تـونــــس بـعــــــد بـن عـــــلـي
عن صحيفة "فرانس سوار"
العدد: 109 التاريخ: 28/10/2011
عن موقع صحيفة: "لوباريزيان" بقلم: ليونيل بونافنتور
عن صحيفة "فرانس سوار"
العدد: 109 التاريخ: 28/10/2011
أثار فوز الإسلاميّين في الانتخابات التونسية استياء المسؤولين السياسيّين في عدد من البلدان الأوروبية. فاز الإسلاميّون في الانتخابات التونسية، وبات مؤكَّداً أن الإسلام السياسي، وهو ذو وجوه عدّة، يحتلّ موقع الصدارة في توجيه السياسة التونسية. فقد صرّح بعض أولئك المسؤولين بأنهم "سيبقون حذرين" تجاه السياسة التي سينتهجها الحزب الجديد الظافر، حركة "النهضة".
لكن الحزب الفائز في الانتخابات سارع إلى طمأنة الرأي العام بأنه سيتعاون مع العلمانييّن، كما صرّح المسؤولون فيه بأن الديمقراطية كشفت عن اتجاهات عدّة داخل الإسلام السياسي، كما أظهرت نتائج الانتخابات الوزن الحقيقي للإسلامييّن في تونس، بعد سقوط حكم بن علي الذي أذاقهم الأمرّين، على مدى سنوات طويلة.
على هؤلاء الإسلاميين اليوم أن يجدوا الطريقة الأمثل لتضمين مبادئهم ومُثُلهم الدينية في إطار المؤسسات الديمقراطية التي يُفترَض أن تأتي بها الثورات. ثمة عبارات ومفاهيم كثيرة ـ وبخاصة مفهوم الشريعة ـ تدور في السجال من غير أن يُجلى عنها غموض ما زال يلفّها ولا يُدرِك معناها كثيرون من غير المسلمين. يقول جان ميشال أوتو J.- M. Otto، وهو أستاذ هولندي يدرّس الحقوق في جامعة ليد Leyde، أشرف مؤخراً على دراسة حول تطبيق الشريعة في 12 بلداً إسلامياً (راجع كتاب: Sharia Incorporated)، يقول إن الإسلام السياسي يشمل اتجاهات عدّة، يختلف بعضها عن بعض، وإن الشريعة "عندما تُستخدَم، لا ندري ماذا تكون النتيجة". وتبيّن الدراسة التي أشرف عليها أن المزيد من الإسلام لايعني بالضرورة تناقصاً في الحرية، وذلك خلافاً لما يعتقده معظم المراقبين الغربيين. أما أستاذ علم الاجتماع ياسين أكتاي Yasin Aktay ، وهو تركي يدرّس في جامعة سلجوق في قونيا، فيرى أن الشريعة ليس لها تعريف قانوني دقيق، وهي لا تقتصر على أحكام القصاص الجسدي.
"النهضة" التونسي سيكون أول حزب إسلامي بين الثورات العربية عليه أن يحدّد بدقة طبيعة العلاقات التي يريد لها أن تنشأ بين الدين والقانون. وقد صرَّح زعيم الحزب، راشد الغنوشي، أن حزبه يحترم المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد عبَّر الغنوشي عن رغبته في التعاون مع الأحزاب العلمانية من أجل تدبيج أحكام الدستور التونسي الجديد وكتابة فقراته. يرفع الغنوشي اليوم لواء إسلام معتدل على شاكلة حزب العدالة والتنمية الحاكم اليوم في تركيا.
الدستور التونسي الذي سيحلّ محلّ الدستور الحالي يعلن أن الإسلام دين رسمي لكنه لا يُشير إلى الشريعة بوصفها أساساً للنظام القانوني. وبالنظر إلى التراث العلماني القوي في تونس، فإن حزب النهضة سيركب مركباً خَطِراً جداً إن هو حاول فرض الشريعة بوصفها مصدراً للتشريع والقانون في تونس؛ فهو بذلك سيُثير ضدّه معارضةً واسعة في البلاد.
يقول ياسين أكتاي إن مؤلفات الغنوشي التي كتبها في الثمانينيّات كان لها أبلغ الأثر في الإسلاميين الأتراك وأسهمت في حملهم على الدخول في اللعبة الديمقراطية. واليوم، بدوره، يعود الحزب الحاكم في تركيا، ليؤثر في نموذج الحكم الذي يختاره زعيم الإسلاميين في تونس ليسود البلاد.
الانتخابات التونسية: حركة "النهضة" الإسلامية تقود التوافق الوطني
عن موقع صحيفة: "لوباريزيان" بقلم: ليونيل بونافنتور
أثبتت نتائج الانتخابات التي جرت في 23 أكتوبر/ تشرين الأول في تونس تقدّم الحركة الإسلامية "النهضة"، التي ستتبوّأ الموقع الأول بين الكتل الانتخابية في البرلمان التونسي، وذلك بعد تسعة أشهر من سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي.
شارك أكثر من 7 ملايين تونسي في انتخاب ممثلي مجلس تأسيسي، في حدث انتخابي تاريخي، بعد سقوط زين العابدين بن علي. وقد أثنى المراقبون في الاتحاد الأوروبي على "الشفافية" والتنظيم الرفيع اللذين تحلَّت بهما هذه الانتخابات، ولم يسجّلوا إلا بعض "المخالفات البسيطة" خلال تلك الانتخابات التي كانت خلاصة تقويم اللجنة الأوروبية لها، ما يلي: "الانتخابات نتيجة إرادة ثابتة لدى الشعب التونسي لكي تحكمه سلطة منتخَبة ديموقراطياً تحترم دولة الحق والقانون".
"فوز ساحق لحركة النهضة" كان عنوان الصفحة الأولى لصحيفة "الشروق"، فيما عنونت صحيفة "المغرب المستقل" صفحتها الأولى، وقد تصدَّرتها صورة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي مستعرضاً الحرس الجمهوري: "النهضة على طريق السلطة؟"
سيتكفَّل المجلس التأسيسي بكتابة دستور جديد وتعيين وزارة جديدة تتولّى مهام حكم البلاد حتى يحين أوان الانتخابات العامة التي ينتَظر أن تجري بعد فترة سنة واحدة. في انتظار ذلك الاستحقاق، تُبدي حركة النهضة التي تعمل على طمأنة المجتمع المدني التونسي وتبديد مخاوفه، تُبدي انفتاحاً أمام الأحزاب السياسية اليسارية، لتشكيل حكومة وحدة وطنية. وقد باشرت المشاورات مع جميع الأفرقاء السياسيّين في البلاد، بحسب تصريح لزعيم حزب التكتل مصطفى بن جعفر الذي أبدى استعداداً "لتحمّل مسؤوليات جسيمة إذا أسفرت المفاوضات عن توافق" كما قال.
ثمة أيضاً "المؤتمر من أجل التقدّم"، وهو حزب قومي يساري، يتزعمه المنصف المرزوقي، الذي كان هو الآخر معارضاً لحكم بن علي، والذي على حركة النهضة التفاوض معه، بعدما احتلّ المرتبة الثانية في الانتخابات. وكانت "النهضة" و"التكتل" قد باشرا المفاوضات بينهما حتى قبل بدء عمليات التصويت. وكان المنصف المرزوقي الذي عاش في باريس سنوات عدّة أثناء حكم بن علي، مناضلاً من أجل "حقوق الإنسان" في تونس، قد استقبل بالأحضان الزعيم الإسلامي، راشد الغنوشي، بعد عودته من لندن، حيث عاش 20 سنة، إلى تونس في آخر شهر كانون الثاني/ يناير الماضي.
أنصار المرزوقي يتهمونه بـ"التحالف مع الشيطان"، لكن المرزوقي دافع عن ضرورة تشكيل تحالف وطني واسع، لتأليف "فريق حكم صلب ومتين قادر على الحكم" ونفى أن يكون قد أبرم أيّ اتفاق مع الإسلاميّين قبل إعلان نتائج الانتخابات.
حتى ولو فرضت حركة النهضة نفسها كقوة سياسية جديدة كبرى، فإن المحللين يرون أنها لن يكون بوُسعها أن تحكم بمفردها، بل عليها أن تتعاون من سواها من القوى السياسية في البلاد حتى لا تستعدي المجتمع التونسي الذي اعتاد زمناً طويلاً على العلمانية والمتمسك بمكتسباته الاجتماعية التي حققها طيلة تلك الفترة. لذا، فإن أول ما بادرت النهضة إلى إعلانه، فور فوزها في الانتخابات النيابية هو تبنيها لنموذج الحزب الإسلامي المحافظ، حزب العدالة والتنمية،الحاكم في تركيا.
كان ثمة مفاجأة في الانتخابات التونسية هي بروز حزب "المبادرة" يقوده كامل مرجان الوزير في عهد بن علي. لكن المفاجأة الأكبر كانت بروز حزب "العدالة والتنمية" الذي يقوده الثري التونسي هاشمي حامدي المستقر في لندن، والذي كان من هناك يُدير أنصاره في المعركة الانتخابية، عبر قناة التلفزة "المستقلّة" التي يملكها في لندن والتي لها جمهور واسع من المشاهدين في تونس.
ومهما يكن، على الحكومة المقبلة في تونس أن تجابه وضعاً اقتصادياً عسيراً في بلدٍ كانت تتراوح نسبة النموّ فيه عادةً بين 5% و6% ، وهي اليوم 0% أو دون الصفر، منذ كانون الثاني: يناير الماضي؛ فقد كان الموسم السياحي الأخير بمثابة كارثة اقتصادية ألغت الكثير من فرص العمل، ورفعت نسبة البطالة إلى 19%.
تعليقات
إرسال تعليق