/ الذّهب المخبوء في بلادنا

القائمة الرئيسية

الصفحات

الذّهب المخبوء في بلادنا


الذّهب المخبوء في بلادنا
العدد: 113   التاريخ : 7/11/2011
مع نموّ السياحة العالميّة منذ بداية الحرب العالمية الثانية، ارتفع عدد السياح بحسب المنظمة العالمية من 62.80 مليوناً في العام، يقابلهم إنفاق سياحي مقداره 443مليار دولار، إلى440 مليون سائحٍ خلال النصف الأول من العام الحالي2011، بزيادة19 مليوناً عن الفترة نفسها من العام الماضي 2010، أي بنسبة 5.4%. في حين باتت السياحة الثقافية تمثّل وفق الإحصائيات الصادرة عن منظمة السياحة العالمية أيضاً حوالى37%من إجمالي سوق السياحة العالمي، أي ما يوازي ثلث إجمالي النشاط السياحي في العالم، ما يشير إلى أن السياحة الثقافية أصبحت من أبرز أنواع السياحة، وأنها تنمو بشكل سنوي بمعدل 15%.

وبناءً على المفاهيم التنمويّة العالميّة، تكرّس مدى ارتباط التراث الثقافي بالتنمية الاقتصادية والمجتمعيّة، فضلاً عن أهمية هذا التراث بالنسبة إلى الهوية المجتمعية والوطنية، بحيث أضحت السياحة الثقافية من أكثر القطاعات التي تخدم الأحياء القديمة والفقيرة. وفي تقريره "إعادة التأهيل الحضري للأحياء القديمةThe Urban Rehabilitation of Medinas"(2010)، يظهر البنك الدولي أن الأحياء القديمة يمكن أن تزيد من قيمة العقارات وحصيلة الضرائب وتصبح مصدرَ جذبٍ للسياحة الثقافية. ووفق المصدر نفسه، فإن الحفاظ على أصول التراث الثقافي ساعد على "تعزيز الاقتصاد الوطني والمحلّي، وعلى توفير حوافز لخلق فرص العمل، وتحسين البيئة الحضرية ونوعية الأماكن العامة. ففي "إطار عمليات التحديث والتحوّل التي تمرّ بها بلدان المنطقة، يمكن أن تتيح المدن التاريخية عنصراً حيوياً للاستمرارية والاستقرار، ويمكن لإرث الماضي أن يساعد على تنمية المستقبل."
ولأن الأحياء القديمة هي عادةً من أكثر الأحياء العمرانية فقراً، يتمّ التركيز على إعادة تأهيلها وعلى إعادة تأهيل أوضاع المساكن فيها، وتهيئة فرص العمل للحدّ من العزلة الاجتماعية للسكان ومكافحة الفقر في آن. وبحسب تقرير البنك الدولي أيضاً، يمكن اجتذاب القطاع الخاص للاستثمار في السوق العقارية في هذه الأحياء وفي أنشطتها الاقتصادية، في حين أن الجمعيات المحلّية التي تنشأ حول المناطق الحضارية أو ذات الاهتمام الاجتماعي تستطيع أن توفّر رأس المال الاجتماعي والضغط السياسي لتنفيذ مبادرات تساعد على إعادة تأهيل الأحياء القديمة.
لذا بات على الحكومات بحسب تقرير البنك الدولي التعرّف بشكل دقيق إلى الأحياء القديمة التي تملك الخصائص اللازمة لتصبح مقصداً واعداً للسياحة الثقافيّة. وقد رجّح التقرير أن يبلغ إجمالي عدد المدن في منطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا أكثر من100 مدينة. وبلغت المواقع المصنّفة كمواقع تراثيّة ثقافيّة عالميّة في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا 61 موقعاً في كلّ من الجزائر ومصر وإيران وإسرائيل ولبنان وليبيا والمغرب وسوريا وتونس واليمن. ومن بين المدن التاريخيّة التي باتت مصنّفة على قائمة التراث العالمي من المنطقة العربيّة: دمشق، وبصرى (في سوريا) ، القيروان وسوسة (في تونس)، فاس وكناس ومراكش وتطوان والصويرة والجديدة(في المغرب)، قصبة الجزائر وغرداية (في الجزائر)، سيبام، زبيد، صنعاء (في اليمن)، غدامس (في ليبيا).
وعلى صعيد آخر، بيّنت دراسة بعنوان "دور الحفريات الأثرية في التنمية الاجتماعية في الأردن"(2009) لـ زيدان كفافي، أهمية الآثار في التنمية الاجتماعيّة. إذ استندت هذه الدراسة إلى تجربة مشروع الحفريات الأثرية في موقع تل دير علا، التي بدأت العام1960 بتعاون مشترك بين دائرة الآثار العامة الأردنية، وجامعة اليرموك الأردنية، وجامعة لايدن الهولندية، والتي تستمرّ حتى الوقت الحالي على شكل مشروع مشترك بين جامعة اليرموك وجامعة لايدن الهولندية بالتعاون مع دائرة الآثار العامة الأردنية. فبيّن الباحث أن للحفريات الأثرية التي تقوم في منطقة الأغوار الوسطى بشكل خاص، وفي الأردن بشكل عام، دوراً مهمّاً ورئيساً في تحسين المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات التي تسكن بالقرب من المواقع الأثرية التي جرى وتجري فيها تنقيبات أثرية، كما كان لها دور في تنمية الوعي بأهمية التراث الثقافي الأثري، وفي تعزيز الانتماء للوطن بين أفراد المجتمع، فضلاً عن إسهامها في حلّ مشكلة البطالة، خصوصاً بين الشباب. وكان للحفريات دور كذلك في إنشاء شبكة من العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع المحلّي وأعضاء الفرق الأثرية الأردنية والأجنبية العاملة في التنقيبات الأثرية، ما فتح المجال لسكّان المناطق المجاورة للتعرف إلى ثقافات أخرى بإتاحة الفرصة أمامهم في دخول مجالات حياتيّة أخرى غير القيام بالأعمال الزراعية.
وعلى هذا، بات الاهتمام بالتراث عنصراً أساسياً من عناصر السياحة الثقافيّة، ومن طبيعة العلاقة التي تربط بين السياحة والتراث والقائمة على الحفاظ على الموروثات وإدارتها بطريقة مستدامة، والتي تصبّ بدورها في السياحة العالميّة الآخذة في النموّ باضطراد منذ بداية الحرب العالمية الثانية. أي عندما نشأت آنذاك هيئة الأمم المتّحدة والمنظمات المتخصّصة المتفرعة عنها مثل منظمة اليونسكو، والتي قامت بالمساعدة على إحداث هيئات تساعد على حماية المباني التاريخية والمواقع الأثرية ICOMOS والمجلس الدولي للمباني والمواقع الأثرية، والمجلس الدولي للمتاحف الدوليICOM، والمركز الدولي لحماية الممتلكات الثقافية وترميمها (الأيكروم)1 CCROM في روما. وعندما عقدت في العام 1954 اتفاقية لاهاي الدولية أيضاً، من أجل حماية الممتلكات الثقافية في حالة وقوع نزاع مسلّح، فضلاً عن اهتمام جامعة الدول العربية، على الصعيد العربي، والمنظّمات المتفرّعة عنها مثل الأليكسو وغيرها، بعقد مؤتمرات الثقافة والآثار والتراث وحماية الآثار في الوطن العربي، وبتنظيم سلسلة من المؤتمرات الأثرية الخاصة بالدول العربية، وقيام وحدة للمدن التاريخية العربية في إدارة الثقافة في الأليكسو.‏
المتربصون!
لئن كانت تحدّيات عدّة تواجه مسألة حماية التراث الثقافي العربي، وصونه، ومنها الحروب والاحتلالات والنزاعات المسلّحة على اختلافها، فإن المحاولات الإسرائيليّة، التي لا تتوقف عن السطو على التراث الأثري والشعبي العربي، تشكّل أحد أبرز هذه التحديات. من ذلك مثلاً، أن إسرائيل لم تكتفِ منذ غزوها سيناء بالسطو على هذا التراث، بل تحاول جاهدةً نسبته إليها. فشبه جزيرة سيناء، المنطقة الصحراوية الواقعة بين البحر المتوسط وخليج السويس وقناة السويس والبحر الأحمر وخليج العقبة، تربط أفريقيا بآسياعبر الحدّ المشترك مع فلسطين شرقاً، وتبلغ مساحتها 60088 كيلومتراً مربعاً، ويسكنها 380000 نسمة، وهي شهيرة بمناجم الفيروز وكانت عبر التاريخ معبراً لغزاة مختلفين، ووطأ أرضها المسيح عيسى ابن مريم ووالدته، ونبيّ الله موسى وأخوه هارون وتجلّى الله له فوق جبل موسى في طور سيناء (2285 متراً). وعلى أرض سيناء ترك الفراعنة العشرات من المعابد مثل معبد سرابيط الخادم، وبنى الرومان دير الإمبراطورة سانت كاترين. فيما يعمل اتّحاد الآثاريين العرب منذ نشأته العام 1997 على رصد المخاطر المُحدقة بالحرم القدسي، ولاسيما بعد قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بحفر أنفاق بجوار الحائط الغربي والجنوبي للحرم القدسي إلى جانب أنفاق أخرى أسفل المسجد على مقربة من أرضية قبة الصخرة، مستخدمةً مواد تعمل على تفتيت الكتل الصخرية، فيما تتسرب تلك المواد إلى أساسات المسجد وتهدّده بالانهيار في أيّ لحظة. هذا بالإضافة إلى محاولات إسرائيل طمس الهوية العربية الفلسطينية، إذ حاولت تسجيل الحرم الإبراهيمي في الخليل على قائمة التراث اليهودي على الرغم من أنه مُقيد (من دون هوية) في اليونسكو، إلى جانب قيامها بتهويد الأسماء العربية في مدينة القدس المحتلّة، ونزعها ملكية منازل الفلسطينيّين في حيّ سلوان آخر الأحياء العربية في القدس، وذلك من أجل خلق طوبوغرافية جديدة". وقيامها أيضاً بهدم التلة الترابية في الجدار الجنوبي الغربي من المسجد الأقصى المؤدية إلى باب المغاربة ومسجد البراق وإزالتها، وبتنفيذ أعمال توسيعية لساحة البراق (المبكى) على حساب المباني التاريخية والأثرية لحيّ المغاربة، ومحاولاتها المستمرة لإزالة مقبرة "مأمن الله".
ورَدَ ذلك في خطاب أمين عام الاتحاد محمد الكحلاوي في معرض فعاليات المؤتمر الثالث عشر لاتّحاد الآثاريين العرب، الذي عُقد في ليبيا من 24 إلى 27 /10 /2010، فيما تفعيل التصدّي العملي لهذه الانتهاكات يبقى معلّقاً...أما شراسة إسرائيل فمستمرّة في محو الوجود والهويّة العربيّين، من دون أن توفّر أيّ وسيلة مهما كبر حجمها أو صغر. فقد سبق لها مثلاً، أن سطت على المنتجات التراثيّة الغذائيّة الّلبنانية والفلسطينيّة والأردنيّة وغيرها، ولم تكتفِ بتسويقها، بل تدّعي أن هذه المنتجات الغذائيّة، مثل الفلافل والحمص والتبولة...صناعة إسرائيليّة ومن تراث مطبخها اليهودي..!

هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع