حاملُ شهادةٍ جامعيّة و غيرُ مثقّف؟!!.
وقفت في لحظة اعتراف تتكلّم بضمير المتكلّم (أنا) عن
تجربتها في الحياة، فلنقرأ ما كتبت بتمعّن ثمّ نقدّم إجابات ممكنة إذا ما استطعنا
إلى ذلك سبيلا.. أترككم مع هذا النّص أيّها الأصدقاء...
قصّة حياتي كقصّة عامّة النّاس لكنّ ما ميّزني منذ نعومة أظافري الذكاء الحاذق
الذي تجسّد في سلوكياتي و كلامي( بالخصوص ردّي على الأسئلة) وهو ما لاحظه عليّ الكثيرون
خاصة أهلي.. ما إن وصلت إلى المدرسة تأكّد ذلك حيث كنت الأوّل و المتميّز في قسمي
يفتخر بي المعلّم و أصنّف دائماً في المقدمة في مدرستي، أمّا أهلي فيعتبروني الطفل
النموذج فلا يرفضون لي أيّ طلب، كلّ همهم أن أرضى عليهم و أن أواصل في حصد نتائجي
المدرسيّة التي كانت الأحسن في مدرستي و حتّى في مدينتي.
يعرفني الكثيرون لسبب واحد هو مشاركتي في كلّ المسابقات العلمية، أنجح دائماً وأستمرّ في هذا الأمر إلى غاية الطّور الثانوي. لكم كانت فرحتي كبيرة عندما تحصّلت على البكالوريا!، لم يسعفني الحظ لأكرّم من طرف الرّئيس.. توجّهت إلى الجامعة، وجدت فيها أسماء تكتب في التاريخ، درست على يدها بشغف، و لم أترك كتابا إلا و تذوّقت طعمه بعد تحصّلي على اللّيسانس أخذني موكب حبّ العلم إلى المواصلة في الدّارسات العليا، وفقني الله للحصول على أعلى المراتب عدت إلى بلدتي بأحلام و شغف التدريس في الجامعة و تكثيف دراساتي و بحوثي.. وجدت الجوّ المناسب لذلك، تدرّبت و تعلّمت بمساعدة أهلي و تحفيز من إخوتي الذين كانوا مثلي نجحوا هم كذلك في دراستهم
لكن...
بعد عودتي لأهلي و سنوات من العمل قرّرت التواصل و الاندماج في المجتمع لأنني لاحظت أنني في كلّ مشواري السّابق كانت علاقتي مع الناس جدّ محدودة، لا أكلّمهم إلاّ فيما هو واجب عليّ، تداركت أنني لا أعرف المجتمع الذي أعيش وسطه و لا أكسب عاداته، وجدت نفسي لا أكسب شيئا، ليس لي منهج حياة أسير عليه.. كان العالم الوحيد الذي أعيش فيه هو عالم الكتب و المدينة الفاضلة لأفلاطون، كان في هذا العالم ممثلّون يتقنون التمثيل و كنت أحد هؤلاء، أتْقن التحلّي بالأخلاق المثلى و الثقافة الثاقبة و المتميزة، أجيد الحوارات و النقاشات في كلّ المجالس؛ لكنّ كلّ هذا لا يعنيني و لا يعينُني، هو فقط لباس أرتديه أمام الناس. عندما عدت للبيت لاحظت أنّ تصرفاتي عشوائية، غير مدروسة ليس ورائها منهج أو مذهب أو قواعد أخلاقية، تصرفات مجردة وسطحية لا صلة لها بشخصيتي
و السّبب؟!!.. السّبب لم يكن في بداية الأمر واضحا لي؛ لكن عندما راجعت نفسي وجدت العديد من الأسباب منها :أنني كنت ذو فكر ثاقب، كان أهلي لا يرفضون لي طلبا فما تعلّمت شيئا منهم من أخلاق و مبادئ واضحة ليس لأنهم لم يدرجوها في تربيتي، لا.. فقط دلالهم لي جعلهم يتنازلون على عديد المبادئ.. فعلا، لم ألعب مع أقراني، كانت ألعابي معهم سطحية فلم تربطني بهم صلة حميميّة، لم يؤثّر في شخصي شيء معيّن بل تعلّمت من تجربتي معهم الكِبْر فأصبحت متكبرّا عليهم لأنني التلميذ رقم واحد في المدرسة.. في الجامعة و على الرّغم من أنني كنت في إقامة جامعية لم أندمج في حياتها المعروفة، إنّها مدرسة لمن يريد تعلّم الحياة.. كنت أقرأ الكتب لكنني لم أتعمق في معانيها الأخلاقية، لم تؤثر فيّ تلك الكتب إلا تأثيرا سطحيّا، لا أذكر أن هناك كتبا غيّرت مجرى حياتي فكانت قراءتي و دراساتي كلّها من أجل الحصول على العلامات فقط لا أخذ العبر و التعلّم الفعلي، و لا حتّى ربط تلك المفاهيم مع الواقع المعاش أو المقارنة أو حتى التجريب
، و لأنني لم أزرع في نفسي إلاّ مبدأ الحصول على أعلى النتائج و المراتب، و دعم ذلك في الكبرياء و حب الظهور و النتيجة... أنا حامل شهادة جامعيّة و غيرُ مثقف، حامل الشهادات العليا أحملها فقط، لم أتعلّم الحياة، لم أربط النظريّات بحياتي و تصرّفاتي و أخلاقي .. أريد التعلّم فهل من مجيب؟؟؟.
قلم الدّكتورة في علم النّفس العيادي: زوبيدة
كسّال
التّحرير: لي عودة تحليلية نفسيّة لمحاورة هذا
الاعتراف، ترقبّوا ذلك قريبا..
تعليقات
إرسال تعليق