/ مصرُ ما بعد 30 يونيو؛ معركة ضدّ الأصوليّة أم معركةٌ تكتيكيّة للاستيلاء على الحُكم؟.

القائمة الرئيسية

الصفحات

مصرُ ما بعد 30 يونيو؛ معركة ضدّ الأصوليّة أم معركةٌ تكتيكيّة للاستيلاء على الحُكم؟.

مصرُ ما بعد 30 يونيو؛ معركة ضدّ الأصوليّة أم معركةٌ تكتيكيّة للاستيلاء على الحُكم؟.
قلم: أحمد بلقمري
مصر، إلى أين؟

تقول قاعدة مهمّة في علم النّفس السّياسي:" لكي يكون النّاس مقبولين للمشاركة في أيّة علاقة، أو جماعة أو مؤسّسة، على النّاس أن يبيّنوا أنّهم ملتزمون بالقواعد المكوّنة لأشكالها الأساسيّة في التّعامل." إذن الالتزام بقواعد التّعامل يدفع نحو القبول و التّوافق و التّماسك، و لا يعرّض القواعد المكوّنة للثّقافة لأيّة انتهاكات تذكر، بينما يحدث تجاوز القواعد و الانحراف في البنى العلائقيّة ردود فعل عنيفة، عدائيّة ناتجة عن حالة الفوضى النّاتجة عن حالة عدم الالتزام، هذا ما نراه بالفعل في المشهد السّياسي المصري المتأزّم في غياب عدم الالتزام من جميع الأطراف، و في غياب حلّ سلميّ للصّراع؟.
تحدّث حكّام مصر الجُدد ما بعد 30 يونيو عن العدالة الانتقاليّة، و لو كانت الأمور كذلك لما كانت على هذا القدر من المأساويّة، حيث نزعت ممارساتهم نحو العقاب الجماعي و أسّست بذلك لمفهوم العدالة العقابية، تلك القائمة على معاقبة أناس غير مسئولين البتّة عن أعمال العنف و العدوان.

نعم، لقد أقرّوا فهما جديدا للظّلم، و في نفس الوقت طالبوا معارضيهم بقبول الأمر الواقع و اعترافهم بالسّلطة الجديدة دون أيّ ردّ فعل سلوكي-جماعي اتّجاه ما وقع عليهم من ظلم. إنّ الهجمات التّي وقعت على الاعتصام السّلمي أمام الحرس الجمهوري و المنصّة و رابعة العدويّة و ميدان رمسيس، و الاعتداء غير المبرّر على المساجد من طرف قوّات الجيش و الشّرطة المصريّين، و تعالي كثير من رجال "الأنتلنجنسيا" من المثقّفين والمفكّرين و رجال الإعلام و السّياسة اتّجاه الإسلاميّين أوقعهم في فخّ الأحداث السّياسيّة المتلاحقة، و أفقدهم القدرة على التّركيز و قبول الآخر كما هو، و الجلوس معه على طاولة المفاوضات على اعتباره شريكا في الوطن.

إنّ عدم احترام الآخر، و اعتباره أقلّ شرفا و كرامة خلق هوّة سحيقة بين مكوّنات المجتمع الواحد، وغذّى العنف على نحو غير مسبوق، سيطيل الأزمة و يعرقل أيّ خطوة على طريق حلّ الصّراع الذّي يعتبر سياسيّا بالأساس. إنّ الجرائم التّي ارتكبها حكّام البلد في حقّ معارضيهم بحجّة حماية الأمن القومي، و التخندق لردّ أيّ عدوان داخلي أو خارجي، و الاضطلاع بالمسئوليّات التاريخيّة المنوطة بمؤسستي الشّرطة و الجيش، لا يبرّر القمع الممارس تجاه الشّعب بأيّ شكل من الأشكال، بل إنّ قلب نظام الحكم و الاستيلاء على السّلطة و الانحياز إلى جماعة على حساب أخرى لم يزد الأمور إلاّ سوءا، خاصّة و أنّ حدّة الانقسام صارت تهدّد كيان المجتمع التّعدّدي الذّي طالما تعايش في مصر منذ آلاف السّنين.

        يرفض الإسلاميّون في مصر اليوم أو بالأحرى تحالف دعم الشّرعية و أنصاره أيّ موقف من الآخر المعتدي طالما أنّه تورّط في دمائهم (التّي هي دماء مصريّين في النّهاية)، بل يجدون أنفسهم في حالة غير قابلة للتّصالح، فهم يشعرون بأنّهم ممزّقين، وفي حالة سخط كبير بعدما تمّ انتهاك حقوقهم الأساسيّة و أوّلها الحق في الحياة. إنّ مثل هذا الشّعور يهدّد بنى النّظام الاجتماعي و يمهّد لظهور الخطاب المتطرّف، وانفجار العنف؛ لذلك يبدو صنّاع القرار في وضع لا يحسدون عليه لمجابهة هذا الخطر، و ما لجوئهم للإخفاء و التّعتيم و تجنّب اتّخاذ القرار وإصرارهم على الدّيماغوجيّة لتسويق مشروعهم سوى سياسة هروب إلى الأمام في ظلّ رفض المجتمع الدّولي لما يجري على الأرض من تطوّرات سلبيّة في الموقف السّياسي.

        ثمّة سبب جدير بالذّكر يجعل الأغلبيّة الغالبة من المصريّين تفقد الثّقة شيئا فشيئا في صنّاع القرار الحاليّين، و تشعر بخداعهم بمرور الوقت، فهؤلاء بالنّسبة لهم يقومون بأعمال غير أخلاقيّة، يصدّرون الوهم للنّاس(دعاوى الاتّحاد و نبذ الفرقة)، و يقبضون ثمنه مزيدا من الامتيازات و الأموال، بل و يضيّعون فرصا بالجملة لحقن الدّماء، و احتواء الصّراع الذّي يدركون جيّدا أنّه لا غالب فيه.

        إنّ على السّياسيّين في مصر على اختلاف توجّهاتهم بما في ذلك الإسلاميّين أن يعترفوا بأخطائهم القاتلة و السّالبة لحقوق غيرهم، بل عليهم أن يعترفوا بحجم انتهاك الالتزامات و الواجبات، كما على النخبويّين" الأنتلجنسيا " أن يكفّوا عن الشّك في قدرة المواطنين البسطاء على القيام بمهامهم المواطناتيّة الدّيمقراطيّة، و قبل هذا و ذاك على الجيش أن يدرك أنّ تصالح الأفكار يقوم على القيم الأخلاقيّة، و ليس على الرّدع و الاستبداد و الوقوف ضدّ أيّة أرضيّة مشتركة للنّقاش، تمكّن من تطوير الإجماع في الرّأي حول الحلّ السّلمي، كما عليه أن ينسحب من المشهد السّياسي إلى حدود البلاد مدافعا عن الوحدة التّرابية و السّيادة. 
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع