/ هَذَا الزَّمَنُ..

القائمة الرئيسية

الصفحات


هَذَا الزَّمَنُ..

هذا الزّمن المسافر، ألا يستقرّ؟..، هذا الزّمن: الكلّ في الكلّ، أوّل الأشياء و آخرها،  البداية المثلى و النّهاية الأنسب. أيّها الزّمن: متى بربّك تطرح حقائبك المتعبة من ترحالك المستمر على أرض الله؟.

الزّمن أرجوحة تدحرجها سويعات بطيئة كقطار مريض أرهقته خطى البشر، ترى حركاتها الفارغة مهجورة الرؤى تبحث بين ثنايا وجعها عن حضنها المسلوب، عن طفلها المفقود.. أيا زمن البطء الشديد، كتمت على أنفاسي حتى اهترأت، تراك من عبق الشمع المحلّى تبتسم ماشيا باحثا عن متسوّلين ضائعين بين أطراف مدينتك وتحت ظل أرجوحتك اختبئوا لتتقاطر لحظاتهم جزءا جزءا، وكأنك فعلا سيف ليد قاطعة تحمل بين حديك مصيرا لم يكتمل بعد نصابه في كبد سماء مخلوقة كي تتربّع على عرش دقائقها وتمطرنا رويدا رويدا بقطرات من ذكريات منقوشة على جبينك، وكأنك صرت في صورة إنسان ظالم منزوع النوايا، فاقد للنّوى.

أنا أعلم أنّ الزّمن مثلنا، يبحث عن نفسه بين الأشياء التي قد يصادفها وتصادفه، الزّمن هو القطار و هو المسافر ونحن بين الأشياء ضائعين نبحث عنه، هو الطريق وهو المحطة الأخيرة، هو كلّ المحطات لرحلة لم تكتمل بعد، تلك الرحلة الأبديّة السّائرة نحو النهاية المقدّرة، رحلة تختزل أرصفة من وجع الحضور والغياب.. أدري بأن الزّمن هو  الطّريق و الصّديق و الغريق، هو المنقذ لعابرين في سبيله انتشروا كما الكائنات، إنّي الآن أشعر بألمه وهو ينتظر نهايته مثلنا، أحسّ بوجعه الصّارخ مثل قط صغير دهسته بدايته المتلاحقة، الراكضة خلفه.. عليل هو مثلنا، ضائعة عقاربه، تائهة سويعاته، ونحن معلّقين نتتبّع حركاته وسكناته كدمية مبرمجة تتحرّك وفق قائدها.. إنّه للأسف مأسوف على حاله، يوصل الأحياء كما الموتى إلى محطاتهم ثمّ يرجع كي يباشر مهمة أخرى بطريقة أخرى في طريق أخرى، أتعبه لزوم الدّور لكنّه في كلّ مرّة يقنع نفسه بأنها الدّورة الأخيرة فالنّهاية.. أتراه يدري كما لا ندر كم محطّة بقيت له ولنا؟، بالنسبة لي، أعلم بل أجزم أنه لا يعرف الحساب بقدر معرفته للجري وراء حياته.. الزّمن المسكين مأمور مثلنا لكنّه يقسو علينا إذ يشمّع أحلامنا ويستنزف قوانا.. إنّنا نمضي خلفه وخلفنا يمضي مأسورا كقلوبنا الباحثة عن الحياة في دنيا المجهول، لماذا إذن بسيف اليقين حاكمناه ظلما؟، فلا بأيدينا هو نحرّكه كيفما تشاء ضمائرنا، ولا بيديه يغيّر مصائرنا حسبما نهوى ونرغب؟.. لو كان يسمعنا ونسمعه؟، لو كان يصغي إلينا؟، لنصحته، لوقفت إلى جانبه، لحزنت لحزنه، لتضامنت معه ضد اللاّزمن.. لو كنت أستطيع لنفضت الصراع بيني وبينه، لقتلت دونما يقين يقينه، حاضره وماضيه. تراه يشبه مدننا الحالمة المصنوعة من وحي أفكاره، أو أنه لا يشبه أحدا، هو يشبه نفسه هو لا يقبل بالتشبيه، بل ينكره مثلما ننكر أجلنا، فلم إذن نعاتبه ويلومنا...
الزمن ماضي في حكم الله، مؤمن بقدره، إلى اللانهاية أراه يحث خطاه على غير هدى، لم يضحكنا ليبكينا، يريد أن ينتهي بسرعة و ينهينا معه. لم يغرينا بالطيبة كما يغري الجلاد مقتوليه بالهدوء والسكينة لننتهي بين حضنه. إني أرى الزّمن أكبر أخطائنا التي نقترفها، إنه غير مأمون الجانب، إنه غير جدير بالثقة، لتهدأ أرواحنا المأخوذة بسطوته وطيبته، فبعض الحياة أن تموت مقاتلا وبعض الموت أن تحيا ساكنا.
هذا الزّمن: لو كان يسمعني، لو كان يصغي إلي لقلت له: أيّها الزمن، دعني و شأني لأدعك وشأنك، دعني أسافر وحدي بعيدا عن خطاك مثلما تسافر أنت دون أن يسألك أحد أين توّلي وجهك، دعني فلربما اكتشفت سبيلا آخر، وإنّي أخاله سيهديني إليك، فلتكن مطمئنا إذن..أي حلقة مجنونة صرت أعوم في سرّها وفيك السرّ والجنون والوجود والعدم.. أيّها الزمن، مسكونون نحن بك وفيك مجامر الجرح توقد، أي بخور قد تجود بها لتشفي مريضا أعياه فيك السفر.. أيّها الزمن، اعلم أن وجودي مرتبط بك، اعلم أنني لا أستطيع الانفصال عنك لكن فقط كن إلى جانبي و لا تكن أنت حيلتي كلّها.. أدري بأن طلبي غير معقول لكنني مدرك أنني أطلب ما أراه لائقا، أنصفني إذن ودعني أنام على يديك الباردتين فثلجهما أشقاني بحثا عن فتيل يقودني إليك.. أتراها ستهديني بصيرتي أم سأظل سائرا باحثا عنك؟..                                          - تمت -
نص مشترك : أحمد بلقمري & خديجة إدريس
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع