينه في الجزائر، واعتماد إعفاءات من الرسوم والضرائب في الأردن لتشجيع استعمال السيارات الهجينة (هايبريد). لكن غالبية هذه المبادرات مجزأة ولا يبدو أنها تنفذ كجزء من إطار سياسي شامل على المستوى الوطني، أو الإقليمي. وفي تطوّر واعد بشكل خاص، اختارت الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة (IRENA)، الحديثة النشأة، مدينة مصدر في أبوظبي مقراً لها. ولا تنحصر أهمية هذا الخيار في انعكاسه على العالم النامي برمته، بل يؤمل أن يفضي أيضاً الى أبحاث جوهرية واستثمارات في الطاقة المتجدّدة في الإقليم العربي.
إلا أن حماية البيئة عموماً لا تزال، بحسب تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009، تحتلّ مرتبة متدنيّة في أجندات الحكومات العربية، فيما يصنّف دليل الاستدامة البيئية، الذي يشمل 146 بلداً(منها 16 بلداً عربيّاً)، ويرتّب الدول وفقاً لما تضعه من خططٍ للموارد الطبيعية، ولخفض الكثافة السكانية، والإدارة الناجحة لشؤون البيئة والتنمية، يصنّف بلداناً عربيّة عدّة في درجات دنيا. ففي العام 2005 احتلّ العراق المرتبة 143 والسودان 140 والكويت 138 واليمن 137 والسعودية 136 ولبنان 129 وليبيا 125 وموريتانيا 124 وسورية 118 ومصر 115 والإمارات 110. وكانت البلدان العربية الأعلى مرتبة هي تونس(55) وعُمان(83) والأردن(84).
هذه التدابير البيئيّة العربيّة الخجولة إلى حدّ ما، يفترض ألا تحجب الإشكالية المتمثّلة بأن بلدان العالم الثالث بعامة والبلدان العربيّة بخاصة باتت مرغمة على دفع تكاليف بيئيّة واقتصادية نتيجة مشكلة بيئيّة عالميّة تسبّبت بها البلدان الصناعية الكبرى أساساً. ما يسمح بالكلام على إرهاب بيئي تمارسه القوى العظمى على البلدان الأضعف.
تعليقات
إرسال تعليق