ضابط الاحتياط.. 13
نهضنا باكرا على عادة العسكر، استيقظنا على وقع الصّياح
غير المبرّر لرجال الشّرطة العسكريّة. تناولنا فطور الصّباح، حملنا حقائبنا و
امتطينا الشّاحنات باتجاه المطار العسكريّ.. كان لون السّماء يوحي بشيء لكنّني لم
أقل شيئا بعد توديع بعض الأصدقاء الذّين لن يذهبوا معنا في نفس الرّحلة لأنّهم
سيتّخذون وجهة ثانية مخالفة لوجهتنا تماما. لم نتزوّد بحصّتنا من الوجبات الجاهزة
لأنّ ضابط الصفّ الذّي كان مسؤولا عنّا لم يكن يعرف حدود مهمّته و كأنّه يقوم بهذه
المهمّة لأوّل مرّة في حياته، بدا لي مشتّت الذّهن، خائفا، غير مؤهل للقيام بهذه العمليّة...
وصلنا إلى مطار بوفاريك العسكري في وقت مبكّر، نزلنا و بقينا خارج بهو المطار لأنّنا كنّا
نعتقد بأنّه غير مسموح لنا بالدّخول إلى البهو... كم تألّمت لمشهد أبناء البوليزاريو
وهم يتجوّلون في بهو و ساحة المطار طولا و عرضا بينما نقبع نحن أبناء الجيش خارجا
فريسة للبرد.. لم نكن نضع الرّتب أو نرتدي الأحزمة، كان مظهرنا يوحي لمن شاهدنا بأنّنا
لا نزال طلبة، لكنّنا قرّرنا أن نتقلّد رتبنا حتّى إذا رآنا أحدهم اعترف
بحقنا في التحيّة، كنّا نتحرّق شوقا للعمل كضبّاط، كنّا نحلم بتحيّة العسكريّين لنا.. إنّها نفس التحيّة التّي نسيت أمرها شخصيّا عندما التحقت للعمل بوحدتي في جبال
الونشريس. بعدما شعرنا بالجوع في انتظار الرحلة المقرّرة، تحرّكت أنا و بعض الأصدقاء
للبحث عن طعام في كلّ الاتجاهات الممكنة، خرجت مع صديقي مهدي باتّجاه البوّابة
الرئيسيّة لعلّنا نحصل على طعام بطريقة معيّنة.. و صلنا إلى مركز المراقبة فطلب
منّا رجال الدّرك أن لا نغادر ساحة المطار إلى الخارج لأنّهم
تلقّوا تعليمات تفيد بذلك. استغلّ صديقي الفطن تحيّة رجال الدّرك لنا حتّى يطلب
منهم أن يجدوا لنا حلاّ يساعدنا على اقتناء طعام بأسرع وقت ممكن.. لم يكن لدينا المال الكافي
لكنّنا قرّرنا التضحية بما بقي عندنا لأنّ بطوننا لم تعد تحتمل أكثر... تقدّمت سيّارة مدنيّة نحو
البوّابة فطلبنا من سائقها أن يجلب لنا سندوتشات نسدّ بها الرّمق، ابتسمت زوجته و قالت له: لا تقبض منهم مالا سنجلب لهم طعاما على حسابنا.. طارت العصافير التي
كانت تزقزق في بطوننا فرحا بهذا الخبر.. انتظرنا حوالي نصف ساعة فحضر الطّعام
بالمجان، شكرنا السيّدة وزوجها و تمنّينا لهما حظّا موفّقا و رحلة هادئة.. حملنا
طعامنا و توجّهنا صوبا نحو باقي الأصدقاء الذّين كانوا يتضوّرون جوعا بعد أكثر من
ثماني ساعات من الانتظار في المطار.. كان يوما طويلا و انتظارا في غير محلّه لأنّنا
عدنا في المساء إلى المعبر محمّلين بكلّ أنواع الإحباط و الأسف...
... يتبع
تعليقات
إرسال تعليق