أمراض الثقافة الجزائرية
قصة قصيدة : الحلقة 13
في الحقيقة قد تمكنّا في مؤتمر اتحاد الكتاب الذي انعقد في عام 1981 من زحزحة العناصر التقليدية التي كنا نسميها إذاك بالكتاب الشيوخ وصرنا نحن الشباب في اللجنة التنفيذية ولم يكن معنا إلا الشاعر محمد الأخضر السائحي الكبير المنتمي إلى الكتاب الشيوخ، الذي أسندت إليه مهمة التنظيم.
كان أملنا أن ندعم الحركة الأدبية الشابة ونعطيها الفرصة لكي تنمو بعيدا عن ضغوط وإقصاءات الشيوخ. وهكذا بدأنا في تسطير البرنامج العملي الخاص بالنشطات الثقافية والأدبية في مركز العاصمة وعلى مستوى الولايات وكذلك ما يتعلق بالعلاقات الخارجية مع اتحادات الكتاب في البلدان العربية، وفي بقية أصقاع العالم. فضلا عن قضايا النشر وحل المشكلات الاجتماعية للكتاب الجزائريين.
- لقد دهشنا كثيرا عندما لم نجد أي إرث من الأمانة السابقة في مجالات التنظيم والنشر، والعلاقات الخارجية، إذ يمكننا أن نقول أنه كان لزاما علينا أن نبدأ من الصفر تماما. لم نشهد ما كان يدعى بعملية التسليم والتسلم للمهام كما هو الأمر في تقاليد التنظيمات الثقافية والسياسية، وحتى الدبلوماسية. إلى جانب ذلك لم نجد إرثا ماليا يساعدنا على تغطية نفقات الندوات والمنشورات والوفود الزائرة أو الوفود التي كنا ننوي إرسالها إلى الخارج قصد ربط العلاقات الأدبية والثقافية مع اتحادات الكتاب في الخارج ومن أجل الاطلاع عن كثب على التطورات في الحقول المعرفية والأدبية. اشتغلنا كثيرا من أجل إعداد تصورات لعملنا رغم نقص التجربة باعتبارنا كنا في الغالب شبابا جاء معظمهم من الأرياف النائية. كانت الخلافات بيننا طفيفة وأغلبها شخصي، أما الهدف العام الذي هو إعطاء دفع جديد لاتحاد الكتاب كان جامعا مشتركا. هكذا أنشأنا مجلة الرؤية تحت إشراف السيد أحمد حمدي، وأسسنا مهرجان محمد العيد آل خليفة تحت إشراف السيد محمد صالح حرز الله، وكلاهما كان مسؤولا على قطاعه في النشر والنشاط الثقافي. بالنسبة لي لقد قمت أولا بإرسال الرسائل إلى اتحادات الكتاب في العالم دعوتها فيها للقاء المباشر لتبادل الوفود وتوقيع الاتفاقيات التي بموجبها نبدأ في تبادل الخبرات والتجارب في شتى المجالات ذات الصلة بعالم الأدب والفكر والثقافة. كان الأمين العام الدكتور العربي الزبيري إيجابيا باستمرار، حيث أنه لم يكن يتدخل في الصغيرة أو الكبيرة، واكتفى الرجل بإدارة عملية التنسيق وتوفير الدعم لأي نشاط. كان الدكتور العربي الزبيري مشغولا كثيرا بمهمته في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني التي كان عضوا إضافيا فيها ومستشارا خاصا لمسؤول أمانتها الدائمة السيد محمد شريف مساعدية. رغم ذلك، فقد كان حاضرا في الاجتماعات التي كنا نعقدها وفي أغلب النشاطات في الداخل والخارج التي كنا نمارسها. وهنا أستطيع القول بأننا طوال عهدتنا كنا ندور في النشاط التقليدي المتعارف عليه ولم نتجاوزه إلى تأسيس تقاليد فكرية وأدبية جديدة، ويعود هذا في رأيي الشخصي إلى غياب التصور في أذهاننا لما ينبغي أن يكون عليه مثل هذا المشروع. وبعبارة أخرى، فإن السائد عندنا في ذلك الوقت هو مجرد التنشيط الثقافي والأدبي على المستوى المحلي، واستقبال وإرسال الوفود على المستوى الخارجي، كما كان الأمر يحدث في شتى مؤسسات الدولة الجزائرية. لا بد من الاعتراف بأننا في تلك المرحلة لم نكن نملك مشروع بناء الحداثة في مجال الثقافة بشكل عام، إذ كان همنا محصورا في كتابة الشعر والقصة والرواية والنقد الأدبي على نحو شبه فطري. إن هذه الظاهرة لاتزال سائدة إلى يومنا هذا في إتحاد الكتاب عندنا مع الأسف، حيث لم يتأسس أي مشروع فكري أو ثقافي جديد وقادر على إحداث القطيعة مع المحتوى والشكل التقليديين في عمق الثقافة الوطنية بشكل عام وفي نطاق الأدب والفكر بشكل خاص. لا بد من الاعتراف أيضا بأن الفكرة السائدة إذاك كانت تتمثل في السبل الكفيلة في بناء الهوية الأدبية الجزائرية ذات الطابع الخاص، ولكن لم يتم العمل في هذا المجال بشكل منتظم ووفق منظور حداثي. لم يُصدر اتحاد الكتاب مجلة متخصصة في ترجمة الأدب العالمي الأكثر حداثة وتطورا لتكون فضاء يمكننا من الاستيعاب والتمثل والتوظيف. إلى جانب ذلك، فإننا لم نؤسس مجلات متخصصة في مجالات المسرح، والنقد، والقصة، والشعر، وغيرها من الحقول ذات العلاقة العضوية بالأدب مثل الفلسفة. على صعيد العلاقات الخارجية كان العمل في تقديري لا يتجاوز استقبال الوفود في مطار هواري بومدين واللقاء البرتوكولي معها، وتنظيم ندوات عفوية لم يخطط لها تخطيطا يؤدي إلى العمل الجدي لفهم ظاهرة ثقافية أو أدبية أو فكرية محددة وتطوير النقاش بخصوصها حتى تتجلى، وتدرك، ويؤسس التطوير لها. أريد هنا أن أشير إلى أن تلك الوفود التي زارت إتحادنا كانت تضم أدباء ومفكرين بارزين، غير أننا لم نستفد منها شيئا يذكر كأن نبحث معها قضية معينة في حقول المعرفة الأدبية والفكرية بحثا معمقا ونطلق الحوار بشأنها ونشر محتواه ومتابعة النقاش فيما بعد من أجل البلورة والتشييد النظري والتطبيقي. وهكذا صرت أدرك بعد فوات الأوان أن العمل الفكري والأدبي الذي لا يستند إلى مشروع متكامل ورؤية محددة لا يمكن أن يجدي نفعا. ومن ثمة فإن دعوة أديب أو مفكر مشهور لا تؤدي مباشرة إلى بناء ثقافة وطنية متطورة، لأن إنجاز هذا الفعل ينبغي أن يكون ذاتيا محضا دون أن يعني ذلك أن التفتح على التجارب الكبرى لا يؤثر في مثل هذه العملية. أعتقد أن الفكرة التي تقدم بها الدكتور محمد سعيدي الذي لم يكن إذاك عضوا في اللجنة المديرة أو الأمانة التنفيذية للإتحاد والمتمثلة في إنشاء "ورشة أدبية" كانت مفيدة لو استمرت، وتعمقت، وتفرعت إلى "ورشات" أخرى في مجالات الفكر، والفلسفة، والنظرية الثقافية وهلم جرّا، إذ أن فضاء مثل هذه الورشات كفيل بخلق مناخ دراسي مؤسس على الحوار والنقاش لتنمية هذه الفكرة أو تلك النظرية، أو ذلك التيار الفكري أو الأدبي في بلادنا. ولكن لم يكن هنالك بيننا من يفعّل مثل هذا المشروع لقلة التجربة الفكرية، والعمق النظري، وهو الأمر الذي يسود واقع الثقافة الجزائرية إلى يومنا هذا.
تعليقات
إرسال تعليق