المجلات الثقافية العربية.. احتجاب.. صدور.. وسؤال الكتابة مجدداً
العدد: 64 التاريخ: 15/7/2011
يشهد العالم العربي عودةً للمجلات الثقافية العربية التي افتقدنا حضورها في مكتباتنا، والتي قد تملأ فراغاً كبيراً في المشهد الثقافي العربي. قبل أيام صدر العدد الأول من مجلة "الآخر" لصاحبها الشاعر أدونيس وهي مجلة "مناخ ونوافذ وآفاق مفتوحة" كما قدّمها الشاعر، وقبلها بأيام صدر العدد الجديد من مجلة "الطريق" بإشراف الكاتب محمد دكروب بعد توقف استمر لسنوات، وهي مجلة فكرية نظرية ذات اتّجاه يساري. وكان سبقهما بسنوات قليلة صدور دوريات مهمّة مثل "الدوحة" و"دبي الثقافية" و"وجهات نظر" المصرية وإن كانت الأخيرة أكثر تخصّصاً في الكتب وعوالمها، في حين مزجت المجلات الأخرى بين الفكر والإبداع من دون أن تفقد كلّ منها خصوصيتها الفكرية، لكنها مجلات تعتمد بمجملها على أسماء لامعة في مجال الثقافة والفكر، وهي استفادت من وسائل الإعلام الجديدة في إيصال رسالتها وأهدافها. وعلى الرغم من أن أعداد ما كان يصدر في العشرينيّات والثلاثينيّات يفوق ما يصدر اليوم، إلا أن عدد السكان تضاعف في المقابل لمرّات. والسؤال المطروح اليوم ما معنى أن تصدر مجلة ثقافية عربية جديدة في وقتنا الراهن في ظلّ التغييرات الحاصلة والوعي السياسي الجديد؟ هل هناك حاجة فعلية لهذه المنابر الإبداعية، وهل ستشكّل إضافة ثقافية ونقدية وتكون قادرة فعلياً على استقطاب جيل استلبته وسائل الإعلام الجديد وتقنياته.
تراجعت المجلات الثقافية العربية منذ سبعينيّات القرن الماضي، واختفت مجلات ثقافية مميّزة، خصوصاً في الربع الأخير من القرن، نذكر منها في مصر "الفكر المعاصر"، "المجلة"، "القصة"، "الكاتب"، "الشعر"، "تراث الإنسانية"، "السينما"، "المسرح"، ومن قبلها اختفت مجلة "الكاتب المصري" و"مجلة الرسالة"، في حين توقفت عشرات المجلات في العراق واليمن، واحتجبت في السنوات الأخيرة مجلات أساسية منها "الناقد"، "أبواب"، "الكرمل"، "مواقف"، "سطور"، في حين بقيت قلّة منها قيد الصدور، لتعود في الألفية الثانية وتظهر وفق تخطيط ورؤية جديدة يعكسان تجديداً في الشكل والمضمون. كما استمرت مجلة "الطليعة" بالصدور لزمن وأيضاً "أدب ونقد" لأكثر من عقدين ونصف. في لبنان احتجبت خلال النصف الثاني من القرن العشرين مجلتان بارزتان هما مجلة "شعر" التي احتضنت التيارات الجديدة في الشعر العربي، ثم مجلة "العلوم" التي كانت ترصد آخر المنجزات والتجارب العلمية والعالمية الحديثة. في الخمسينيّات صدرت في لبنان مجدداً مجلات "الطريق"، "الآداب"، "الأديب"، "دراسات عربية"، وقبل عشر سنوات توقفت مجلة "الطريق" فيما استمرت مجلة الآداب الّلبنانية حتى اليوم ولأكثر من نصف قرن ورأس تحريرها لسنوات الكاتب الراحل سهيل إدريس، وهي شكّلت مختبراً حقيقياً للإبداع وعكست في مرحلة زمنية معيّنة تأثير التيار الوجودي عربياً على صفحاتها كما قرأنا نقد الفلسفة الوجودية وأدبها. وفي الكويت استمرت مجلة العربي من دون انقطاع لقرن ونصف.
ارتبطت المجلات الثقافية العربية عموماً مثل "المقتطف" و"الهلال" و"الكاتب المصري" و"أبوللو" و"الرسالة" و"الجامعة" إلى "العربي" الكويتية والآداب الّلبنانية و"الهاتف" العراقية باتجاهات أيديولوجية ومشاريع ثقافية وفكرية، وربطت القارئ بتيارات فكرية وأدبية عالمية وعربية. لعبت هذه المجلات، وإن تفاوتت في جودة ما تنشره على صفحاتها ومضمونه، دوراً تجديدياً وفتحت أفق الحوار الثقافي مع العالم المتقدّم، وقدّمت للقارئ العربي آراء ورؤى مغايرة وأنواعاً أدبية وفنوناً إبداعية جديدة، كماعبّرت أشدّ تعبير عن وعي الذات عقب مراحل الاستعمار والاستقلال ووسّعت زاوية النظر لجهة قضايا التحرّر والتغيير.
مصر كانت رائدة في مجال الطباعة وإصدار المجلات الثقافية، إذ إن مدينة طنطا وحدها كانت تُصدر عشرين صحيفة وثماني مجلات، من بينها "الحرية" التي أصدرها محمود فهمي سنة 1903، والمنصورة ثماني صحف وست مجلات، وحلوان أربع صحف ومجلة، والجيزة صحيفتين، ولم تخلُ مدن صغيرة مثل الفيوم، وبلقاس، والمحلة الكبرى من الصحف والمجلات الخاصة بها.
في العراق كان واقع النشر الثقافي والصحافي هو الأهمّ بعد مصر، فمنذ ثلاثينيّات القرن الماضي، وهي الفترة التي نال فيها العراق استقلاله من الاستعمار البريطاني، نشط العراقيون في إصدار المجلات الأدبية والثقافية بدعم وتشجيع حكومي، ولم تكن حركة الإصدار اللافتة مقتصرة على عاصمة البلاد بل تعدّتها إلى المدن العراقية الأخرى، مثل الموصل والبصرة والنجف والحلة والناصرية. وكانت مدينة النجف العاصمة الثقافية للعراق التي تجمع الشعراء والأدباء وعلماء الدين. وظهرت فيها منذ أواسط الثلاثينيّات مجلة احتلت الصدارة في ميدان الأدب هي مجلة "الهاتف" التي أولت اهتماماً كبيراً للقصة، وبعدها صدرت مجلة "أقلام" و"آفاق عربية"، و"الطليعة الأدبية" و"الثقافة الجديدة"، وكان للشعر في العراق رواده في بلد شيخ شعراء العربية أبو الطيّب المتنبي والجواهري والسيّاب ونازك والبيّاتي وسعدي يوسف.
في الكويت صدرت في تلك الفترة "الآداب الأجنبية"، و"عالم الفكر"، ومجلة "العربي". وفي البحرين صدرت مجلّتا "نزوى" و"التسامح".
في مطلع السبعينيّات وبعد أن توقفت الحرب وانتصرت الثورة اليمنية، زاد اهتمام اليمنيّين بالمعرفة والعلم والحداثة، فصدرت في فترات متقاربة مجلات "الحكمة" الناطقة باسم اتّحاد الأدباء والكتاب، و"اليمن الجديد" الصادرة عن وزارة الإعلام في صنعاء، و"الثقافة الجديدة" في الجنوب، و"التراث" عن مركز الدراسات في عدن، و"قضايا العصر" ومجلة "الكلمة" في الحديدة. وصدرت "الجيش" و"الغد" في صنعاء، و"الرسالة" في تعز، وفي التسعينيّات برزت مجلة "أصوات" في سماء الحياة الأدبية والإبداعية في اليمن ومؤخراً مجلة "غيمان" الثقافية.
معلوم أن هذا النوع من المجلات يعتبر مؤشراً للاتجاهات الثقافية لكلّ شعب وينتشر وفق مناخ الحرية والديمقراطية، لذلك فإن السؤال الآني هو سؤال الكتابة، هو سؤال العصر وسؤال الحرية، إنها أسئلة القضايا التي تشغلنا، إذ إن إحياء هذه المجلات من جديد يشكّل اختباراً لا بل تحدياً حقيقياً لقدرتها على أن تضع نفسها داخل المشهد، وأن تشكّل مرصداً ثقافياً يربط ما تطبعه ببيئتها ويؤسّس لعلاقة تشابكية مع القارئ، ويخرجها من مأزقها لغةً وإخراجاً وتوجهات.
لا تختلف أهداف المجلات الثقافية العربية ومشكلاتها عن الصحف اليومية، تتأثران بالعوامل نفسها وبأسباب التقدّم والتراجع نفسها، وأبرزها غياب القارئ وغياب التمويل وتقلّص مساحة الإعلان وطغيان الهمّ السياسي والاقتصادي الذي حوّل الثقافة إلى ترف، إضافة إلى عوامل أخرى منافسة كالشبكة الإلكترونية التي أصبحت معها الثقافة محمولة على شبكة الإنترنت، مع فارق يتعلق بالنصّ العميق والمسهب الذي تقدّمه المجلات المتخصّصة. تنقسم المجلات الثقافية إلى نوعين: مجلات رسمية مدعومة مثل "المعرفة" في سوريا و"دبي الثقافية" و"الدوحة" القطرية و"نزوى" العمانية و"العربي" الكويتية، وأخرى مدعومة من أحزاب وأفراد أيضاً، مثل "الآداب" و"الطريق" الّلبنانيّتين و"غيمان" اليمنية و"المدى" وغيرها.
السؤال الآن هل تمثل المجلات الجديدة إضافة نوعية حقيقية أو تعتبر تراكماً كمياً لمجلات سابقة؟ وهل تلبّي المجلات الثقافية القائمة الاحتياجات المختلفة للقرّاء العرب بتوجهاتهم وأذواقهم كافة؟ لعل الإجابة عن مثل هذه الأسئلة تتطلّب دراسة مفصّلة أو استبياناً للرأي يضع قضية الصحافة الثقافية في إطارها الصحيح.
تعليقات
إرسال تعليق