/ محمّد بوطغّان الشّاعِرُ المترجمُ و لحظة سُلْطَةُ الحرف

القائمة الرئيسية

الصفحات

محمّد بوطغّان الشّاعِرُ المترجمُ و لحظة سُلْطَةُ الحرف


محمّد بوطغّان الشّاعِرُ المترجمُ و لحظة سُلْطَةُ الحرف
غلاف الرواية المترجمة
قراءة في ترجمة رواية أقنعة الرّوح لبار لاجيركفيست
يقول جاك لاكان في كتابه الكتابات ضمن نصّه الموسوم "سلطة الحرف ضمن اللاّوعي": « إذا قلت إنّ اللاّوعي هو خطاب الآخر باستعمالي لحرف آ، فذلك للإشارة إلى الماوراء الذّي يرتبط فيه الاعتراف بالرغبة في الاعتراف. و بتعبير آخر، فإنّ هذا الآخر هو ذاك الآخر الذّي يستدعيه حتّى كذبي باعتباره ضامنا للحقيقة التي يبقى فيها»[i]،
هذا ما تبادر إلى ذهني و أنا أتابع حديث الشّاعر و المترجم محمّد بوطغان في ندوة تقديم كتابه: "أقنعة الرّوح" للأديب العالمي بار لاجيركفيست الحائز على نوبل للآداب سنة 1951. يقول الأستاذ بوطغّان: «عندما قرأت النّص لأوّل مرّة أبهرتني جماليات الكتابة الرّوائيّة القصصيّة السّرديّة كما ذهبت بعيدا مع السّؤال المحوري الجوهري الذّي تطرحه الرّواية، و وجدتني أقوم بمحاولة مقاربة عوالم الرّوائي بار لاجيركفيست؛ بار شاعر أيضا و قد حاولت الحفاظ على بنيته السّرديّة في الرّواية كما هي دون أن أترجم ترجمة حرفية ميكانيكيّة حتّى لا يغيب النّبض الرّوائي الجمالي الإبداعي من خلال نصّه؛ حاولت في ترجمتي لنصّ لاجيركفيست أن أحافظ على لغتي العربيّة سليمة من الأخطاء إن على المستوى التركيبي أو على المستوى المفاهيمي، و إنّني أزعم و أعتقد بنرجسيّة الشّاعر و المترجم أنّني قاربت عالم صاحب النّص الأصلي»؛ هكذا يقع المترجم محمّد بوطغاّن رهينة سُلطة الحرف ضمن اللاّوعي أين تحضر الذّات المُتَرْجِمَة كأنّها ذات ناطقة بالملفوظ الأوّل(النّص الأصلي). هنا يقف المترجم خاضعا للذّاتية أمام المبهمات و الكلمات الحاملة للمعاني التّي تضمنّها النّص الأصلي، فهل استطاع بوطغّان أن يتجاوز كلّ هذه الأمور مجتمعة في ترجماته المختلفة لنصوص عديدة(سُلطة الحرف)؟، و هل استطاع محمّد بوطغان أن يقهر رغبة الشّاعر فيه أمام رغبة المترجم، و أن يقهر في نفس الوقت رغبة المُترجم الشّاعر أمام رغبة الآخر(صاحب النّص الأصلي)؟. 

