/ عبد الرّزاق بوكبة.. يخرج خف سيبويه من الرّمل

القائمة الرئيسية

الصفحات

عبد الرّزاق بوكبة.. يخرج خف سيبويه من الرّمل

التنقل السريع

    عبد الرّزاق بوكبة.. يخرج خفّ سيبويه من الرّمل
    قلم: الحبيب السائح

    «من دس خف سيبويه في الرمل»، الصادرة عن دار فيسيرا للنشر، 2011، في 125 صفحة من القطع المتوسط، يقول عنها صاحبها عبد الرزاق بوكبة إنها نصوص.
    تلك، إشارة لمن يقرأها على أنها ليست بالضرورة قصصا قصيرة، ولا قصصا قصيرة جدا، ولا مقاطع شعرية، أو كتابة شعرية على النثر.
    غير أن القارئ نفسه يجد أنها هي تلك كلها: مستقلة عن بعضها في الجنس. أو هي متداخلة أحيانا «كنا نرقص حول الكوخ» 78 ـ 81. وسيظهر له التنوع منذ النص الأول «أعراس النسر» ص 11، ـ وليس نوبة الدخول ـ وقوفا على «زريبة السماء» ص 65، وانتهاء «إلى نوة الخروج» ص 111.
    وهذه بعض العينات من تلك النصوص:
    1. «خطوة الراوي المعلق: تراه كان أباها؟» ص 49
    2. «لاحس الغبار: مضي يغازلها لسانا بوارا يلحس من غبار الأجداد/ مضت مشغولة عنه تحلم بكلام جديد في الأبعاد.
    ـ إذن تنوين تهجرين؟
    ـ هناك على الأقل لن يعيروني بالغزالة.» ص 55.
    3. مقتطف من مفصل ثان لنص طويل:
    «هل بعثت؟
    وهذا الذي كنت أوعد في اللاحقين؟
    هل بلغت؟
    من الكشف ما هزني للسماء؟
    أم تراني حلمت بما لم يكن
    ليتها لم تبن
    ليتني لا أبين.» ص 99.

    سيهم القارئ، بالتأكيد، كم نصا استوقفه. ولن يكون عليه أن يعرف كم نصا احتواه الكتاب. وإن هو غوى بإحصاء العدد وجد نفسه يحسب على أصابعه. فعبد الرزاق بوكبة، كما في لعبته المحيكة بخيوط اللغة عبر الكتاب كله، ألغى محتوى الفهرس بفهرس من خط يده:
    «لما ذا الفهرس
    وما في الكتاب
    في الكتاب؟»
    كأنها ثلاثة أسطر شعرية!
    كما زحزح المقدمتين إلى المؤخرة. وهي حركة، في تقديري، تحرر السبيل إلى القارئ ليدخل في اللعبة، التي أتصور نصوصها صورا تخرج من حوض تحميض فقه اللغة وتعلق على حبل التأويل.
    فاللغة المقصودة لذاتها، في النصوص جميعا، كما يريد لها عبد الرزاق بوكبة، لأنه يتصرف فيها بدراية، تجعل موضوعاتها الذاتية والاجتماعية والأخلاقية الهزلية والنقدية تنزاح إلى المستوى الثاني من الاهتمام.
    ذلك، بفعل هذا المسعى المعاند على تقريب الفصحى المكتوبة من المنطوق المكتوب، اختزالا للزائد واقتصادا في الجهد: «يحبها حد لم يلمسها، وتحبه.. تحبه حد تريده يفعل. ذكرت له في الموعد الستين صديقة تكره يقربونها/ ذكر لها صديقا يحب يلتصق بهن: الحابس كيف يقدر يشوه الحب؟» ص 35. «إلى متى تصر تؤخر نبني بيتا يقينا الشمس؟» ص 105.
    كما، بفعل هذه القدرة على النحت من صيغة الرباعي المزيد الشائع الاستعمال في الدارج (تجوبل، تهوبل، تقوحبت، تخوتم، تغوب، تكبرن) ومن صيغة الثلاثي بأحرف الزيادة الثلاثة الدالة على الطلب غالبا (أستحكيها، تستبصل، تستثوم، تستفلل وتستطمم) ومن صيغة المشاركة في الفعل (تناوش، ناشج) وتعدية اللازم (فاغره) وتوظيف ما يبدو عائدا إلى الدارجة وهو في الأصل فصحى (يضبح)؛ الأمر الذي فعلا يحدث لدى القارئ شيئا من الارتباك، نبه إليه الكاتب بوعي وثقة أيضا: «كل ما ترونه من اهتزاز شجرتي النحو والصرف هنا من ريحي. ـ عبد الرزاق.» ص 9.
    فما يشد منذ عتبة الإهداء، بخط يد المؤلف نفسه في توزيع شعري:
    «إلى بال القوارب
    أما السدود
    فتعجز ولا تسافر»
    هو الحيرة التي تنشأ ثم تتواصل متواترة من شأن طبيعة النصوص في قصرها خاصة، لأنها هي الغالبة. ومن تركيب جملها نحوا وصرفا ومعجما. ومن ضبط كثير منها بحركات الإعراب وتمييز البنيات. ومن توزيعها سوداء على بياض، كما توزع نصوص القصة القصيرة والقصيرة جدا والشعر الحر ونصه النثري.
    «من دس خف سيبويه في الرمل»، بغض النظر عن البحث عن تجنيس له، هو بلاغ من مؤلفه إلى (آخر) يحدس أنه ينتظره في ركن، يعلن إليه عبره أنه يعرف بعض أسرار اللغة وقواعدها، ويجرب الإضافة إليها.
    إنها لعبة عبد الرزاق بوكبة يخرج خف سيبويه من الرمل!
    بل، وباحتراز، هو يلاعب ذلك (الآخر) من خلال رسم بياني، عبارة عن خطاطة لمجموعتين رياضيتين بعناصر الانتماء والحيز: «من يعرف مشية الذيبة بين ثقبة وديك، لا يثق في اللغة»، ضاربا خيمة له «حيث حلت ركائبه» في حقل اللغة نفسه.
    «من دس خف سيبويه في الرمل»، على درجة استفزازاتها وتحدياتها ورهاناتها أيضا، هي نصوص على قدر رائق جدا من الطرافة والمتعة، لا بد تذكر بتلك التنويعات التي تحتويها المتون العربية من سرود الملح والطرائف والحكمة. وهي، من حيث ذلك، تعد، في تقديري، ذات أهمية لغوية تلفت الانتباه إلى وفرة الإمكانات التي بها تستطيع الكتابة الجزائرية أن تكون متميزة الخصوصية.
    sayahhabib@yahoo.fr
    هل أعجبك الموضوع :

    تعليقات