الشاذلي حاول دفن عهد بومين والتخلص من بوتفليقة
في الوقت الذي كان يعد فيه لصياغة ميثاق مرحلة الشاذلي بن جديد، بدأت الإشاعات تدور هنا وهناك بأن الهدف من ذلك كان يرمي إلى تحقيق هدفين اثنين متكاملين وهما دفن عهد بومدين بشكل والتخلص من رجاله واحدا واحدا وكنسهم من حزب جبهة التحرير الوطني ومن الحياة السياسية بشكل كامل. من المعلوم أنه بعد وفاة بومدين تم التخلص من السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي كان وزيرا للخارجية، ومن ثَم تم تشكيل مجلس المحاسبة من طرف السلطة إذ ذاك وأطلق له العنان ليكيل له التهم من بينها تهمة سرقة الأموال وامتد ذلك إلى غيره من المسؤولين الكبار المحسوبين على العهد البومديني.
- لقد جيشت وسائل الإعلام الرسمية المرئية والمسموعة والمكتوبة لتشويه هؤلاء الناس أمام الرأي العام الجزائري. أذكر أنني كنت بداخل مقر اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني ليوقع لي أمر بمهمة وسمعت مسؤولا كبيرا يتحدث بصوت عال وبلهجة الاستهزاء عن العقيد محمد صالح يحياوي. قال ذلك المسؤول بأن العقيد يحياوي قد قام بقلع بعض الأبواب الفخمة من مقر الحزب المركزي وأخذها إلى بيته. ثم واصل ذلك المسؤول كيل التهم حيث قال للناس حوله وقد كنت بجانبهم بأن العقيد يحياوي قد اشترى لسكرتيرته الخاصة منزلا فخما بقلب باريس وتحديدا في منطقة الكونكورد الراقية بأموال الدولة، وأنه اشترى لها أيضا سيارة فخمة ومنح لها عدة منازل هنا وهناك في العاصمة وضواحيها. في هذا الوقت بالذات كانت حرب داحس والغبراء تشتعل ضد ما يسمى باليسار الجزائري كما أذكر عندما انتخبنا في مؤتمر الاتحاد الكتاب الجزائريين الذي انعقد في قصر الأمم سنة 1981 بأن قيادة الحزب جبهة التحرير الوطني اشترطت العضوية في الحزب على كل من يريد أن يترشح للانتخاب ليسمح له بتسلم منصب الأمين الوطني فيما بعد إذا تم اختياره من طرف المؤتمرين.
- خلال المناقشات التي جرت في المؤتمر بخصوص القانون الأساسي للاتحاد، دعت مجموعة من الكتاب ومن بينهم الطاهر بن عيشة إلى رفض مطلب قيادة الحزب بجعل العضوية شرطا نهائيا للترشح. وبهذا الشأن دار حوار طويل بين الكتاب وبين المشرفين سياسيا على المؤتمر وكان في مقدمتهم محمد الشريف مساعدية، والدكتور بشير خلدون، ومولود قاسم، ومحمد جغابة، وعبد الحميد مهري وغيرهم وفي الأخير قبل هؤلاء إزالة شرط العضوية في الحزب في تلك المناسبة فقط ولكنهم طالبوا بضرورة الانضمام إلى الحزب بعد انتهاء المؤتمر والانتخابات. كان يبدو بأن حزب جبهة التحرير الوطني أراد أن يقوي صفوفه بالاتحادات المهنية والثقافية والفنية لكي يضمها إلى الاتحادات الجماهيرية التي كانت بمثابة الترسانة السياسية في يد ذلك الحزب.
- وللأمانة فإنه لا بد من قول الحقيقة حتى ولو كانت مرة، إذ أنني توجهت في مقر سكني إذ ذاك بالأخضرية إلى مقر قسمة الحزب الموجود بها وقدمت ملفا لأنتسب إلى الحزب العتيد، وكان رئيس القسمة هناك هو السيد حسن أبركان، أما منسق الحزب فكان السيد عمارة علي. بدأت أحضر الاجتماعات في مقر القسمة وكان الحضور شرطا أساسيا مفروضا على كل من يريد أن يصبح عضوا عاملا بعد أن يكون قد زكي من طرف اللجنة المكلفة بالترقية إلى مرتبة مناضل عامل. أما المدة الزمنية قد كانت حسبما أذكر تقدر بعام كامل. وأنا أداوم الحضور في القسمة اكتشفت الضحالة الثقافية للحزبيين، والتكوين السياسي السطحي لهم فضلا عن تلك المماحكات التي لا طائل من ورائها ولا تخدم الشعب الجزائري من قريب أو من بعيد. بعد مدة قصيرة جدا قررت الانسحاب بشكل نهائي من القسمة لأن مثل تلك الأجواء لم تخلق لشاعر مثلي. رغم انسحابي لم يطلب مني أن أتقيد بشرط العضوية في الحزب بداخل اتحاد الكتاب الجزائريين لأسباب لا أعرفها. وهكذا أنهيت العلاقة بهذا الحزب قبل أن تبدأ فعليا.
- حينما حان موعد انعقاد المؤتمر الخامس لحزب جبهة التحرير الوطني، تلقينا مسبقا الدعوات الرسمية لنشارك فيه باعتبارنا أعضاء في اللجنة التنفيذية بالاتحاد الكتاب الجزائريين الذي كان تنظيما ثقافيا وأدبيا تابعا لحزب جبهة التحرير الوطني، وهنا أذكر بأنني شخصيا لم أكن عضوا عاملا في هذا الحزب بعد انسحابي من القسمة كما ذكرت آنفا. في ذلك اليوم المشهود دخلنا إلى قاعة المؤتمر ووجدنا المحافظ الجلدية موضوعة على مقاعد المشاركين. جلست إلى جانبي المؤتمرة والمذيعة المعروفة زهية بن عروس وفهمت أنها كانت مناضلة قيادية في الحزب. نظرت إلي وقالت لي: "إنهم لم يضعوا المحفظة في مقعدي فما العمل؟" وبتلقائية منحتها محفظتي وقلت لها إنها لك إلى الأبد. كانت القاعة مزدحمة وبدأت أحدق في الحاضرين وتحديدا في الصفوف الأمامية فرأيت العقيد محمد الصالح يحياوي جالسا وفي كامل هدوئه، كما رأيت سفير الجزائر العياشي ياكر غير بعيد مني وقام ليصافحني وبسرعة تذكرت أننا التقينا في مكتبه بموسكو منذ عدة أشهر حيث نشب بيني وبينه خلاف حاد بسبب عدم التنسيق معه حينما شاركت في مؤتمر وكتاب آسيا وإفريقيا بأوزبكستان الجمهورية السوفيتية إذ ذاك. أذكر أنه هددني بتقديم تقرير ضدي لأنني خالفت أعراف البرتوكول، وما كان مني في تلك اللحظة إلا أن أرد عليه بغضب وقلت له افعل ما شئت وغادرت مكتبه فورا.
- في داخل المؤتمر الخامس شكلت اللجان ولم أدع إلى أية واحدة منها وتواصلت أعمالها إلى حين إعلان قائمة بأسماء أعضاء اللجنة المركزية الجدد بدون أي انتخاب يذكر. لقد تم كل شيء حسب المخطط في كواليس الرجال الجدد لمرحلة الشاذلي بن جديد. كان مولود حمروش يقرأ الأسماء الجديدة حينها لفظ اسمي "أزراج عمر" وبسرعة قام محمد الشريف مساعدية مصححا إياه وقال له: الاسم هو "سراج عمر". هنا رفعت صوتي وقلت: "لا يشرفني أن أكون في هذه اللجنة على أية حال" فتدخل رجال الأمن وأجلسوني وأمروني بالسكوت. بعد انتهاء حمروش من قراءة القائمة رأيت العقيد يحياوي الذي شطب وأزيح من اللجنة المركزية يخرج من القاعة بسرعة فائقة، وبجانبي رأيت إذ ذاك أيضا وزير الثقافة الدكتور "عبد المجيد مزيان" الذي أزيح كذلك من القائمة يحاول بجهد أن يعيد سرواله إلى مكانه بعد أن تدلى.
تعليقات
إرسال تعليق