الخلفيّات المُحدّدة للتّرجمة..
الأستاذ الشّاعر المترجم محمّد بوطغّان من مواليد 1960 بالمهير، ولاية برج بوعريريج، الجزائر.  صدر له عن منشورات سنة الجزائر بفرنسا ديوانا شعريّا موسوما ب"تُهمة الماء"، و عن منشورات المكتبة الوطنية الجزائريّة مجموعة كتب مترجمة نذكر منها: شموس يحيى الوهراني لجان سيناك، أهل العطر لأمين الزاوي، الآغاد الحالمة لماكسيم نديبيكا، و منتخبات لديكون و سيباستيانا و سوينكا، كما يحتفظ بمخطوط شعري بعنوان: فجائع كائن النّص إضافة إلى مخطوطات لترجمات مختلفة لم تر النّور بعد. محمّد بوطغّان هو الشّاعر المترجم و المترجم الشّاعر الذي يقول عن تجربة ترجمته لرواية أقنعة الّروح:" هي رواية حالة بامتياز، و قد أبهرتني متعتها الفنيّة الفريدة و جماليّة تراكيبها و بناءات فضاءاتها و شخصيّاتها و أحداثها، و هو ما جعلني أحاول نقل ما أمكن منها للمتلقّين. عالم هذه الرّواية قريب من العوالم الصّوفيّة حيث تقيم الأرواح و كلّ شيء هناك يبدو كاملا، جميلا و سام على غير ما هو هنا. هناك كائنات لا نستطيع تمثّلها إلاّ ناقصة و لا نملك حيالها حدسا جزئيّا بحياة أخرى ثانية تحياها.. هناك وجود يتجاوز عالم الواقع السّفلي، و وحده الكمال يسود عندها. أينما اتّجهنا تنبهر أعيننا. هكذا هي بلاد الرّوح؛ بلادها الحقيقيّة.. و في هذه البلاد عرس مقنع مستديم و حفل مستمر."
المفاهيم السيميائيّة و أثرها في ترجمة بوطغّان
يتحدّث المترجم بوطغّان عن الخلفيّة الأنطولوجيّة و الإبستيمولوجيّة للسّؤال في الرّوايات و النّصوص المسرحيّة التي ترجمها بما في ذلك رواية أقنعة الرّوح لبار لاجيركفيست فيقول:" ما شدّني و وجدتني أتماهى مع ما يطرحه هذا العمل و أعمال أخرى، هو أنّني و دون اختيار طوعي منّي وجدتني أحاول أن أنقل و أترجم النّص ظنّا منّي بأنّني أشرك هذا المتلّقي (الذي لا يحسن اللّغة الفرنسيّة و لا يحسن المطالعة بها) في الجمالية و ما يأسرني أنا، اعتقادا منّي بأنّ المتلقّي شريك لي بشكل أو بآخر. فمثلا عندما ترجمت لسيناك لم أكن مطّلعا على أدبه بما يكفي، و بالصّدفة اكتشفت كاتبا يتحدّث عن جزائريّته المبيّتة في كوامنه، فسارعت لإنجاز جسر يساعد على الرّبط بين إنتاج و تلقّي النّص عند سيناك." إذن هناك أثر كبير للّسان و اللّغة و الكلام في تحديد الرّغبة في الترجمة، بل هناك ضغط و توتّر يدفع نحو فعل الترجمة انطلاقا من رغبة الأنا و وصولا إلى رغبة الآخر الذي لن يكون سوى صاحب النّص الأصلي من جهة و متلقّي النّص من جهة أخرى. هناك أيضا مسألة العالم/ الفكر/ اللّغة التّي تحثّ على فعل الترجمة ضمن اللاّوعي فيقرّر المترجم بوطغّان أن يقوم بفعل التّرجمة حتّى يشبع الرّغبة الكامنة فيه.
إذن يحاول المترجم دائما أن يتماهى و التصّورات و حالة الأشياء في النّصوص التي يترجمها انطلاقا من التفكير في الموضوعات و الحالات النفسيّة التي تتوفّر في لغة النّصوص المترجمة بغية التعبير عن فكر المُتَرْجِم ذاته؛ هنا يتجلّى دور اللّغة كأداة و وسيلة خارجة عن الفكر(فكر المُترجِم)، كما تبرز سُلطة الحرف لديه ضمن اللاّوعي(المُترجم يبحث و يستعمل اللّغة-فعل الترجمة- للتعبير عن نفسه و ليكون معروفا أيضا على الأقل لدى المجتمع الذّي يُترجم له من خلال نص له حظّه من الشّهرة).




[i] الكتابات. المجلد الأول ، ص 284
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع