العدد: 95 التاريخ: 26/9/2011
عن مجلة "سيانس هومين" (Sciences Humaines)
بقلم:رينيه إريك داغرون René-Eric Dagron و جوستين كانون Justine Canonne
بقلم:رينيه إريك داغرون René-Eric Dagron و جوستين كانون Justine Canonne
(...)
قبل أن يتعثر إجماع فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة على خلع القذافي عن
كرسي السلطة في ليبيا، تساءل البعض عمّا يمكن للأبحاث الحديثة في ميدان
العلوم الإنسانية (السوسيولوجيا والانتروبولوجيا أي علم الإناسة) أن تقدّم
من فائدة حول النتائج المحتملة من العملية العسكرية التي تُزمِع تلك الدول
على القيام بها. من الذين تساءلوا ستيفن وولت Stephen Walt أستاذ العلاقات
الدولية في جامعة هارفرد
، وهو أحد الكتّاب الدائمين في مجلة "فورين بوليسي" (Foreign Policy)، وقد أجاب على التساؤل في المجلة نفسها بصراحة تامة: "لا أظن ذلك، لأن أولئك الباحثين أثبتوا أن هناك احتمالاً كبيراً أن تأتي النتائج مخيّبة لآمالنا". ويرى وولت أن العمليات العسكرية من النوع الذي يجري في ليبيا ليس أمامها سوى 3% من حظ النجاح في إقامة ديمقراطية، و97% في إحداث حرب أهلية في ليبيا. (راجع مقالة ستيفن وولت في العدد الصادر من مجلة "فورين بوليسي" بتاريخ 24 مارس/ آذار 2011: "علم الاجتماع وأحداث ليبيا" Social science and the Libyan adventure ويمكن مطالعتها على الرابط التالي: http://walt.foreignpolicy.com/ posts/2011/03/24/ socialscience) فكيف أمكن له أن يقدّم هذه الإجابة على التساؤل؟ ومن أين أتى بتلك الأرقام؟
، وهو أحد الكتّاب الدائمين في مجلة "فورين بوليسي" (Foreign Policy)، وقد أجاب على التساؤل في المجلة نفسها بصراحة تامة: "لا أظن ذلك، لأن أولئك الباحثين أثبتوا أن هناك احتمالاً كبيراً أن تأتي النتائج مخيّبة لآمالنا". ويرى وولت أن العمليات العسكرية من النوع الذي يجري في ليبيا ليس أمامها سوى 3% من حظ النجاح في إقامة ديمقراطية، و97% في إحداث حرب أهلية في ليبيا. (راجع مقالة ستيفن وولت في العدد الصادر من مجلة "فورين بوليسي" بتاريخ 24 مارس/ آذار 2011: "علم الاجتماع وأحداث ليبيا" Social science and the Libyan adventure ويمكن مطالعتها على الرابط التالي: http://walt.foreignpolicy.com/
من فيتنام إلى أفغانستان
الخبراء
المختصون بالجيوبوليتيكا والعلوم الاستراتيجية يسمّون ذلك "تغييرات من
الخارج لفرض نظام في الداخل" (Foreign Imposed Regime Changes) أو "تغيير
النظام السياسي بواسطة قوة خارجية". يمكن اختزال موضوع تلك الحروب برمته
بعبارة "فرض الديمقراطية بالقوة". والمثال الأوضح على ذلك هو "مشروع
سيريانا" الذي قدَّمته إدارة بوش في العام 2004 إلى "مجموعة الثماني" (G8)
وقوامه "فرض الديمقراطية على العراق الذي جرى تحريره من نظامه السابق،
لجعله مركزاً لشرق أوسط ديمقراطي". يندرج التدخل العسكري في أفغانستان، كما
في ليبيا، في إطار مشروع "تغيير النظام السياسي بواسطة قوة خارجية" نفسه.
خلافاً
لما يمكن أن يخطر على البال بالحدس فقط، فإن هذا النوع من العمليات
العسكرية ليس جديداً، فهو موجود منذ ما ينيف عن قرنين من الزمن، وكان
موضوعاً لدراسات شتى في ميدان "سوسيولوجيا العلاقات الدولية". وقد دأب كلٌّ
من جيفري بيكرينغ Jefferey Pickering من جامعة كنساس، ومارك بيسيني Mark
Peceny من جامعة نيومكسيكو على دراسة تلك العمليات منذ الحرب الباردة؛ ففي
فيتنام (1964 ـ 1975)
على سبيل المثال، كانت الغاية وضع حدّ بالقوة لتوسع النفوذ الشيوعي في
آسيا، وإقامة نظام ديمقراطي يكون بمثابة أنموذج يُحتذى في المنطقة.
والنتيجة معروفة.. على عكس ذلك، أفضى التدخل الجوي في كوسوفو العام 1999،
إلى محاكمة سلوبودان ميلوزوفيتش ونشوء وضع ليبرالي في صربيا. لكن النموذج
الكوسوفي بقي معزولاً لم يُعمَّم في أي مكان آخر. وذلك أن الباحثَيْن
استنتجا في نهاية المطاف أن "عمليات التدخل العسكري التي تقوم بها الدول
الديمقراطية نادراً ما كان لها دور مجدٍ منذ العام 1945".
القوة العسكرية غير مجدية
وعلى النحو نفسه، درس غوران بييكGoran Piec ودانييل ريتر Daniel Reiter 42 عملية تدخل عسكري منذ العام 1920
ولاحظا أنه "عندما تُصاب البنيات التحتية يزداد احتمال خطر الحرب الأهلية"
(راجع البحث المطوَّل الذي أنجزه غوران نبييك ودانييل ريتر ونشرته المجلة
البريطانية للعلوم السياسية British Journal of Political Science في عددها
الصادر في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2010 بعنوان:Foreign-Imposed regime change. State power and civil war onset, 1924-2004
). من جانب آخر يشدد جورج دونز George Downs وبروس بوينو دو ميسكيتاBruce
Bueno de Mesquita الباحثان في جامعة نيويورك على أن "عمليات التدخل
العسكري الأميركية لم تُفضِ إلى إقامة نظام ديمقراطي إلا في أقل من 3% من حالات التدخل العسكري" (راجع كتاب الباحثَيْن دونز ودو ميسكيتا: "التدخل العسكري والديمقراطية" الصادر في العام 2006 بالإنجليزية Intervention and Democratie عن "مؤسسة المنظمة الدولية" International Organisation Foundation).
المجتمعات
الغربية هي التعبير الصارخ عن التناقض الرهيب فقد تأصلت فيهم عادة
الاعتقاد بأن القوة العسكرية هي وسيلة العمل المباشر والفوري للتأثير في
المجال الجيوبوليتيكي والاستراتيجي الدولي.. في وقت يمنع فيه صعود
المجتمعات والدول في جملة ذلك المجال، يمنع القوة العسكرية من أن تكون ذات
تأثير فعّال، ويَحول أكثر فأكثر دون نجاحها.
وفي
المحصّلة النهائية، هل تتجه الأمور نحو حرب أهلية في ليبيا؟ المقارنات
التاريخية ـ بحسب ما يقول وولت ـ لا تبعث على التفاؤل، كما أن الاضطراب
الذي يسود المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا والذي أدّى إلى اغتيال عبد
الفتاح يونس القائد العسكري للمتمرّدين على نظام القذافي، في 28 تموز/ يوليو الماضي على يد مجموعة من داخل المتمردين بالذات يدفع ـ يا للأسف ـ في هذا الاتجاه.
باكو ودوشنبه
فإذا
عدنا إلى العاصمة الأذربيجانية باكو، وتذكرنا أن المظاهرات التي حدثت فيها
الربيع الماضي، وانتقلت في الوقت نفسه إلى دوشنبه عاصمة طاجكستان، حضرت
المقارنة بين بلدان هذه المنطقة في آسيا الوسطى وبين الأنظمة العربية، لما
بينهما من وجوه شبَه كثيرة: الفساد، الانتهازية، الاستزلام، كمّ الأفواه
والرقابة على الصحافة وعلى حرية التعبير، أجهزة القمع الفاعلة النموروثة عن
الاستخبارات السوفياتية (كي جي بيه).
معطيات
الانتفاض متوافرة في بلدان تلك المنطقة إذاً... إلا أن الباحث بيرم بالسي
Bayram Balci يرى عكس ذلك ويستبعد أن يكون ثمة احتمال لقيام "ربيع ثورات"
في آسيا الوسطى شبيه بـ"ربيع الثورات العربية"، فيقول أن المجتمع المدني
مشتت في المنطقة، ويكاد أن يكون في واقع الأمر"غير موجود" في أوزباكستان
وفي تركمنستان. ولئن كانت كرغزستان قد عرفت تغييرات في نظامها السياسي
(التغيير الأخير وقع العام الماضي، حين غادر السلطة الرئيس قرمان باكييف)
فقد كان "ثمن تلك التغييرات إغراق البلاد في حالة من الفوضى العارمة" التي
لا تشجع أبناء الدول المجاورة على تجربة السير في طريق الديمقراطية (راجع
كتاب بيرم بالسي: "هل تصل الثورات العربية إلى آسيا الوسطى؟" الصادر للتو
Le printemps arabe gagnera-t-il l’Asie centrale ?).
بيد
أن "العوائق الجغرافية" بخاصة هي التي تواجه بيرم بالسي ومصدر تردده حيال
احتمال قيام ثورات بين شعوب آسيا الوسطى. فالصين وروسيا كلتاهما غير
متحمّستين للتعددية ولا يؤيّدان حدوث تغييرات سياسية في المنطقة. أما
الأميركيون والأوروبيون فيرون أن أي تغيير سياسي في المنطقة قد يفتح الباب
أمام الإسلاميين لاستلام الحكم فيها. هذا عدا عن أن جميع الأطراف يريدون
الحفاظ على مصالحهم واستمرار الحصول على حصصهم من ثروات المنطقة وبخاصة من
نفط أذربيجان وكازاخستان وتركمنستان، ما يدفع الروس والصينيين والغربيين
جميعاً إلى الحفاظ على الوضع القائم في المنطقة.
تعليقات
إرسال تعليق