/ النّفساني أحمد بلقمري يتحدّث عن جريمة قتل الطفل عبد الرّؤوف..

القائمة الرئيسية

الصفحات

النّفساني أحمد بلقمري يتحدّث عن جريمة قتل الطفل عبد الرّؤوف..

النّفساني أحمد بلقمري يتحدّث عن جريمة قتل الطفل عبد الرّؤوف..
الطفل الفقيد عبد الرؤوف
حاورته: ريمة بوصوار*

أستاذ أحمد، بصفتكم أخصائيّا نفسانيّا يشرّفنا أن نطرح عليكم بعض الأسئلة لتفسير الفعل الإجرامي المُتفاقم بالجزائر عامّة و بولاية سطيف خاصة لا سيما أنّ هذا الطّرح يأتي بعد الحادثة الأخيرة التي شهدتها مدينة سطيف أين أقدم شاب مجهول الهوية على ذبح الطفل عبد الرؤوف البالغ من العمر خمس سنوات أمام مرأى من والدته، ما تفسيرك للعملية الإجرامية التي أقدم عليها هذا الشّاب في حق طفل صغير و بريء؟، و ما تفسيرك لهذا النوع من الأفعال التّي تهدّد أمن و استقرار أفراد المجتمع؟.
من خلال ما طالعتنا به الصّحف مؤخّرا يبدو أنّ قضيّة مقتل الطفل عبد الرّؤوف.ع على يد السّفّاح الذّي اختطفه من بين يدي أمّه كان  فعلا معزولا وغير مخطّط له فالطّفل تمّ قتله في مكان بعيد عن المنطقة التي ينحدر منها الطفل و والديه، لكن لا يهمّ هذا الأمر بقدر ما تهمّنا الظّاهرة ككل، خاصّة إذا ما علمنا أنّ مثل هذه الأعمال و السّلوكيّات متمثّلة في العنف الموجّه نحو الأطفال تعرف انتشارا واسعا و سريعا بمختلف الأشكال بما يهدّد الأمن النّفسي في مجتمع خرج لتوّه من أزمة عميقة متعدّدة الأوجه. إذا ما درسنا الأحوال النّفسية للمجرم عن قرب فإنّنا سنكون أمام فرد سيكوباتي (فرد يعاني اضطراب الشخصيّة المعادية للمجتمع- Cas de psychopathie-)، قد يستغرب البعض هذه القراءة لكنّ أصدق الدراسات التّي تتناول المجرمين تكون خارج الأسوار. هذه الجريمة نصنّفها في خانة العنف الشّرس فاستخدام القتل نحرًا قد يكون وسيلة للتعبير الانفعالي(عمل مسرحي) أكثر منه وسيلة لتصفية حسابات ماديّة او معنويّة مع والدي الضّحيّة. من غير المستبعد أيضا أن يكون الجاني منحرف جنسيّا (Pervers sexuel)، هل للأمر علاقة بحالة بيدوفيليا (عشق الأطفال Pédophilie)؟، وحده تشريح حالة القاتل عن قرب يكشف ذلك.
كيف تفسر تنامي الجريمة في الوسط الجزائري عامة و السطايفي خاصة ؟.
بعد خروج البلد من أزمة عميقة على مختلف المستويات السياسية، الاقتصاديّة و الاجتماعية، و بعد صدمة الإرهاب التّي تركت آثارا ذكرويّة عميقة (Des traces mnésique profondes) في نفسيّة الفرد الجزائري تبعا للخبرات المؤلمة التي مرّ بها هؤلاء، و في غياب برامج صحيّة ترتكز على تحقيق الأمن النفسي و تهتم بالصحّة النّفسيّة لأفراد المجتمع لن ننتظر أن يعيش النّاس في مأمن بعيدا عن التّهديد و الخشية( صدمة الهلع، الفزع و الخوف، و القلق). لذلك أرى بأنّ انتشار الجريمة في أوساط المجتمع هو نتيجة حتميّة و انعكاس لحالة نفسيّة متأزّمة مرّ بها المجتمع الجزائري. ولاية سطيف هي عيّنة بسيطة للمجتمع و هي ثاني ولاية من حيث السّكان، لذلك أجد من الطبيعي أن تعكس هذه الولاية صورة المجتمع الذّي تحدث فيه وقائع الجريمة حيث كلّما اتّسعت مساحة التّجمع السّكني كلّما ازدادت حالات الجريمة وبرزت أكثر، لا ننسى دور وسائل الإعلام في المدن في كشف و تناول هذه الجرائم، هناك جرائم أكثر تراجيديّة تحدث في الرّيف و لا بصلها الإعلام و يتحدّث عنها.
ما تحليلك للحالة النفسية التي يمر بها والدا الطفل و خاصة الأم التي ذبح  أمام عينيها ؟
سنتحدّث عن صدمة الأمّ و الأب المكلومين في ابنهما. دون شكّ سيعجز لسان الوالدين عن التّعبير كتعبير داخلي عن الصّدمة، قد يطول ذلك و قد يشعر الوالدين بتحسّن في الحالة النّفسيّة مع مرور الوقت؛ إنّ الخبرات المؤلمة تترك آثارا ذكرويّة عميقة (Des traces mnésique profondes)، تترك تغيّرات عميقة على المستويات المختلفة سواء كانت جسميّة و نفسيّة و اجتماعيّة. سيشكو الوالدين من حالة الصّدمة النفسيّة (Le traumatisme psychique ou psychotraumatisme)، قد تظهر أعراض عصاب صدمي لدى الوالدين إثر الصّدمة الانفعالية التيّ كانا عرضة لها، هذا العصاب يتّخذ في لحظة الصّدمة شكل نوبة قلق عارمة قد تتطوّر إلى حالة من الهياج و الذهول أو حتّى الخلط العقلي.
هل ترجعون عدم إقدام المواطنين إلى تقديم المساعدة إلى غياب الحس المدني ؟
دون شكّ، نحن نفتقد لثقافة الحسّ المدني، هذا الوعي يكتسب من خلال العمل التطوّعي، هو ثقافة تدرّس في المدارس حيث نجد هذا السّلوك متجذّر في أفراد المجتمعات المتقدمة، الإبلاغ عن السّلوكيّات المثيرة للانتباه و للشبهات يعتبر واجبا وطنيّا بل مسؤولية أخلاقية يعاقب عليها القانون. هناك سؤال بسيط يمكنّنا من فهم هذه الظّاهرة: كم من جزائري يتقن القيام بالإسعافات الأوّلية القاعديّة (Les premiers secours)أو تلقّى تدريبا على ذلك؟. يبدو أنّه لا يزال أمامنا عمل كبير لنصل إلى هذه المرحلة. لا ننسى جزئية مهمّة هي تلك المتعلّقة بعنصر المفاجأة حيث تفاجأ المواطنون بسرعة تنفيذ العملية حيث لم يترك لهم المجرم الوقت الكافي للتدخّل.
ما هي الطرق الأنسب للتصدي لمثل هذه الأفعال في وسط  استفحلت فيه الجريمة ؟ .
بعيدا عن الحلّ الأمني الذّي تلجأ إليه الدّولة في الغالب لمواجهة ظاهرة استفحال الجريمة، أعتقد بأنّ العمل على تحسين الظروف المعيشيّة للمواطنين إلى جانب تخطيط برنامج صحّي قويّ يستند بالأساس إلى تلبية حاجات النّاس الأساسيّة من التغطية الصحيّة بأنواعها المختلفة (صحة عضويّة و نفسيّة) سيساهم في التّقليل من حجم انتشار الجريمة إلى جانب تطوير أداء المنظومة الأمنية و القانونيّة الذّي يبقى على جانب من الأهميّة.
ما هي الحلول الأنجع التي تقدمها للمجتمع الجزائري لمواجهة هذه الجرائم من الناحية النفسية و الاجتماعية ؟.
عندما نُقدم على التّعامل مع أيّ مشكل من المشاكل يجب أن نضع في الحسبان أوّلا عديد العوامل المؤثّرة في هذا الأخير، وحده تشريح الحالة العامّة و الخاصّة للأطراف المعنيّة(ظروف قيام الجريمة) يكشف اللّبس و يعرّي المشهد، وحدهم علماء النّفس و الاجتماع و الأناسة يستطيعون القيام بالدّراسة و التّحليل حتّى يكون بإمكان رجال الإعلام نقل أخبار و صور مقنّنة علميّا فلا تسهم في زيادة انتشار الوباء و تأجيج الأمور في أوساط المجتمع( يقول إيلول1979 : ليس هذا الزّمن بزمن العنف إنّما زمن الوعي به)، كما يمكن أن يساعد هذا الأمر رجال الأمن على أداء واجبهم  في أحسن الظروف.
ريمة بوصوار/ مراسلة جريدة النهار من سطيف.
*للإشارة هذا الحوار المطوّل لم يكتب له النّشر على الرّغم من أهميّته لذلك ارتأينا إعادة نشره على صفحات المدوّنة لتعميم الفائدة.
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع