طُفُولَتِي
هل كان
الزّمن؟!..
لا، لا كنّا نحن أسوء من جرذان جائعة تبحث عن مؤونة ممكنة لصدّ هجمة ليلة شتاء
باردة.. كانت سنوات قاسيّة و أيّاما صعبة.. حتّى الماء كان مشكلة عويصة، الحصول
على ماء صالح للشّرب كان يستدعي منّا أكثر من نصف ساعة من الشّجار على الأدوار
، فواحد يقول: لا، لست أنا، و آخر يقول: مستحيل أن يكون دوري اليوم، واحد صادق و آخر كاذب، واحد صامت و آخر مجادل، المهمّ أنّ المزاد كان يرسو على أحدنا و من سيجلب الماء سيحضّر الحمار و عدّته، و الصّهاريج.. آه من الصّهاريج، أجسامنا النّحيلة لم تكن قادرة على حملها و هي فارغة فما بالك بها و هي مملوءة.. الشّيء الوحيد الذّي كان يملأنا فخرا هو أنّنا أبناء ابن الشّهيد.. أعلم أنّ النّاس كانوا يشكّكون في الثّورة، لكنّني مثل أبي كنت أحبّها.. أحيانا عندما أنظر إلى عينيّ والدي أحسّ بحزن شديد فيهما، كنت أتساءل إن كنّا نحن سبب تعاسته لكنّني أنسى ذلك بسرعة كلّما رمقني بنظرة قاسية، و أقول رحمه الله لم ير والده، لو فعل ذلك لاحتضنني و لكلّمني بلطف.. كانت الأيّام تمضي بسرعة مثل قارورة الغاز التّي تنتهي فجأة و نحن نستعدّ لشرب الحليب.. كنت أتغيّب عن المدرسة أحيانا لمساعدة إخوتي في الحصول على قارورة للغاز، كنّا نمضي اليوم بأكمله في انتظار حافلة التّموين.. أذكر أنّني كرهت المطر في صغري لسببين، أمّا الأوّل فلأنّني كنت أتعرّض للبلل كلّما اصطففت مع الآخرين في انتظار حصولنا على قارورات الغاز تحت المطر الذّي لم يرحم طفولتنا يوما.. كنت أكره المطر أيضا لأنّني كنت أنام تحت الثّقب الذّي يتسرّب منه المطر، فالقرميد الذّي نغطّي به بيتنا لم نقم بصيانته لأنّ الإسمنت اختفى فجأة هو الآخر، يبدو أنّنا سببنا اختناقا كبيرا للبلد.. لم نكن نحن الأطفال السّبب في ذلك بكلّ تأكيد، هذا ما كنت أقوله لنفسي لكنّني أنساه بسرعة كلّما بحثت عن علبة غلوريا لأختي في الدّكاكين التّي أفلست بعدما كانت تقتات من أسواق الفلاّح. كان والدي يعود كلّ مساء محمّلا بالتعب و المتاعب، لم نكن ننتظر الهدايا ككلّ الأطفال لأنّ أبناء ابن الشّهيد يكفيهم مقعد حقير في المدرسة الإبتدائية، أعترف أنّني كنت أخيط مقلمتي بنفسي و أفصّلها كما أشاء و أرغب، كنت فخرا لأمّي بين إخوتي، و كانت تعفيني من جلب الماء أحيانا كلّما اخترعت شيئا مهمّا، و ساهمت في تجنيب العائلة مصاريف أخرى.. ... يتبع
، فواحد يقول: لا، لست أنا، و آخر يقول: مستحيل أن يكون دوري اليوم، واحد صادق و آخر كاذب، واحد صامت و آخر مجادل، المهمّ أنّ المزاد كان يرسو على أحدنا و من سيجلب الماء سيحضّر الحمار و عدّته، و الصّهاريج.. آه من الصّهاريج، أجسامنا النّحيلة لم تكن قادرة على حملها و هي فارغة فما بالك بها و هي مملوءة.. الشّيء الوحيد الذّي كان يملأنا فخرا هو أنّنا أبناء ابن الشّهيد.. أعلم أنّ النّاس كانوا يشكّكون في الثّورة، لكنّني مثل أبي كنت أحبّها.. أحيانا عندما أنظر إلى عينيّ والدي أحسّ بحزن شديد فيهما، كنت أتساءل إن كنّا نحن سبب تعاسته لكنّني أنسى ذلك بسرعة كلّما رمقني بنظرة قاسية، و أقول رحمه الله لم ير والده، لو فعل ذلك لاحتضنني و لكلّمني بلطف.. كانت الأيّام تمضي بسرعة مثل قارورة الغاز التّي تنتهي فجأة و نحن نستعدّ لشرب الحليب.. كنت أتغيّب عن المدرسة أحيانا لمساعدة إخوتي في الحصول على قارورة للغاز، كنّا نمضي اليوم بأكمله في انتظار حافلة التّموين.. أذكر أنّني كرهت المطر في صغري لسببين، أمّا الأوّل فلأنّني كنت أتعرّض للبلل كلّما اصطففت مع الآخرين في انتظار حصولنا على قارورات الغاز تحت المطر الذّي لم يرحم طفولتنا يوما.. كنت أكره المطر أيضا لأنّني كنت أنام تحت الثّقب الذّي يتسرّب منه المطر، فالقرميد الذّي نغطّي به بيتنا لم نقم بصيانته لأنّ الإسمنت اختفى فجأة هو الآخر، يبدو أنّنا سببنا اختناقا كبيرا للبلد.. لم نكن نحن الأطفال السّبب في ذلك بكلّ تأكيد، هذا ما كنت أقوله لنفسي لكنّني أنساه بسرعة كلّما بحثت عن علبة غلوريا لأختي في الدّكاكين التّي أفلست بعدما كانت تقتات من أسواق الفلاّح. كان والدي يعود كلّ مساء محمّلا بالتعب و المتاعب، لم نكن ننتظر الهدايا ككلّ الأطفال لأنّ أبناء ابن الشّهيد يكفيهم مقعد حقير في المدرسة الإبتدائية، أعترف أنّني كنت أخيط مقلمتي بنفسي و أفصّلها كما أشاء و أرغب، كنت فخرا لأمّي بين إخوتي، و كانت تعفيني من جلب الماء أحيانا كلّما اخترعت شيئا مهمّا، و ساهمت في تجنيب العائلة مصاريف أخرى.. ... يتبع
تعليقات
إرسال تعليق