اللّغة الواحدة .. 1
اللّغة المشتركة هي لغة الإنسان ببساطة |
كثيرا ما نجد أنفسنا متضايقين، كثيرا ما تلفنا مسحة من الحزن ونحاول عبثا إظهار وجه آخر أكثر مرحا وتفاعلا مع الآخرين لكن في النهاية يبقى الألم يعتصر قلوبنا، و يبقى السر بداخلنا يؤرقنا، فلا أحد يعلم ما بداخلنا سوى الله الذي خلق النفس وسوّاها، قد نحب فجأة ونكره فجأة، قد نفرح فجأة أو نحزن فجأة، قد نشعر بالانتعاش النفسي أو قد نحس بالانكسار النفسي، قد نحب الحياة وقد نكرهها، فكيف لنا أن نفسّر هذه الحالة و من باستطاعته تقديم جواب كاف لنا حتى نتخلص من هذه الحالة المتعبة المرهقة؟.. قبل أن نجيب على هذا السؤال المقلق، سنقدم ملاحظة أخرى أكثر أهمية إنها تلك المتعلقة بشعورنا بالمرح في بعض المرات و الأمكنة حيث نزهو فجأة ونحس بعدم التضايق، وتذهب عنا مسحة الحزن فجأة وننطلق في الحياة كما لو أنه لم يحدث شيء..
الجواب أن هذه الحالة ليست بالغريبة أو المقلقة، فهي حالة عادية طبيعية ترجع لظروف تربيتنا أثناء الطفولة، حيث نتأثر بالأجواء السائدة في العائلة أو المحيط، ونضرب هنا مثلا لطفل نشأ وعاش في جو من النقد فيتجه لذم الناس في كبره، وطفل نشأ في جو من التعاون فتعلّم المشاركة، وطفل نشأ على البخل فتعلم الأنانية وهكذا..إذن ينشأ الطفل على ما تربى عليه، وعندما يكبر يبدأ في اختبار ما تعلّمه من قيم و عادات فيشعر بأنه أمام مشكلة حقيقية وعليه أن يجد الحلول الأنسب و الأصلح لمشكلاته..
إننا نجرب كل الأساليب لكن رغم ذلك تبقى مسحة الحزن بادية على وجوهنا، فلماذا يا ترى؟..الجواب: نحن نفتقد للغة المشتركة، و اللغة المشتركة هي اللغة التي تجعل الإنسان يكسر القيود التي تقيده، ويبحث عن الشريك الذي يفكر مثله، يشعر مثله، يقلق مثله، يفرح مثله، يحزن مثله، يتكلم مثله، وهنا تجد الفرد عندما يكون في جماعة يختار من بين كل الأفراد الآخرين شخصا واحدا يتفق معه، فتجده يتفحص الوجوه باحثا عن مثيله، حتى مثيله تجده يبحث عنه، وبمجرد أن يلتقيان تجدهما يستبشران، ويبدآن في الحديث دون كلل أو ملل، تجدهما ينتعشان فجأة لأنهما يستمدان الطاقة الانفعالية من بعضهما البعض، و هذه غريزة أودعها الله سبحانه وتعالى في عباده، وتبقى سرا من أسراره ومعجزاته التي لا تلمس باليدين، بل ترى بعيون العقول و القلوب..وسبحان فالق الحب و النوى قد يكون المثيل الذي يتحدث مع مثيله الآخر اللغة الواحدة ليس الأب أو الأم بالضرورة، فقد يكون شخصا لا نعرفه لكننا عندما نحس بأنه يشبهنا، نهرع إليه و يتجه هو الآخر نحونا ، و بعد الحديث باللغة الواحدة المشتركة نتمنى في الأخير أن نبقى بقرب بعضنا البعض مدى الحياة، هذه الحالة هي حالة حب بعيدا عن الأعين، حالة ارتياح بعيدا عن المضايقة، حالة سعادة كامنة كاملة، حالة طفولة وعودة للطفولة، حالة مداواة وعلاج طفولة بأخرى ..
( يتبع )
( يتبع )
قلم : أحمد بلقمري
تعليقات
إرسال تعليق