ضابط الاحتياط.. 15
وصلت بنا الحافلات إلى مقرّ المعبر، كان عبارة عن ثكنة عسكريّة قديمة منذ العهد الكولونيالي الفرنسي، كانت الشّمس مستمرة في التوهّج و الإصرار على متابعة وجوهنا التّي تتصبّب عرقا.. قبل أن تطأ أقدامنا الأرض سمعنا صيحات رجل عسكرّي يخاطبنا: هيّا، اعتدلوا أيّها العسكريّون، بسرعة.. كان يتكلّم لغة عربيّة فصيحة، لأوّل مرّة يحدث هذا معنا في الجيش، حاولت أن أعرف رتبته لكنّني لم أهتد لذلك لأنّه لم يكن يتقلّد رتبة معيّنة، خشينا أن يكون ضابطا ساميا فانصعنا لأوامره.. في هذه الأثناء طلب منّا أن نجلس على الأرض و نضع كلّ ما نحمله من أقلام و كراريس و أوراق أمامنا حتّى لو كان ذلك مقصّ تقليم الأظافر، كان طلبا غريبا استدعى دهشتنا، كما طلب العسكريّ من رجل جند أن يجمع أدواتنا كلّها.. كان ذلك الجنديّ أسوء عسكريّ قابلته في حياتي، كان ذميم الخُلُق و الخِلقة، لم نتحدّث معه حتّى لا نجلب لأنفسنا المتاعب.. نزعنا الرّتب أيضا لأنّنا في المعبر و لسنا في وحداتنا، هذا يعني أنّنا لم نصبح ضباطا في عرف العسكر حتّى هذه اللحظة.. تمّ تقسيمنا على عنابر المبيت التّي كانت في قمّة القذارة، كان القمل يتنقّل بين الأغطية و الأسرّة كما كنّا نتنقّل داخل المعبر.. طُلب منا أن نذهب إلى البيّاضة حتّى نحصل على الأغطية اللازمة لمبيتنا هناك فكانت دهشتنا أكبر حيث كانت تعيش الجرذان و القطط جنبا إلى جنب، كان مظهرا يثير الاشمئزاز و الغثيان لكنّنا تحمّلنا ذلك استعدادا لما هو قادم.. تمّ تجميعنا بسرعة في ساحة ضيّقة و طلب منّا صف ضابط (هو نفس الرّجل الذّي رأيناه أوّل مرّة ) أن نرتدي اللّباس المدني لأنّنا سنغادر المعبر إلى الخارج حتىّ نتناول العشاء و نعود بعد ذلك قبل السّاعة الثامنة مساء.. لم نفهم شيئا لكنّنا كنّا فرحين لأنّ هذا سيسمح لنا بأخذ حمامّ و تناول و جبة عشاء تقينا جوع تلك اللّيلة التي يبدو أنّها لن تمرّ على خير.. عدنا في الوقت المقّرر لذلك محمّلين بالغذاء و المياه المعدنيّة لأنّه لا يوجد ماء صالح للشّرب بذلك المعبر اللّعين.. كان في استقبالنا ذلك الرّجل الذّي لا يملّ الحديث بلغة عربيّة فصيحة، كان يبدو لي كسجّان يتلذّّذ بقهر و تعذيب ضحاياه.. كان علينا التأقلم مع الوضع الجديد.. رحنا نخوض في بعض الموضوعات المتعلّقة بمستقبلنا، أنهينا النّقاش و قد اجتمعنا على إيجاد حلّ لهذه المعضلة: " نحن ضبّاط و لا يجب أن نعامل هكذا".. باغتنا ذلك المجنون و نحن في معبرنا، طلب منّا النّوم و إطفاء الأضواء، كما طلب من المتوجّهين إلى مدينة و هران، و المشرية و غيرها من المدن تجهيز متاعهم لأنّهم سيغادرون المعبر في الغد و قبل إطلالة الشّمس. اقتربت منه و سألته عن موعد مغادرتنا نحن أصحاب مدينة تيارت، فقال لي ساخرا: " ستبقى هنا أيّها العسكريّ فنحن نحتاجكم.."، رجعت إلى رفاقي و أنا ألعن الخطوة قبل أختها، و قلت لمرافقي إلى تيارت: " يبدو أننا سنبقى في هذا المعبر الّلعين إلى ما قدّر الله.. ناموا يا جماعة، و غدا سيكون لنا حديث آخر...".
... يتبع
ابني العزيــز
ردحذف.........
عندما يحل اليوم الذي ستراني فيه عجوزاً.. أرجو أن تتحلى بالصبر
و تحاول فهمي
إذا اتسخت ثيابي أثناء تناولي الطعام .. إذا لم أستطع أن ارتدي
ملابسي بمفردي ..
تذكر الساعات التي قضيتها لأعلمك تلك الأشياء
إذا تحدثت إليك و كررت نفس الكلمات و نفس الحديث آلاف المرات ..
لا تضجر مني لا تقاطعني .. و أنصت إلى و تحمل تكرار أسئلتي
عندما كنت صغيراً يا بني , كنت دائماً تكرر و تسأل و أنا أجيبك بصدر رحب
إلى أن فهمت كل شئ
عندما لا أريد أن أستحم .. لا تتسلط علي
تذكر عندما كنت أطاردك و أعطيك آلاف الأعذار لأدعوك للاستحمام
عندما تراني لا أستطيع أن أجارى و أتعلم التكنولوجيا الحديثة ..
فقط .. إعطني الوقت الكافي .. و لا تنظر إلي بابتسامة ماكرة و ساخرة
تذكر أنني الذي علمتك كيف تفعل أشياء كثيرة .. كيف تأكل ..
كيف ترتدي ملابسك .. كيف تستحم .. كيف تواجه الحياة
عندما أفقد ذاكرتي أو أتخبط في حديثي .. إعطنى الوقت الكافي لأتذكر
و إذا لم أستطع .. لا تفقد أعصابك .. حتى و لو كان حديثي غير مهم..
فيجب أن تنصت إلي
إذا لم أرغب بالطعام .. لا ترغمني عليه
عندما أجوع سوف آكله
عندما لا أستطيع السير بسبب قدمي المريضة
أعطني يدك .. بنفس الحب و الطريقة التي فعلتها معك
لتخطو خطوتك الأولى
عندما يحين اليوم الذي أقول لك فيه إنني مشتاق للقاء الله ..
فلا تحزن و لا تبكي
فسوف تفهم في يوم من الأيام
حاول أن تتفهم أن عمري الآن قد قارب على الانتهاء
و في يوم من الأيام سوف تكتشف أنه بالرغم من أخطائي فإنني كنت
دائماً أريد أفضل الأشياء لك .. و قد حاولت أن أمهد لك جميع الطرق
ساعدني على السير .. ساعدني على تجاوز طريقي بالحب و الصبر ..
مثلما فعلت معك دائماً
ساعدني يا بني على الوصول إلى النهاية بسلام ..
أتمنى أن لا تشعر بالحزن و لا حتى بالعجز حين تدنوا ساعتي
فيجب أن تكون بجانبي و بقربي .. و تحاول أن تحتويني ..
مثلما فعلت معك عندما بدأت الحياة
احتضني كما احتضنتك و أنت صغيرً ☻☻
بسم الله الرحمن الرحيم (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً )) . صدق الله العظيم