/ عمر أزراج.. قصّة قصيدة 28

القائمة الرئيسية

الصفحات


عرس جائزة "اللّوتس" الذي حوّل إلى جنازة
عمر أزراج
في الوقت الذي كنت أذهب كل صباح على الثامنة تحديدا للتوقيع في مركز الأمن لأثبت وجودي من جهة، ولكي أعاقب نفسيا من جهة أخرى كان الحديث حول قصيدة "العودة إلى ثيزي راشد" يدور بين السياسيين وبين الكتاب والأدباء الجزائريين. في أحد الأيام التقيت بالسيد "عبد الرحمان شيبان" رحمة الله عليه في مكتبه عندما كان وزيرا للشؤون الدينية لأكثر من ساعة وروى لي قصة اجتماع مجلس الوزراء برئاسة الرئيس "الشاذلي بن جديد" وتم فيه تداول القصيدة التي تحولت إلى مشكلة سياسية.

 قال لي "سي عبد الرحمان شيبان" بأنه كان يتبادل مع زملائه الوزراء مقاطع من تلك القصيدة في ذلك الاجتماع وكانوا يمررونها لبعضهم البعض من تحت الطاولة، كما أخبرني بأن الرئيس الشاذلي قد قال في الاجتماع بأنه لا مانع من كتابة الشعر النقدي وأنه ليس مع أولئك الذين يسعون لخلق "شهداء جدد". رغم موقف الرئيس الشاذلي الإيجابي ولكن العقيد مصطفى بن عودة المسؤول إذ ذاك على لجنة الانضباط  بالأمانة الدائمة للجنة المركزية والمكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني ظل يصر على دفع الأمور قدما وتسليط العقاب عليّ، وأخبرت بأنه أراد فصلي من اتحاد الكتاب الجزائريين وتجريدي من منصبي كأمين وطنيّ للعلاقات الخارجية للاتحاد نفسه، وإنهاء عملي كصحفي في المجاهد الأسبوعي الذي كان لسانا مركزيا للحزب الحاكم وما يزال كذلك إلى الآن. لقد أخبرت أيضا بأن الراحل "محمد شريف مساعدية" الذي كان مسؤولا على الأمانة الدائمة للجنة المركزية وعضوا في المكتب السياسي قد اتخذ موقفا، وذلك بعدم تفعيل مطالب "العقيد بن عودة". إن هذه التناقضات داخل بيت القيادة السياسية تفسر وجود تعدد الأجنحة المتضادة بداخل جبهة التحرير الوطني واختلاف المواقف بخصوص حرية التعبير والنقد السياسي            والاجتماعي. على أية حال بقيت أواصل نشاطي في اتحاد الكتاب، وفي المجاهد الأسبوعي معا، في جو من التوتر والحذر.
خلال هذه الفترة الزمنية تعرضت لهجوم بالسيارة ليلا في شارع "طونجي" الضيق والمحاذي لتمثال الأمير عبد القادر، ونقلت إلى المستشفى غارقا في دمائي، وتم هناك إسعافي بواسطة ربط جراحي بالغرز، وأتذكر أن من كانوا بداخل السيارة قد هربوا بأقصى سرعة حتى لا يكتشف أمرهم، وهنا أدركت أن المسألة بدأت تأخذ منحا خطيرا للغاية وشرعت بالتالي أفكر في مغادرة البلاد. في خضم هذا الليل الذي كنت أتحرك داخل ظلامه جاء إليّ مرة السيد "زتيلي محمد" الذي كان أمينا وطنيا بأمانة اتحاد الكتاب ا لجزائريين وقال لي بأن عنده مفاجأة لصالحي، واشترط عليّ مازحا أن أدفع له الغذاء في "مطعم الضفدعة" قرب البريد المركزي مقابل الإعلان عنها. صرحت لزتيلي بأنني لم أكن أملك مبلغا يفي بشرطه، وهنا دعاني إلى ذلك المطعم وقال لي بأن وكالة "طاس" السوفيتية قد نشرت خبر فوزي بجائزة اللوتس الأفروـ آسيوية للآداب ووزعته على المستوى الدولي. ظننت بأن السيد "زتيلي" كان يمزح معي ولكنه نظر إليّ بجدية وقال لي بأن الخبر صحيح، وأن الصحافة الوطنية ستنشره فعلا.
في صباح اليوم التالي استيقظت مبكرا واشتريت جريدة الشعب وجريدة المجاهد بالفرنسية ورأيت الخبر منشورا في الصفحات الأولى وبخط عريض. شعرت بالفرح لأن الجائزة جاءت في الوقت الذي كنت أتعرض فيه للحصار وللتحقيقات. كانت جائزة اللوتس ذات قيمة عالمية حيث أسندت لعدد من كبار الأدباء في قارتي آسيا وإفريقيا منهم "ألكس لاغوما" الروائي ورفيق "نلسون مانديلا" في النضال ضد التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، وشاعر المقاومة الفلسطينية "محمود درويش" والروائي "كاتب ياسين" والشاعر العراقي "محمد مهدي الجواهري" وغيرهم. بعد رؤية للخبر توجهت إلى مقر اتحاد الكتاب ووجدت هناك عددا من الكتاب الجزائريين من بينهم الطاهر وطار، وأخبرني زتيلي بأن وطار قد ثارت ثائرته ولكنني تجاهلت الأمر وسلمت على وطار ورأيت وجهه مصفرا وصاح فيّ قائلا بأن جائزة اللوتس حق له وأنني قد اغتصبتها منه. وهنا عدت إلى مكتبي والتزمت الصمت، وفي المساء عاد وطار مرة أخرى ووجدته جالسا في مقهى الاتحاد بحضور السيد "محمد صالح حرز الله" الأمين الوطني للشؤون الثقافية به. ظننت بأن غضب وطار كان مجرد سحابة صيف، ولكن الأمر لم يكن كذلك، عندما همّ وطار بالرحيل إلى منزله برفقة "السيد حرز الله" طلبت منهما أن أذهب معهما في سيارة الطاهر وطار باتجاه بيتي، ولم يجب هذا الأخير بلا أو بنعم، واعتبرت ذلك شبه موافقة. في الطريق بدأ وطار يرفع صوته ويوجه لي كلاما دون المستوى، ولما تصاعدت نبتره طلبت منه أن يوقف السيارة لأنزل، وكنا إذ ذاك قرب الجسر المؤدي إلى حيدرة، ففعل، وقبل أن أخرج رجلي الثانية من السيارة انطلق وطار مسرعا فسقطت وتدحرجت بقوة وعنف ثم اصطدمت بالحجارة وتعرضت لجروح كثيرة. توجهت إلى المستشفى وتم تضميد جراحي بالغرز مرة أخرى، وعندئذ ذهبت إلى منزل السيد "زتيلي" بحي "غاريدي" بالقبة، ولما رآني في تلك الحالة تألم لوضعي، وفي الصباح التقى زتيلي بالاتحاد، حيث وجد وطار هناك، ولما لامه على فعلته ضدي رفع زجاجة ليضربه بها، ولكن نادل مقهى الاتحاد "عمي شريف" وآخرين جردوا وطار من الزجاجة.
وهكذا استمرت الأمور وحدث انقسام بين الكتاب حول الجائزة التي أسندت إلي، ولما تصاعد الموقف جاء إليّ الشاعر والروائي الراحل طاهر جاعوت وأجرى معي حديثا ونشره في أسبوعية "الأحداث" الناطقة بالفرنسية ثم استضافني السيد "عز الدين بوكردوس" في نشرة الأخبار على الساعة الثامنة بالتلفزيون الجزائري، وقلت على الهواء وباختصار شديد: "إن جائزة اللوتس قد منحت للحرف العربي في الجزائر، وأنا أهديها إلى شهدائنا".
بطبيعة الحال، واصل الطاهر وطار هجومه، وسمعت أنه قد كال التهم للشاعر أحمد حمدي معتبرا إياه أنه هو الذي عرقله وحال دون حصوله على جائزة اللوتس، وللتاريخ أقول بأن أحمد حمدي لم تصدر منه هذه الأفعال أبدا، ولم يعارض إسناد جائزة اللوتس لوطار، الذي استغربت ما أورده في كتابه "أراه" من تشويه للحقائق ومن تعسف ضد حمدي لا مبرر له إطلاقا. كما بلغت بأن وفدا رسميا من اتحاد الكتاب الجزائريين توجه إلى موسكو ليطلب إلغاء جائزة اللوتس المسندة إليّ وتم ذلك سريا في الوقت الذي كنت فيه أنا مسؤولا عن العلاقات الخارجية وعلى أي وفد يسافر إلى الخارج.
على أية حال عاد ذلك الوفد السري بدون أن يحقق شيئا. بعد شهور أدركت أن من رشحني دون علمي ودون أن أسعى إلى ذلك أبدا كان الشاعر المصري الكبير "عبد الرحمان الخميسي"، الذي ربى العديد من الفنانين والفنانات والمصريين والمصريات أمثال "فاتن حمامة" و"عبد الحميد حافظ"، ووافق على ترشيحي أعضاء لجنة الجائزة من بينهم "ألكس لاغوما" أمين عام لاتحاد آسيا وإفريقيا والشاعر الفلسطيني "معين بسيسو" ومصطفى الفارسي رئيس اتحاد الكتاب التونسيين، والشاعر الباكستاني الشهير "فايز أحمد فايز" ورئيس اتحاد كتاب السنغال "ماما دو تراوري ديوب". بعد سنين التقيت بالشاعر الخميسي بمنزله في موسكو وقال لي: "عندما قرأت قصيدتك "العودة إلى ثيزي راشد" قررت ترشيحك للوتس، لأنها قصيدة إنسانية وسوف تساهم في بناء الديمقراطية والتعددية الحزبية في بلدك الذي ضحى فيه مليون ونصف شهيد بأرواحهم من أجل الحرية، ولكي نكون أحرارا جميعا".                 

هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع