قصة قصيدة
2011.10.23 جريدة الشروق / أزراج عمر إتحاد الكتاب يمارس " القوامة " على الكاتبات
الحلقة الثانية عشرة
في ختام المؤتمر تمت قراءة الأدبيات التي تمخض عنها مؤتمر اتحاد الكتاب بالإضافة إلى التوصيات. بعد ذلك تجمع
عدد من أعضاء اللجنة الدائمة واللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني الذين أشرفوا منذ البداية حتى النهاية على سير أشغال المؤتمر، وكان السيد محمد شريف مساعدية حاضرا باعتباره الرجل الثاني في الدولة بحكم رئاسته للأمانة الدائمة للحزب، ودعونا إلى مرحلة انتخاب اللجنة المديرة الجديدة للاتحاد. لكن بعد لحظات معدودة غيروا رأيهم واقترحوا أن نقوم بأنفسنا باختيار طوعي للجنة بدلا من الدخول في الصراع الانتخابي، وأكدوا بأن الكرة في ملعبنا.
- هكذا عملنا بهذا المقترح فقام عدد من المؤتمرين بتسجيل الأسماء المقترحة جماعيا على الورقة وعندئذ سلمت لهم. قرأها مساعدية نيابة عنهم ثم هز رأسه معلنا الموافقة عليها. بعد انتهاء هذه الخطوة دعانا أيضا أن نختار بأنفسنا أعضاء الأمانة التنفيذية، ثم سجلت الأسماء وقدمت له. حال انتهائه من تأملها لاحظ بأن عدد المقترحين للأمانة التنفيذية هو 3 أفراد وليس7 أفراد كما هو مطلوب في القانون الأساسي لاتحاد الكتاب الجزائريين المصادق عليه كما في جميع الاتحادات المهنية والثقافية ووفقا للهيكلة التنظيمية للحزب. في تلك اللحظات بدا التوتر يحفر الوجوه وخاصة عندما طلب من المقترحين أن يتنازل اثنان منهم. حينما ساد الصمت، لجأ مساعدية إلى حل وأوضح لنا أن القائمة تحتوي على 3 كتاب كانوا يعملون كلهم كصحافيين في مجلة المجاهد الأسبوعي؛ وهم رقيق علاء الدين مكي رئيس القسم الثقافي بالمجلة نفسها، وأحمد حمدي وأنا. رفع علاء الدين مكي يده وأعلن تنازله ومن ثم أعلن كاتب آخر، لا أذكر اسمه، الشيء نفسه. على إثر ذلك دوّى التصفيق من طرف الكتاب ومن طرف المسؤولين الحزبيين معا، وبذلك تم تجاوز العادة السيئة المتمثلة في الصراع على المناصب. صعد مساعديه إلى المنصة وأعلن بصوت هادئ عن أسماء الأمانة التنفيذية المتكونة من الدكتور محمد العربي الزبيري كأمين عام جديد للاتحاد بعضوية كل من محمد الأخضر السائحي الكبير، وأحمد حمدي، ومحمد زتيلي، وأحمد ختاوي، ومحمد صالح حرز الله وأنا. لم يكن في اللجنة المديرة الجديدة أي أديب ينتج الأدب بالفرنسية أو باللغة الأمازيغية مثلما لم تتضمن الأمانة التنفيذية أية أديبة باللغات المتداولة في الساحة الأدبية الجزائرية.
- لقد كانت نتائج المؤتمر مقتصرة على الذكور فقط، وبدا واضحا بأن المؤتمرين قد عملوا فعلا بالتقاليد البالية التي تجعل الأدباء "قوّامين" على الأديبات أيضا. على أية حال لم يعارض أحد منا للأسف تلك النزعة الذكورية القائمة، حيث سلمنا بها وكأنها أمر طبيعي وهي ليست كذلك بالمرة. إنه لا غرابة في ذلك ما دام التنظيم يحمل اسم "اتحاد الكتاب الجزائريين" وليس اسم "اتحاد الكتاب والكاتبات الجزائريين والجزائريات". يذكرني هذا الوضع السلبي بالنقد الذي قدمه فرانز فانون للبنية العائلية الجزائرية في كتابه "العام الخامس للثورة الجزائرية" ذلك أن المرأة في مجتمع متخلف، وفي الجزائر بصورة رئيسية تكون قاصرة والرجل يقوم بدور الوصي عليها قبل كل شيء، أخا كان أم عما أم زوجا. وتتعلم الفتاة الشابة تجنَب المناقشات مع الرجال وألاّ "تغضب الرجل..". يستنج فانون أنه بسبب استشراء هذا التقليد التعسفي والمغرق في التخلف فإن "التحليل العميق يوضح أن الأب يرى المرأة في ابنته، وبالعكس فإن الابنة ترى الرجل في أبيها".
- لا شك أن فانون محق أيضا في قوله بأن "السلطة في الدولة هي بالنسبة للفرد تجديد إنتاج للسلطة العائلية التي حاكى نموذجها في طفولته"، حيث أن هذا الفرد "يتمثل السلطات التي يلتقيها لاحقا، مشبها إياها بالسلطة الوالدية". إنه محق أيضا أن "السلوك تجاه السلطة يجري تعلمه داخل العائلة التي يمكن تمييزها، من الناحية السيكولوجية بتنظيمها الخاص، أي بالطريقة التي يجري بها توزيع السلطة فيها وممارستها". هكذا أعدنا في اتحاد الكتاب الذكوري إنتاج نموذج العائلة البطريركية، وبذلك لم نبلور أي تطور نحو التوزيع الديمقراطي للمسؤوليات، في ذلك الوقت، بين الكتاب والكاتبات والشعراء والشاعرات وهلّم جرّا وسحبا. إنه لأمر مدهش أن نجد الوضع ذاته تكرر ويتكرر دائما في المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني ماضيا وحاضرا حيث لم تترأسه المرأة يوما، ولم تكن فيه نائبة للرئيس أيضا. هكذا خرجنا من ذلك المؤتمر، في اليوم التالي سافرت إلى الأخضرية لأستريح ومكثت هناك ثلاثة أيام. حينها عدت إلى العاصمة والتحقت باتحاد الكتاب. أخبرت بأن الاجتماع قد تم في غيابي منذ يومين وقرروا أن أكون أمينا وطنيا للعلاقات الخارجية بدون أخذ رأيي أواستشارتي مسبقا على الأقل. في البداية شعرت بالغضب وقلت في نفسي: "متى نتعلم أبجديات المشاركة في توزيع المسؤوليات بالتوافق والوفاق، وحسب التخصص والميول". كنت إذ ذاك لا أتقن أية لغة أجنبية ما عدا شظايا اللغة الفرنسية التي لصقت بلساني الأمازيغي يوم كنت طفل حرب يدرس يوما، ويغيب شهورا عن المدرسة الكولونيالية ولكنني أشحت عنها فورا في الأسبوع الأول من استقلال بلادنا، والتحقت بسرعة المجرَات بمدرسة اللغة العربية التي تعلمتها فعلا طوال سنة كاملة تحت شجرة الزيتون على أيد شيخين بقرية "إظريقن" البعيدة قليلا عن نهر الصومام، والجالسة بمنازلها الحجرية والطينية تحت أقدام "جبال جرجرة ولالا خديجة" حيث كان المجاهدون والمجاهدات يوما يلتحفون ويلتحفن العراء، والغيوم التي كانت تتسلَق قامات أشجار الغابة وتغطيها مثل رداء الصوفيين.
تعليقات
إرسال تعليق