/ لُورْكَا و القمَر..

القائمة الرئيسية

الصفحات



لُورْكَا و القمَر..

سأقاتل حتّى يظهر قمري في ليلكم الغادر، لن أخاف منكم أيّها الظّالمون القتلة، لن أستسلم لكم فأرضيكم أيّها الجبناء.. هكذا سمعت لوركا يقول لقتلته، كنت طفلا حينها بقلب شاعر قادم، كنت أراقب مشهد موت شاعري المفضل في غياب قمره، لم أستطع النظر إلى عينيه و الجمال سيذبح في ظلمة تلك اللّيلة الخائنة.. ساد صمت المؤامرة و انتشرت رائحة الغدر في سماء بلا قمر، سيقتل لوركا !.. أين قمري؟.. كم أبكتني هذه الكلمة الموجعة !، كم حزنت لغياب لوركا عن غرناطة !.. لو أمكنني الآن بعد سنوات من الحادثة لطلبت من شاعري المفضّل أن يحاول الهرب، لو أمكنني الآن أن أمسكه من قميصه و أدعوه إلى الهروب من نهايته لفعلت، لو كنت أعلم أنّه سيموت بتلك الطّريقة لفديته.. لو أمكنني الآن لغنّيت قصيدته حتّى يستحضر صورة قمره الغائب:


تأتي لونا إلى كير الحِدادة
بتنورتها الداخليةِ و الناردين
و الصبيُ يحدقُ، يحدقُ
الصبيُ يحدقُ بقوة

يهبُ النسيمُ بارداً
فتحركُ لونا ذراعيها
كاشفةً عن ثدييها
عن حرارةِ و نقاءِ ثدييها

"
اهربي لونا، لونا، لونا.
فلو عثرَ الغجرُ عليكِ
إذن لصنعوا من قلبِك
قلائدَ و خواتمَ فضّة"

"
يا صبيُ، دعني ارقص
فحينَ يأتي الغجرُ
سيجدونكَ فوقَ السندانِ
و عيونُكَ الصغيرةُ مُغلقة."

"
اهربي، لونا، لونا، لونا.
أستطيعُ أن أسمعَ حوافرَ خيلِهم"

"
يا صبيُ، امضِ و لكن
لا تطأ فوقَ بياضي المُنشّأ"

الفرسانُ يقتربونَ أكثر
قارعينَ الطبولَ و الثرى
و في جوفِ السندانِ
الصبيُ يُغلقُ عينيه.

عبرَ بستانِ الزيتون
يأتي الغجرُ، بلونِ البرونز
رؤوسهم مرفوعة للأعلى
عيونهم نصفُ مغلقة

ها، كيفَ تغني بومةُ الليل!
كيفَ تغني فوقَ شجرِ الليل!
تمضي لونا، عبرَ السماءِ
ممسكةً يدَ الصبيّ.

في جوفِ كيرِ الحِدادة
يبكي الغجرُ، يعوِلون
و النسيمُ يراقبُ، و يراقبُ
النسيمُ يراقبُ طوالَ الليل.
الآن و بعد سنوات من الحادثة أدركت معنى غياب القمر، فهمت أنّ القمر يختطف الأطفال و يذهب بهم بعيدا عن أعين النّاس...الآن فقط فهمت قولك يا صديقي: " منذ كنت طفلا، كنت أكره الوداع، كلمة الوداع بالنسبة لي تعني شكلا مصغّرا من أشكال الموت!..". الآن فقط أدركت معنى تألّق روحك في وادي فيزنار يوم قلت: " لا أحب الموت على مشهد من القمر! .. في قصائدي قلت الكثير في القمر، وأن أموت على مشهد منه فسيبعث فيّ انطباعا أنّ أفضل أصدقائي قد خانني ..".
قلم: أحمد بلقمري
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع