/ كريتوس؛ عندما ينتحرُ الأطفال في الجزائر؟!!..

القائمة الرئيسية

الصفحات

كريتوس؛ عندما ينتحرُ الأطفال في الجزائر؟!!..







انتحار الأطفال في الجزائر.. اللغز المحيّر!!!

كريتوس؛ عندما ينتحرُ الأطفال في الجزائر؟!!..

 قلم: أحمد بلقمري

يقول المحلّل النفساني الشّهير مصطفى صفوان في مقال له بعنوان"شخصيّة الجانح في ضوء النّظريّات التّحليلية النّفسيّة"[i]: « الطّفل الإنساني يولد قبل أن يُتمّ نضوجا، يولد و هو يعدم كلّ قدرة على التوافق مع الطبيعة تمكّنه من الإبقاء على نفسه في أحضانها». لا شكّ أنّ أهمّ مشكلة تواجهنا إذا ما أردنا فهم ظاهرة معيّنة هو التّحقق من مصدر المعلومة، و محاولة الحصول على أكبر قدر من المعلومات للإحاطة بالموضوع بشكل يسمح لنا بوضع الأمور في نصابها، و محاولة إيجاد التفسيرات اللاّزمة للحكم على المواقف و الاستجابات كما كانت في الواقع، و هكذا نكون على الأقل اقتربنا من الحقيقة، إن لم نكن قد أصبناها فعلا. إنّ خبر انتحار ثلاثة أطفال في الجزائر في نفس التوقيت، و في نفس المنطقة تقريبا يجعلنا نتساءل عن الأسباب الخفيّة لذلك، عن الدّوافع الكامنة وراء هذا الفعل اللّغز، و هذه الحقيقة الغائبة المستترة؟.

عندما يقتل طفل في الحادية عشر نفسه، و ينهي حياته بشكل تراجيدي؛ و عندما يقرّر الأطفال توجيه العدوان و العنف نحو الذّات، و وضع حدّ لحيواتهم على طريقة الكبار فهذا أمر يدعو للقلق فعلا، و يثير علامات استفهام كبيرة بخصوص هذه الاستجابات وفقا لمواقف معيّنة. من خلال مختلف التقارير الصحفيّة التي طالعناها نجد أنّ سبب انتحار الأطفال الثلاثة كان مردّه لمشاهدتهم فيلما كرتونيّا يصف عمليّة انتحار طفل صغير باستخدام حبل ليعود بعد ذلك إلى الحياة بسعادة، بعدها يعود الطّفل إلى أقرانه؛ كأنّها أسطورة كريتوس تعود على مسرح الحياة مجدّدا، و يكأنّه كريتوس يتسلّق الجبل عازما على الانتحار، مُحرّرا نفسه من الذّكريات و الأوهام و الكوابيس. كأنّنا نرى أطفالنا يقفون مثل كريتوس على قمّة الجبل، فاقدا الأمل، يشعر بالنّقص و العجز عن التوافق، واثقا أنّ بينه و بين الطّبيعة بون كبير و مسافة لا تنحسر. يرمي بنفسه من فوق الجبل، و أثناء سقوطه يشعر بقوّة ما تجذبه إلى الوراء، إلى الحياة من جديد. كأنّها مخطّطات الآلهة لكريتوس بدل المخططات التاريخيّة المتعلّقة بالتوتّر و التّهديد التّي استمدها من البيئة التي يحتلها أريس. لطالما عانى الطفل المنتحر من تشوّه قيميّ كبير، حيث سيطر الخلط و الوهم على انفعالاته، و ضغط على أفكاره، و لنضرب على ذلك مثالا عن علاقة الطّفل بربّه، حيث هناك خلل كبير في هذه العلاقة التي لم تنضج بعد، خاصّة و أنّ مفهوم التديّن لدى الطّفل يشوبه غموض كبير و يتراوح بين الشّك و اليقين، لذلك فإنّ اعتقاد الطفل المنتحر بأنّه سيعود للحياة يجعله يثق كما كريتوس أنّه الرّجل الذّي لا ينبغي أن يموت لأنّ الآلهة تحبّه، كيف لا و هو الذّي قدّم لها خدمات جليلة(خلّص البشريّة من شرور آريس). الطّفل المجرّد من الأنا الأعلى و المحكوم بغرائزه يطوّر مخطّطات تاريخيّة تتم معالجتها بطريقة مرضيّة تؤدّي إلى ميل العدوان اتّجاه الذّات و الآخرين على حدّ سواء. من المؤكد أنّ الأطفال الذّين انتحروا قاموا بتوجيه إشارات بالتّهديد العنيف، قاوموا مثل كريتوس، رفضوا ترسيخ العبوديّة لآريس، و انتفضوا على المواقف الضاغطة و غير المحتملة، لكنّها مجرّد اندفاعات و استجابات تخبّئ وراءها أنا ضعيفة غير قادرة على إحداث التوافق، و انغلاقا في الأفكار يشبه ما نراه لدى الإنسان البدائي.

هناك الكثير من العلامات التي قد تساعدنا على تقديم قراءة جيّدة لهذه الأفعال، أقصد تلك المتعلّقة بمشاهدة التلفزيون و تأثير ذلك على سلوك هؤلاء الأطفال الذّين من المؤكّد أنّهم أظهروا انفعالات أكثر سلبية و عنفا كلّما شاهدوا فيلما معيّنا، لكن للأسف لم ينتبه لذلك أحد. هناك أيضا انتشار ظاهرة الانتحار في منطقة تيزي وزو أين تحتل المرتبة الأولى على المستوى الوطني تليها مباشرة بجاية التي أشار تقرير حديث للحماية المدنية أن عدد المنتحرين بها فاق الثلاثين فردا من أصل مائتين و سبع و ستين حالة انتحار في الجزائر. الشيء الذّي يجعلنا ندقّ ناقوس الخطر، و نؤكّد على ضرورة القيام بدراسات أنثربولوجيّة تحليلية و سوسيو ثقافية عميقة للوقوف على أسباب انتشار هذه الظاهرة ليس في منطقة القبائل فقط و إنّما في عموم الجزائر، حتّى نستطيع وضع الميكانيزمات الضرورية لكبح انتشارها و الحدّ من تفاقمها و لم لا القضاء عليها نهائيّا.



[i] مصطفى صفوان. مجلّة الصحة النفسيّة. العدد الأوّل. السنة الأولى، أعيد نشرها في مصطفى زيور، في ذكرى العالم و الفنّان و الإنسان، سلسلة معهد اللّغة و الحضارة، باريس )فرنسا) 1997
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع