/ طُفُولتي: أبي...

القائمة الرئيسية

الصفحات

طُفُولتي:
أبِـــــــــــــــــــي..
بابا.. رجل من أهل الجنّة يعيش بيننا 

كنت كلّما نظرت إليه أشفقت عليه منه، من وجعه، من غياب الأب و حضور ذكراه، من غربته و عودته، كان كلّما شعر بالحزن توارى عن أعيننا ليدفن مآسيه و أحزانه وحده، ويعود... كنت كلّما أمعنت النّظر إلى عينيه الموغلتين في السّواد أرى تقلّبه في الحالمين، أحسّه وهو يطلبني إلى جانبه خجولا، يكاد لا يعرف كيف طريق الأبوّة إلى البنوّة... اليتيم، كلمة بمفعول شتيمة... لا أدري لماذا تأخّرت كلّ هذا الوقت لأكتب عنه، لا أدري هل يجب أن أكتب عنه أم أدسّ قلمي في الرّمل معلنا انسحابي من ساحة الحقيقة و الوجع، لا أدري إن كان يحقّ لي أن أكتب عنه و هو الذّي سيبقى عصيّا عن التعريف لديّ حتى آخر زفرة في حياتي.

أبي، أيّ كلمة ستسعك، و أيّ حرف سيليق بمقامك، أيّ قلب سيترجم ما فيّ لك.. لا زلت أذكر يوم كنت تختار واحدا منّا ليرافقك إلى السّوق يوم الجمعة، كنت أحبّ ان أرافقك في كلّ الجُمعات، لن أنسى تلك الحلوى التيّ كنت تهديها لي كلّما ذهبت معك، لن أنس أيضا يوم خفت على مصير عائلتك يوم أفلست المؤسسة التي كنت تشتغل بها، ولا يوم جمعتنا ثمّ طلبت منّا أن نخرج من أبواب متفرّقة لغاية في نفسك، لن أنس سقوطك الذّي كاد يودي بحياتك يوما من أجلنا، كنت ترمّم بناء المنزل فسقطت و سال دمك الطّاهر على الأرض، لم أكن أتخيّل أنّك كنت ستغادرنا إلى الأبد، كنت قريبا جدّا و أضحيت بعيدا جدّا، في لحظة دارت بي الأرض آلاف الدّورات و قطعت بي آلاف المسافات لأفهم حقيقة واحدة: معنى أن يكون لي أبي، أذكر أنّني لأوّل مرّة في حياتي بكيتك، هل كنت قاسي القلب من قبل؟... ياااااااااااااااه، ماذا حلّ بي لأكتب كلّ هذا الوجع، هل أنا مقصّر في حقّك؟...

يا ابن الشّهيد، يا من مات والده وهو صغير، ها أنذا ابنك أعترف لك بالفضل و أقّر لك بقدرتك على تربيتي و تعليمي أحسن تعليم، و إنفاقك عليّ من المال الحلال، فهل أقدر على بلوغ بعض ممّا وصلت إليه أنت يا من لم تدخل مدرسة و لا جامعة؟... بوركت أيّها الرّجل المثاليّ، و رحمك اللّه و غفر لك، و جعلني من أبناءك الصّالحين.

قلم: أحمد بلقمري
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع