/ البطلة لالا فاطمة نسومر

القائمة الرئيسية

الصفحات

البطلة لالا فاطمة نسُومر

الدّكتور سعيد عيادي يصرّح في برنامج أعلام في الذاكرة بإذاعة برج بوعريريج الجهوية

الرّوايات الفرنسية أساءت للبطلة نسومر وعلينا إعادة كتابة التاريخ بأقلام جزائرية..

من منا لم يسمع بأسطورة المقاومة والكفاح البطلة لالا فاطمة نسومر، أشهر النساء الجزائريات في النضال والصمود، قهرت الاحتلال الفرنسي الغاشم وواجهت أعتى قوة عسكرية، فالمرأة البربرية التي تعود إلى أصول قبائلية لا تزال حية في قلب كل جزائري، يلقبها البعض بالمرأة الفولاذية، أما الاستعمار الفرنسي فأطلق عليها على لسان المؤرخ الفرنسي " لوي ماسينيون " اسم "جان دارك جرجرة " لكنها رفضت أن يطلق عليها هذا الاسم فاختارت بدله " خولة جرجرة "، و هي امرأة ولدت عام 1830 في كنف عائلة تنتمي إلى الطريقة الرحمانية في عرش " آث ورجة "، و نشأت نشأة دينية فتفقهت في أمور دينها ودنياها وتشبعت بمبادئ الدين الإسلامي الحنيف، واستطاعت أن تقود أشهر المعارك ضد المستعمر الفرنسي..
أشار الدكتور الخبير سعيد عيادي المختص في علم الاجتماع المعرفي على أمواج إذاعة برج بوعريريج ، أن مقاومة القائدة البطلة لالا فاطمة نسومر لم تكن تعبر عن وجود تيار ثوري محلي فحسب بل كانت تمثل تيارا ثوريا جغرافيا ممتدا في الجزائر خارج منطقة الإقامة، وحسب الدكتور عيادي ففاطمة نسومر كانت تنتمي إلى بيت علم شريف وإلى عرش " آث ورجة "، وهو من العروش التي كانت قد نبتت تاريخيا في جانبها المعرفي التاريخي ضمن ما يسمى بمدرسة "سيدي يحي العيدلي" و"سيدي عبد الرحمان الثعالبي" وصولا في نهاية المطاف إلى سيدي "عبد الرحمان الجرجري" الذي أسس ما يسمى بالطريقة الرحمانية، حيث كان أغلب سكان منطقة المدية و البرواقية ووزرة آنذاك من أتباع هذه الطريقة والمدرسة التي تحمل علما ومعرفة وصورة دقيقة عن هوية المجتمع الجزائري، كما أوضح المتحدث أن فرنسا لما أحست بصلابة وشجاعة لالا فاطمة نسومر أنشأت هيئة استخباراتية فرنسية لمراقبتها وتقفي آثارها..


