ضابط الاحتياط.. 14
رسم حفيظة درّاج |
.. عدنا إلى المعبر و نحن في
قمّة الحزن و الأسى، لا أدري لماذا كنّا نريد استعجال الرّحيل، لربّما فضولنا اتجاه
خبايا المرحلة القادمة هو من كان يفعل ذلك بنا.. رحنا نمنّي النّفس بلقاء الرّفاق
الذّي ودّعناهم في الصّباح، وجدنا بعضهم في حين غادر الآخرون باتّجاه وحداتهم. كانت
ليلة طويلة، لم ننم، بقينا نقصّ القصص و نطيل الحكي حتّى طلع الفجر علينا..
توجّهنا إلى المطعم، تناولنا و جبة الفطور، حصلنا على الوجبات الجاهزة لرحلة ذلك
اليوم و ركبنا الشاحنات باتّجاه المطار العسكريّ، حدث معنا نفس الشّيء للمرّة
الثانية، جوّ ماطر و استحالة إقلاع الطائرات، عدنا للمعبر و قرّرنا أن لا نودّع غدّا أصدقائنا الماكثين بالمعبر لأنّنا سنعود لملاقاتهم في المساء فهذه الرّحلة
الغريبة العجيبة يبدو أنّها لن تكون.. في اليوم الثالث بدت تباشير يوم هادئ، ركبنا
الحافلات هذه المرّة، و صلنا إلى المطار في الصباح الباكر، انتظرنا إلى غاية
السّاعة الواحدة من منتصف النّهار لتصل طائرتنا المتوجّهة نحو وهران.. قبل أن نحصل
على هذه المعلومة حدث معنا حادث طريف حيث كنت مع صديقي مهدي نريد الحصول على معلومة
تفيد بموعد رحلتنا، توّجهنا صوبا نحو مكتب الاستعلامات، استقبلنا رائد في القوات
الجويّة، أفادنا بالمعلومات اللازمة ثمّ طلب منّا أن نحضر مسؤول المهمّة حتّى
يبلغه بذلك، كنّا نعتقد بأنّ ضابط الصفّ المكلّف بتوصيلنا إلى مطار طفراوي العسكري
كان معنا عندما دخلنا مكتب الرّائد لكنّنا لم نجده، خرجت في طلبه فوجدت رجال الأمن
قد قبضوا عليه لأنّه كان يريد تخطّي الحاجز الأمني بالقوّة، أخبرتهم بأنّه معنا فتركوه
بعدما أنّبوه كثيرا لأنّه لم يستطع تبرير موقفه خاصّة و أنّه كان يرتدي لباسا
مدنيّا.. ضحكنا كثيرا لهذه الحادثة التّي كشفت عيوب صاحبنا الذّي لم يكن كفؤا
البتة... امتطى الصحراويّون طائرتنا، جلسوا في المقاعد الأولى و كان نصيبنا
المقاعد الخلفية في آخر الطائرة المتّجهة نحو وهران، هناك فقط عرفت بأنّني مواطن من الدّرجة الألف.. لم تمض ساعة من الزّمن حتّى
كنّا في طفراوي.. لم نشعر بمسافة الرّحلة خاصّة ونحن نتبادل التعليقات و الأحاديث
و النّكت الطريفة.. حطّت بنا طائرة اليوشين الرّوسية الصّنع بأرضية المطار، نزلنا
بهدوء و نظام، اتخذنا مكانا في المطار الذّي بدا خاليا على عروشه، بقينا نتجوّل في
محيطه باحثين عن نادي أو مطعم نحصل فيه على غذاء لأنّ الجوع كاد يمزّق أمعاءنا... لم
يأبه أحد لحالنا، بقينا بالمطار حتّى عصر ذلك اليوم، حينها جاءنا أحدهم مستفسرا إن
كنّا نحن الطلبة القادمين من معبر موزاية فأجبنا بالإثبات.. صحبنا ذلك العسكريّ
الذّي كان بزيّ مدنيّ، وجدنا حافلات نقل بانتظارنا، ركبنا الحافلات على عجل لأنّنا
كنّا نريد مغادرة ذلك المطار بسرعة لأنّه أشبه بمعتقل لكن عند وصولنا معبر
وادي تليلات أدركنا بأنّ المطار أرحم من ذلك المعبر اللّعين الذّي ذقنا فيه
الويلات و امتلكنا الرّعب و الهلع فيه، فهو أقرب إلى سجن ألكاتراز منه إلى معبر، كنت أقول في نفسي:
أين المصير بعد كلّ هذا؟، وكنت أجيب بأنّ القادم أصعب و أعسر بكلّ تأكيد... ... يتبع
( في الحلقة القادمة:
لأوّل مرّة في الجيش يحدث ذلك معنا، نعامل كأسرى و يحدث معنا ما لم نكن نتصوّره
ونحن الذين كنّا نحلم بالرّاحة و الخدمة في ظروف جيّدة...).
تعليقات
إرسال تعليق