" الهجّالة " لفتيحة أحمد بوروينة رواية حداد بامتياز..
![]() |
غلاف كتاب " الهجّالة " |
قرأت منذ أيّام رواية " الهجّالة " للكاتبة الصحفيّة و الإعلاميّة فتيحة أحمد بوروينة، و هي رواية جاءت في ثلاث و تسعين صفحة في كتاب من القطع المتوسّط عن منشورات دار القصبة للنّشر 2009. قدّم للرواية كلاّ من النّاقد الكبير الدّكتور عبد المالك مرتاض، و الكاتب السّعودي المقيم بباريس أحمد بودهمان. الرّواية تتطرّق إلى موضوع ترمّل المرأة و معاناة شبح النّظرة الدّونية لهذه المرأة من طرف أفراد المجتمع الذّي تنتمي إليه، هي قصّة طويلة بأسلوب سردي يصف حالة و معاناة الأرملة في مجتمع لا يرحم. في عشرة محطّات للبوح قدّمت لنا فتيحة بوروينة صورا مختلفة لنفس المرأة التّي تتألّم في صمت و تبكي بعيدا عن الأعين و القلوب المتعاطفة.
إنّ ما جعلني أهتمّ بهذه الرّواية هو بروز ملمح لشخصيّة الفرد الذّي يعاني الحداد، حيث يبدو عمل الحداد(Travail de deuil) واضحا، حيث يبدو الحزن و الوجع و الفجيعة و الضّيق و الكآبة وجها لوجه مع مقاومة عناصر الإحباط الذّي تولّد جراء فقد المحبوب( موضوع الفقد La perte d’objet ). أرادت الرّاوية من خلال تجربتها السّرديّة أن تضعنا في زمكانية معيّنة حيث تقف المرأة المكلومة في زوجها، حيث العذابات و الآهات و المعاناة النّفسية الدّاخلية، حيث صدمة فقدان موضوع التعلّق العاطفي، و محاولة الانفصال التّدريجي عن موضوع الفقد ( الكتابة كمخرج للشفاء).
تستعيد الرّاوية صورة موت الموضوع المحبوب (زوجها) فتعيد تشكيل صورة و مشاهد الموضوع (الزّوج) حيث تصف ذلك في محطّات عديدة( كفنه الأبيض و رائحة كافوره، المواسم تقلب المواجع، آه لو سألوا وسادتي، بلا علب الشيكولاطة، مواجعها القديمة، حذاء زيد و هولوكست غزّة، الهجّالة، في الحزن لسنا سيّان، انعتاقي الجديد الطريق إلى قبرك، لقاؤه الأخير).. هنا استطاعت الرّاوية أن تعيد تشكيل صور و مشاهد المرض و الموت أمام ناظريها بطريقة سرديّة بسيطة غير ممعنة في العمق، و هو ما يترك القارئ يعيش معها تلك اللّحظات بمزيد من الاندماج في مسرح الحداد الذّي أعدّته الكاتبة بنفسها، المسرح الذّي أثّثته بالعناصر التّي رأت بلزوم حضورها في عمل الكتابة( عمل الحداد).
إنّ المتتبع لرواية" الهجّالة" سيقرأ عن مراد الزّوج الرّاحل فجأة، مراد الذي اختطفه الموت الهادئ بعدما نجا من مخالب الإرهاب الأعمى طيلة العشريّة السّوداء؛ سيقف القارئ عند حدود الوصف العنيف و القاسي لوجدان صادق، سيتفهّم قوّة الشّحنة الانفعالية الهائلة التّي ترجمت الكمّ الهائل من المشاعر المتلاحقة تترى، سيقبل بالعنوان الصادم " الهجّالة" و سيعتبره اختيارا صائبا واعيا لتجربة دارت تفاصيلها في دائرة اللاّوعي. إنّ القارئ لفتيحة أحمد بوروينة سيفهم قلّة الاهتمام الذّي ظهر منها اتّجاه العالم الخارجي بعد فقدان الموضوع(رحيل الزّوج)، و سيرحّب بخيار الرّاوية في لقائها الأخير حيث قالت:
« .. استوقفني صوت مبحوح مترهّل كان يتّجه نحوي.."ربّي حنين كريم".." اللّي خلق ما يضيّع" كان لأحد المتسوّلين الذّين اعتادوا التّسوّل على عتبات الجبّانة و أسوارها طوال أيّام الأسبوع.. كان يمدّ يده طلبا ل "معروف" لصدقة.. و كنت أنا ألمح قبره من بعيد.. أتبطأ ترمّلي الذّي علق بي فجأة.. أترجّل وحدي عارية من سنده.. أردّد مع الشّاعرة:
بعدك لا أحد.. سوى سماء ترتعد
و حبّ يسكن في القلب للأبد
بعدك لا أحد.. سوى ذكريات يعانقها الأنين
و آمال تنبض بالحنين.»
هنا تبدو الرّاوية/ البطلة أكثر قدرة على التوفيق بين الأنا الأعلى و الهو، أكثر قدرة على مواجهة الواقع، هنا تُقرّر الأنا ضرورة مواصلة المشوار و القطع مع الموضوع المفقود بطريقة التوظيفات الجديدة حيث تستحضر الذّكريات و التنبؤات و تخضع لتوظيف انفعالي مفرط أين يقتل الميّت رمزيا و يحدث الانفصال.
إنّ رواية بحجم " الهجّالة " تعتبر فعلا مقدّمة مثالية لدراسة تحليليّة نفسيّة للأدب في الجزائر، رواية أو حكاية بميزات "الهجّالة" تترجم فعلا عمل الحداد ( ظاهرة الحداد السّوي) و تقدّم لنا معطيات مرضية نفسيّة، و أخرى أناسية ثقافيّة و ما يصاحبها من معتقدات و طقوس جماعية لهي أحقّ بالدّراسة من مجموع بعض الكتابات السّطحيّة و غير المهمّة.
قلم: أحمد بلقمري/ الجزائر
قراءة جيدة لرواية " الهجّالة " لـ فتيحة بوروينة وللأسف أنني لم أقرأ الرواية بعـد إلا أنني بعد قراءة ما كتبتَهُ عن الرواية أحسست أنني قرأتها ومرات عديدة أيضا / ربما لأنك تناولت الموضوع أكثر من الجانب النفسي " تحليل نفسي " هذه الطريقة تقربنا أكثر من عمق محتوى الرواية وتجعلك أقرب للحقيقة وكأنك تعيشها وهذا ما يشدني في كلّ ما تكتب من مقالات!
ردحذفوهذا جيد أنك لا تقدر على الفصل بين كونك كاتبـاً وكونك باحثا في القضايا النفسية وكلاهما مكمل للآخر // ! بموضوعك تشكلت عندي ملامح كثيرة بذهني لعالم هذه الرواية وهو دافع جيد للاطلاع عليها / شكرا صديقي أحمد
منير
ما تأتى لي بعد تصفح هذا العمل ، لكنما تراتيلك قاربتنا من المتن الحكائي للرواية ، جزيل الشكر يا رجل.
ردحذفعيسى بن محمود
أخي و صديقي منير
ردحذفصديقي الأستاذ عيسى
.. لو كانت هناك فضاءات ثقافيّة حقيقيّة تعنى بتقديم الأعمال الأدبية و الفنيّة لكنّا الآن نلتقي في رحابها و نتناول بشهيّة كبيرة هذه الأعمال و نتلقّفها في حينها فيكتب عنها من يكتب و يتحدّث عنها من يتحدّث، و يعيد رسمها و تصويرها من يرسم أو يصوّر... إنّنا فعلا في حاجة إلى الرّقي بالفعل الثقافي إلى درجة المشاركة بعيدا عن الحساسيّات و الأفكار الضيّقة و السّياجات الدغمائية.. إنّنا فعلا في حاجة ماسّة إلى ثقافة اكتساب المعرفة و إنتاجها و السّعي لنشرها.. هذا ما نحن في حاجة له على عجل.. أمّا ما أنا في حاجة إليه فلن يكون سوى شكر لكما و امتنان و تقدير أيّها الرّائعان. محبّتي منير/ عيسى
صدقت صديقي
ردحذفشكرا جزيلا لك /
من ي ر