مُحمّد صلّى الله عليه وسلّم نبيّ لزماننا
أ. محمّد الهادي الحسني
"محمد صلى الله عليه وسلم نبي لزماننا" هذا عنوان كتاب عن حبيب الحق وسيد الخلق، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وعنوان الكتاب في لغته الأصلية هو: "Muhammad, a Prophet for our time"، وقد أصدر في عام 2006، وأما ترجمته العربية فقد نشرت في عام 2008.
لاشك في أن هذا العنوان وحده سيجعل الظلاميين الحقيقيين الذين يعيشون ليلهم للنشوة والشهوة، ونهارهم للرشوة لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ، ذلك لأن عيونهم عميت عن رؤية جمال الإسلام، وعقولهم عجزت عن فهم جلال الإسلام، وأذواقهم لم تستطع التمييز بين حلاوة الإسلام ومرارة غيره، فراحوا يهرفون بأن الإسلام دين "رجعي"، ودين "ظلامي"، والحقيقة هي أن ما يتقيّـؤونه من كلام عن الإسلام يُضحك عليهم الأسفه والأبله، حيث يدل على صغر عقولهم رغم كبر أعمارهم، ويدل على سفاهة أحلامهم رغم ضخامة أجسامهم، وهذا كله يُثبت ما سماه أحد الظرفاء "المراهقة الفكرية".
إن أمثل أعداء الإسلام طريقة يقولون إن الإسلام كان مفيدا، وصالحا، وتقدميا في الوقت الذي أنزل فيه حيث كانت الجزيرة العربية والعالم تلفهما طبقات من الجهل الرهيب والجاهلية الحمقاء؛ ولكنه لا يصلح الآن، وأن الزمان قد تجاوزه، "كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا"، وإن يُصدرون إلا عن الجهل "الأجهل" والجهالة "الجهلاء" عمين على "أنّ هناك دليلا كبيرا على أن الجاهلية تعيش في الغرب اليوم كما تعيش في العالم الإسلامي". (ص 26)، ولذلك فإن "في شخصية محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ دروسا مهمة، ليس ـ فقط ـ للمسلمين؛ ولكن ـ أيضا ـ للغربيين". (ص 25)، لأن الهدف الكبير الذي جاء محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ من أجله ـ بعد توحيد الله عزّ وجل ـ هو "بناء مجتمع عادل وكريم، يُعامل كل فرد باحترام" (ص 21)، ولذلك فـ"إن محمدا ـ عليه الصلاة والسلام ـ شخصية مجاوزة للزمان" (ص 26)، ولكن المشكلة الكبرى هي أنه "من الصعب على الغربيين (وعلى الإمَّعيين في العالم الإسلامي) رؤية محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ في ضوء أكثر موضوعية" (ص 24).
إن كثيرا من الناس قد صدِئت قلوبهم وعجزت عقولهم وضاقت صدورهم فلم يتبينوا حقيقة هذا الدين الجليل الذي لا يهدي إلا للتي هي الأقوم، والأسلم، والأرشد، فراحوا يسقطون عليه ماهم يتخبطون فيه من نعوت شيناء، وصفات قبيحة.. وكم كان قول أحمد شوقي يكون أجمل وأحكم لو قال:
فلو أن إنسانا تخيّر ملة * ما اختار إلا دينك "العقلاء" بدلا من كلمة "الفقراء" التي استعملها.
ليس في هذا الكتاب شيء لا نعرفه ـ نحن المسلمين ـ عن حياة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمصادر حياته هي مما كتبته أيدي أسلافنا؛ ولكن اللمسة الجميلة فيه هي في هذا العنوان الجميل "محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبي لزماننا"، وكأنه ردّ مُفحم على الغربيين المتعصبين، وعلى أذنابهم في العالم الإسلامي الذين وصفهم المسلم الألماني مُراد هوفمان بـ"خواء الذات.. والأدمغة المستعمرة (1)".
وإن هذا العنوان نفسه هو ما يردد معناه أبسط رجل في المسلمين الحقيقيين وهو: "الإسلام صالح لكل زمان ومكان".
إن أي مجتمع لا ينهض حق النهوض، ولا يحيا الحياة الحقة إلا على ركيزتين اثنتين:
* ركيزة مادية، وعناصرها هي العلم، والعمل، والمال، والوقت..
* ركيزة معنوية اجتماعية، وعناصرها هي العدل، الحرية، الكرامة، المساواة.. وكل أولئك من جوهر الإسلام، ولبّه، ومقاصده، فبأي آلاء ربّك ومبادئ الإسلام يكذب المبطلون.
كان الإمام محمد البشير الإبراهيم ـ رحمه الله ـ يردّد قوله: إنه لا يفسر القرآن إلا لسانان: لسان العرب ولسان الزمان، وهاهو لسان الزمان يؤكد ـ كل يوم ـ أن الإسلام الذي جاء محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ هو الأقوم قبلا، والأهدى سبيلا، والأرشد دليلا، وأن في هذا الزمان "قد أصبح الكفر مستحيلا" كما يقول العالم الفرنسي كلود تراسمونتان (2)، وأن من لا يؤمن بالإسلام (قرآن ـ محمد) في هذا الزمان الذي تبين فيه الرشد من الغي هو بلسان إخواننا الأمازيغ: "آغيول"، وأنه ممن ينطبق عليه قوله تعالى: ».. وجحدوا بها واستيْقَنَتها أنفسهم ظلما وعلوّا« (النمل: 14).
بقي أن يعرف من لم يعرف أن كتاب "محمد صلى الله عليه وسلم ـ نبي لزماننا" هو لأستاذة إنجليزية، عملت مدرسة للأدب الإنجليزي في جامعة لندن، وقدمت برامج عن القديس بولس في القناة الرابعة البريطانية، وكرّمت من عدة جامعات، وهيآت، وجمعيات.. وأنها قد ترهبنت من سنة 1962 إلى سنة 1969، ثم تركت الرّهبنة لأنها تُنافي فطرة الله التي فطر الناس عليها، وتعاكس صبغة الله التي صبغ البشر عليها، وهي تعيش الآن في لندن.
وقد ألفت مؤلفة هذا الكتاب ـ واسمها كارين أرمسترونج ـ (Karen Armstrong) كثيرا من الكتب منها: (المسيحي الأول، عمن يسمونه القديس بولس، والحرب المقدسة (الصليبية)، والقدس، نهاية الصمت، وهو عن النساء والكهنوت، ومحمد (صلى الله عليه وسلم)، والإسلام (تاريخ موجز)، وقصة الكتاب المقدس..).
لقد وددت لو أن المسئولين عن القضايا الدينية والثقافية في الجزائر وجّهوا دعوة إلى هذه الكاتبة لزيارة الجزائر لإلقاء محاضرات وعقد لقاءات مع المثقفين الجزائريين، خاصة منهم أولئك الذين مايزالون في ريبهم يترددون، وفي غيّهم يعمهون، وبحقائق الإسلام يجحدون وأدعو بعض هؤلاء المسئولين أن يُقلعوا عن السّفه بتبديد مال الشعب الجزائري - المبتلى بهم - في دعوة أولئك العراة، والحُمُر المستنفرة باسم الثقافة والفن.
وتحية بمناسبة المولد النبوي الشريف إلى كارين أرمسترونج التي كان لها من الشجاعة الأدبية ما جعلها تتحرر من التعصب الصليبي الذي نشئت عليه لتصدع بالحقيقة وهي أن المبادئ والقيم التي جاء بها محمد - صلى الله عليه وسلم - صالحة لزماننا ولما يستقبل من زمان، وأنه "الإنسان الكامل أو النموذج الإنساني"، و"أن الإسلام لن يختفي ولن يخبو". (4)، وهو - أي الإسلام - " لهو الرأي الذي سنقر به نحن جميعا، إن عاجلا أو آجلا"، كما أكد المفكر الألماني جوته، (5)، لأن "الإسلام رمز الأمل" (6) كما يؤكد القسيس السويسري هانس كونج، ف "إلى محمد أيتها الإنسانية" (7) التي أذلك حكامُك المستبدون وأضلك "هداتُك" المستغلون.
تهميش:
1) عنوان كتاب للمسلم الألماني مراد هوفمان.
2) مجلة العربي.ع 433: ديسمبر 1994. ص 185.
3 - 4) كارين أرمسترونج: محمد.. ص: 388 و ص : 393.
5) كاثرينا ممسين: جوته والإسلام.
6) "الإسلام رمز الأمل" هو عنوان للقس السويسري هانس كونج.
7) عنوان مقال للإمام ابن باديس: آثاره ج 2. ص 304.
عن جريدة الشّروق اليومي الجزائريّة / الأحد 5 فيفري 2012 ميلادي الموافق لـ 11 شهر ربيع الأول 1433 هجري.
تعليقات
إرسال تعليق