ولما تنقلت لالا فاطمة نسومر نحو منطقة وزرة والتيطري تمت مضايقتها من طرف أحد أكبر ضباط الاستخبارات الفرنسية آنذاك ويسمى الكابيتان" قرييار" حيث أعد هذا الأخير تقريرا قويا جدا عن السيدة فاطمة نسومر التي كانت قد أعلنت ثورتها وقادت الجيوش في سن 24 سنة، وكانت قد اكتسبت الخبرة مع فيالق وفروع القائد أحمد بوبغلة، وبالتالي أدى هذا الأمر في نهاية المطاف إلى صقل مواهبها الفكرية والمعرفية والقتالية، الشيء الذي أعطى لها نوعا من " الكاريزما " التي سهلت لها القبول الواسع والترحاب والانجذاب من مختلف القوى المقاتلة في الجزائر، و التي سارت خلفها وحققت معها انتصارات كبيرة جدا أقلقت بالفعل السلطات الفرنسية، كما أشار الباحث أن أكثر الذين عبروا عن هذا القلق هم من الكتاب الفرنسيين الذين أشاروا إلى الدور الكبير الذي لعبته هذه المرأة الرحمانية التي تتصف بعدة خصائص جعلت منها قائدة وبطلة كبيرة أولها أنها استطاعت الحفاظ على الأصل الشريف في تبني الخط التاريخي للمقاومة الجزائرية، فلو عدنا إلى منطقة القبائل نجد الأصول القديمة تعود إلى " آث عباس" و" آث غبرين" و" آث ورجه "، وكلهم لعبوا أدوارا تاريخية كبيرة في هذا المجال، كما أن مستوى المعرفة التي تلقتها هذه السيدة قبل أن تتحول إلى قائدة عسكرية تشبعت بعلوم أولئك المشايخ الذين ينتمون الى هذه المدرسة القديمة، وهي مدرسة " سيدي يحي العيدلي " عبر مؤلفات وكتب وخاصة تلامذة هذا الشيخ، بالإضافة الى قدرة فاطمة نسومر على الإقناع، وهي صفة من صفات القائد الناجح ومن سمات القيادة، حيث كانت تجذب نحوها آراء الذين يستمعون إليها، وبالتالي يقتنعون بأطروحاتها فيسيرون خلفها، كما تميزت بمعرفتها الدقيقة لمكونات المستعمر فالمرأة كانت تعي أخلاقياته وسياساته، ونشاطه الديني، خاصة وأن المنطقة كانت تشهد وجودا قويا للآلة المسيحية، حيث كانت لالا فاطمة تعيش بوعي كبير يقتضي ضرورة الحفاظ على دور الرحمانية والتمسك بهذه الأصول الدينية في الجزائر، كما اتسمت بقدرتها القوية على استيعاب كل خصائص البنية القبلية لمكونات الشعب الجزائري والقدرة على التعامل والتفاعل معها حتى تشكلت كلها في قالب واحد، فاستطاعت بذلك أن تذيب كل الجهويات والجغرافيات، والانتماءات، وحولتها إلى فرد واحد، رجل واحد، و إنسان يعتقد بأن للجزائر هوية واحدة مشتركة تلم كل الأطياف والأطراف. وعند الحديث عن منطقة القبائل نجد أن الاستعمار الفرنسي حاول نزع صفة الثورية الوطنية عن هذه المنطقة بشتى الوسائل وأن يصبغ عليها صبغة الثورة العقارية، وهذا ما نجده خاصة في كتاب " ألكسندر دوما " الذي كتب كثيرا عن الثورة في منطقة القبائل، وكان يقول أن الثورات في هذه المنطقة و حتى في برج بوعريريج مع الشيخ المقراني بمجانة وغيرها لم تكن في نهاية المطاف سوى " ثورات عقارية "، بمعنى القتال من أجل استرجاع الأرض المسلوبة، وهذا خطأ تاريخي يطرحه هذا الكاتب، فالقائدة لالا فاطمة نسومر خاضت معاركها الأولى في منطقة القبائل في ناحية " آث عباس و آث ورجة " قبل أن تنتقل فيما بعد إلى مناطق أخرى، وكانت حاجة القبائل على مستوى منطقة الثعالبة تشهد حضورا ثوريا كبيرا، وبالتالي فإن أشهر المعارك التي قادتها بعد منطقة وادي الزيتون بناحية وزرة، وهي المعركة التي خلدتها كبطلة شهيرة وقوية جدا أدت في نهاية المطاف بسكان منطقة وزرة و البرواقية إلى التمسك بها كقائدة والانضواء تحت لوائها.. وكانت في نفس الوقت تحقق وحدة جزائرية تحت هذا اللواء الرحماني الثوري، ومن ناحية ثانية كانت تجعل الجزائريين ينتبهون إلى القيمة الحقيقية والصوفية الدقيقة التي كانت تتمتع بها المدرسة الرحمانية حيث تمكنت لالا نسومر من تصحيح تلك الصورة السيئة التي كان ورائها ضباط فرنسيون كانوا يروجون عنها أفكارا سيئة بهدف الإساءة لسمعتها.. كما تطرق الدكتور عيادي إلى وجود بعض الكتب التي تسعى إلى تشويه التاريخ منها ما ذهب إليه بعض المؤرخين، وهو أن الأمر الذي عطل الجزائر وجعل الفرنسيين يقومون بهذه الرحلة الحضارية إلى الجزائر إنما يعود إلى تلك الصولة الجاهلية والأسطورية التي فرضها الصوفيون في الجزائر، وهذا خطأ تاريخي.. وقد طالب الدكتور عيادي بإعادة الاعتبار إلى هذه البطلة المقاومة التي ساعدت على تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، وساعدت على لعب الطريقة الرحمانية دورا مهما وتاريخيا في تكوين المجتمع الجزائري.. و أوضح الدكتور عيادي أنه من غير الممكن ترك أيادي أخرى غير جزائرية تقوم بإعادة كتابة تاريخ هؤلاء الأبطال والرموز بصورة مشوهة " فللأسف الشديد نتألم للصورة التي تروجها الروايات الفرنسية عن السيرة الذاتية للسيدة لالا فاطمة نسومر، و بنفس الدرجة يساء فيها أيضا إلى البطلة الكاهنة التي تصور بصورة بعيدة عن حقيقتها "، لذا وجب تنبيه كل المؤرخين وكتاب السيناريو وأصحاب الأعمال الفنية أن يأخذوا في الحسبان العودة إلى المراجع والمصادر والكتابات التاريخية الأولى التي تعطي قراءة تاريخية أنثروبولوجية اجتماعية ودينية صحيحة، فلالا فاطمة أكبر من أن تكون فتاة تسقط في عشق أحمد بوبغلة، ولو كانت كذلك لما قادت ثورات شرسة ضد المستعمر الفرنسي الغاشم، هذا ما يستوجب منا إعادة قراءة تاريخ رموزنا وذلك بالابتعاد عن الصور العاطفية المارقة، كما أضاف عيادي قائلا بأنه يجب علينا كجزائريين في الوقت الراهن إدراج أبطالنا ضمن السياق الحقيقي البطولي العرفاني، حتى يمكننا أن نرد الاعتبار إليهم ونحفظ ذاكرتنا الجماعية من التشويه كممثلة لهذه الروح التاريخية للشعب الجزائري، و أشار محدثنا الى أن هناك بعض الروايات الفرنسية الخاطئة التي تذهب إلى القول بأن السيدة لالا فاطمة نسومر في آخر سنواتها وهن عظم الإيمان فيها ووقعت في حب أحمد بوبغلة، وهذا خطأ تاريخي يروجه المؤرخون الفرنسيون و هي أكاذيب لا أساس لها من الصحة.. وللأسف ظهرت هذه القصة في فيلم عذراء الجبل وهو غير مقبول تاريخيا لأنه أساء لهذه السيدة، فالمرأة كانت فقيهة محيطة بالمنبع العرفاني للطريقة الرحمانية، وكانت متشبعة بهذه المبادئ وتمثل إحدى أقطاب الطريقة الرحمانية وهو الشيخ عبد الرحمان الجرجري، وقد كانت متصوفة ليس فقط على مستوى الأوراد والأذكار فحسب، وإنما على مستوى البنية المعرفية التي تجعل الإنسان يتصوّر في شخص  لالا فاطمة نسومر هيئة أو مؤسسة تعمل على إشاعة البعد الثوري ضمن منطقه العرفاني الصوفي، وهو " أن الإنسان إذا أراد أن يتحرّر من ملكوت الحياة فعليه أن يستمسك بملكوت الله سبحانه وتعالى، ولا يتم ذلك إلا من خلال الاعتقاد في قوة الله "، وهو ما كانت فاطمة نسومر تبثه في أتباعها في سائر المناطق التي تحل بها..


قلم : جلال نايلي
أحمد بلقمري بتصرّف شديد                                             
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

6 تعليقات
إرسال تعليق
  1. السلام عليكم
    مدونة رائعة
    و الموضوع زادها رونقة
    مشكور أخي بارك الله فيك
    تحياتي

    ردحذف
  2. السلام عليكم
    بارك اللهفيكعلى هذا الموضوع من ذلك التاريخ
    هذا الموضوع ذا اهمية كبرى في توعيةالشعب الجزائري عن حقيقة ماضيه و خاصة ماضي اصالته، عرضه، شرفه، دينه ونسبه. لكن هذا لا يكفي كما ان الخطأ لا يكملل في المؤرخين الاجانب وانما الخطأ فينا اذ نحكم على الاشياء بدون ادنى فضول العودة الى الوراء لنطلق الحكم الصحيح.ثم انا شخصيا أفضل لا لا نسومر أو الكاهينة و غرهن من النساء الجزائريات المكافحات من الف شاب من اليوم الذي ياتي بالف حجة ليعفى من الخدمة العسكرية الوطنية...

    ردحذف
  3. والله فاطمة نسومر اشجع من الف رجل حاليا حان الوقت للعودة الى الرموز

    ردحذف
  4. أخي العزيز محمد بن علي
    يشرفني أن تتوشح مدونتي بتعليقاتك الثمينة..دمت اخا وصديقا

    ردحذف
  5. أختي الغالية حفيظة
    لقد حان الوقت لنعود إلى أنفسنا في لحظة مصارحة مع الذات، لقد آن أوان البناء في شتى الميادين، علينا أن نتجه نحو المستقبل متشبثين بثقافتنا وتاريخنا وتراثنا..
    شكرا على اهتمامك

    ردحذف
  6. أخي المداني
    صدقت أخي العزيز في وقت من الأوقات كانت المرأة تلعب دورا كبيرا في البناء الوطني، عليها أن تلعب نفس الدور ونحن مقبلين على ألفية ليس فيها مكان للضعفاء..ننتظر من المرأة الكثير في جزائر القرن الحادي و العشرين..
    شكرا على اهتمامك

    ردحذف

إرسال تعليق

التنقل السريع