ضابط الاحتياط.. 12
رسم أحمد بلقمري |
ركبنا القطار باتجاه الجزائر العاصمة، وصلنا إلى هناك في
حدود الخامسة بعد العصر.. عشية التحضير لاحتضان القمة العربية بالجزائر- مارس 2005
– كان نزولنا من القطار ببزّاتنا العسكرية أشبه بإنزال عسكريّ لحفظ الأمن و
النظام، كان شيئا ملفتا للانتباه، صاح شاب كان بالقرب منّي: " يا خو راهم
جابو العسكر"
، رمقني بنظرة فيها كثير من الاستفهام و مضى.. بالمحطّة
المركزيّة للقطار بالعاصمة كثرت الحركة بسرعة، و صرنا نشكّل لغزا محيّرا لكلّ من
شاهدنا، رجال عسكريّون يحملون حقائب البحّارة الخضراء، من دون أحزمة أو رتب و لا
حتّى قطع سلاح.. كنّا أشبه بسمفونية ناقصة و لم يكن بوسعنا تقديم تفسيرات عن هذا
الموقف.. انتظرنا قطار البليدة الذّي ركبناه على عجل.. نزلنا بمحطة البليدة فوجدنا
حافلات النقل العسكري بانتظارنا، تدافعنا لنحظى بأماكن بعد يوم طويل، لكنّنا
تراجعنا عن ذلك بسرعة بعد أن طلب منّا أن نصعد الحافلات وفقا لقوائم معدّة سلفا. استسلمنا
للنّوم و لم نستيقظ إلاّ و نحن في قلب المعبر.. موزاية، حكاية أخرى تستحقّ أن نقف
عندها.. في الحقيقة كلّ المعابر لها قصصها، إنّها المحطّات التي تبقى صورها عالقة
بذهن كلّ عسكريّ مرّ بها. كنت أعتقد بأنّني ضابط أتمتّع بكلّ امتيازات الضباط لكنّ
صرخة واحدة في وجهي من طرف أحد الرّتباء في الشرطة العسكرية كانت كافية لتفهمني
بأنني لا زلت ضابط ضابطا، لا أزال عسكريّا مجرّدا من رتبته إلى حين.. تهافتنا على
اقتناء البسكويت و علب العصير من النّادي، ثمّ اتجهنا بعد ذلك للمطعم أين تناولنا
وجبة عشاء باردة أراها ماثلة أمام عينيّ إلى غاية اليوم.. يبدو أنّ اللّحظات
العصيبة التّي أمرّ بها إلى حدّ الآن لا تبشّر بالخير؛ لكنّني في الجيش و كلّ
شيء ممكن.. بعد تناولنا لوجبة العشاء أخذنا أماكننا بالعنابر المخصصة لنا ثم سُمح
لنا بالخروج و السّهر داخل محيط المعبر إلى العاشرة مساء ثم الالتحاق بالعنابر
مرّة أخرى و إطفاء الأنوار في انتظار يوم الغد حيث سنغادر باتّجاه المطار العسكري
لبوفاريك و منه إلى وهران.. معلومة جديدة استطعنا الحصول عليها رغم الكتمان و
السريّة اللذين طبعا رحلتنا من بجاية إلى البليدة.. كنت مستعجلا حتّى أغادر المعبر
و ألتحق بمكان خدمتي بسرعة لأنّني فعلا مللت هذه الوضعية، من مكان إلى مكان و لا
شيء يبعث على الارتياح بالمعبر، حتّى رحلة الغد يبدو أنّها لن تكون لأنّ الطقس غير
معتدل و السّماء الملبّدة تشعرني بالقلق...
... يتبع
تعليقات
إرسال تعليق