/ الضّغط الشّعبي المُستمِر، هل يحقّق التّغيير في الجزائر؟.*

القائمة الرئيسية

الصفحات

الضّغط الشّعبي المُستمِر، هل يحقّق التّغيير في الجزائر؟.*

الضّغط الشّعبي المُستمِر، هل يحقّق التّغيير في الجزائر؟.*
-رؤية تحليليّة نفسيّة-

يرى الدكتور أحمد بن بيتور أحد الوجوه السياسية البارزة و الدّاعية للتّغيير في الجزائر، و هو يقدّم مشروعه الوطني لإنقاذ الأمّة الجزائريّة و بناء الدّولة الوطنية بناء على أسس ترتكز على قيم مثلى تتماشى مع الطموحات الشّرعية للشّعب الجزائري أنّ التّغيير العميق و السّلمي الذّي ظلّ الشّعب الجزائري ينتظره منذ مدّة طويلة يمكن تحقيقه من خلال أدوات خمس: قوّة محرّكة، رؤية، قائد، عدد من الشّخصيّات المساندة، و أفراد ساهرون على إنجاز التّغيير، كما يعتقد أنّ شروطا ثلاثة قد تدفع عجلة تغيير النّظام سلميّا في الجزائر متمثّلة في الضغط الشّعبي القويّ و المستمر، تحالف قوى التّغيير، و انتظار فتيل الاشتعال، ما يهمّنا في مقالنا هو الشّرط الأوّل: فهل بإمكان الضّغط الشّعبي المستمر أن يساهم في إنجاز التّغيير المنشود في الجزائر؟.

في المفهوم الدّينامي الفرويدي في التحليل النفسي تعتبر الرّغبة اللاّواعية أحد قطبي الصّراع الدّفاعي حيث تنزع إلى التحقّق من خلال استرجاع الإشارات المرتبطة بتجارب الإشباع الأوّلي، تبعا لقوانين العمليّة الأوّلية[1]، انطلاقا من هذا التّعريف سنتحدّث عن التّغيير كرغبة تدور في لاوعي الفرد الجزائري، هذه الرّغبة تبحث عن التحقّق و الإشباع، و في حقيقة الأمر لن نكون مخطئين إذا تحدّثنا أيضا عن الأمنية فمصطلح الرغبة باللغة الألمانية يقابله مصطلح الأمنية باللّغة الإنجليزيّة، الفرق الوحيد بين المفهومين أنّ هناك حركة شهوانيّة يوحي بها مصطلح الرّغبة، و إذا ما كان كلّ هذا يحدث في دائرة اللاّوعي فنحن نتكلّم إذن عن نزوات الحياة(الإيروس) و نزوات الموت(الثاناتوس) المصاحبة لتجربة الإشباع؛ ففي تحقيق الرّغبة قد تتحقّق الحياة للأفراد كما قد يتحقّق الموت. هناك إدراك ما في لاوعي الفرد الجزائري لتجربة الإشباع، نذكر على سبيل المثال أحداث أكتوبر 1988 حيث انتفض الشّعب الجزائري مطالبا بالحصول على مزيد من الحريّات، و مُعلنا غضبه أمام نظام سياسي بدا مرتبكا جدّا و هو يحاول تطويق و احتواء تلك الثّورة الشّعبية دون النّظر في مسبّباتها. إذن هناك صورة ذكروية(Une image mnésique) لإدراك ما في اللاّوعي، هذه الأخيرة مرتبطة تماما مع الأثر الذكروي(Une trace mnésique) للإثارة وليدة الحاجة.
وصلنا الآن إلى نقطة مفصليّة مهمّة في فهم سيرورة هذه الحركة في اللاوعي، إنّها تلك المتعلّقة بالإثارة، الإثارة هنا تعني تلك الضّغوط المستمرة في مختلف الاتّجاهات(ضغوط السّلطة الحاكمة على الفرد، الضّغوط الاجتماعية- فرد/فرد، فرد/جماعة، جماعة/فرد، جماعة/جماعة-.)، ضغوط فوقيّة عموديّة نحو القاعدة، و ضغوط بينيّة أفقيّة، إضافة إلى الضّغط العمودي الذّي توجّهه القاعدة و نعني بها الشّعب نحو القمّة و نعني بها السّلطة الحاكمة، كلّ هذه الضّغوط المستمرة تخضع لقواعد فيزيائية مسلّم بها حيث الضّغط يولّد الانفجار(الانفجار يعني الإشباع في عرف علم النّفس)، الضغوط تحمل طاقة بأحجام مختلفة أيضا قد تكون كبيرة و قد تكون متوسّطة أو صغيرة، هنا نتحدّث عن انتشار الضّغط الكبير في الضّغط الصغير، يعني أنّنا نتكلّم عن سطوة ضغط على آخر بمعنى إذا كان ضغط السّلطة أكبر من ضغط الشّعب كانت الغلبة للسّلطة التي بإمكانها حكم الشّعب نظرا لقدرتها على التحكّم في عناصر الصّراع، و العكس صحيح أي إذا كان ضغط الشّعب قويّا بما يكفي للانتشار في ضغط السّلطة ساد حكم الشّعب و خضعت السّلطة الحاكمة لإرادة الشّعب.
بقي أن نتكلّم عن الحاجة (Le besoin)، فعند بروز هذه الأخيرة تحدث الحركة النفسية اللازمة و الرّامية إلى إعادة توظيف الصّورة الذكروية للإدراك، هنا نستطيع تفسير عدم انسياق الجزائريّين وراء ما سمي بدعوات الانضمام لما عرف بالرّبيع العربي، فعلى الرّغم من شهود الجزائر احتجاجات شعبية عنيفة في مناطق متفرقة من الوطن و متزامنة من حيث التوقيت مع تلك التي شهدتها تونس إلاّ أنّ الثّورة انطفأت و الغضب الشّعبي أفلّ قبل أن تتم الثّورة الشّعبية التونسية مسارها و تسقط نظام الرّئيس المخلوع زين العابدين بن علي، هذا الأمر يحيلنا إلى تجربة الإشباع الأولى و الارتباط الذّي سبقت إقامته بين الصّورة الذكروية للإدراك(أحداث 1988) و الأثر الذّكروي( ساهم في تراجع الحركة النّفسية على مستوى الأثر الذكروي المولّد للإثارة و وليد الحاجة إدراك صورة القمع الذّي قوبلت به الاحتجاجات ناهيك عن أثر ما يعرف بالعشرية السّوداء و ما خلفته من جروح نرجسيّة عميقة في شخصيّة الفرد الجزائري).
صحيح أنّ فرويد لا يوحّد بين مفهوم الحاجة و الرّغبة لكنّ التحليل النّفسي اللاّكاني استطاع أن يعطينا مفاهيم مكملة بإمكانها مساعدتنا على وضع تشخيص و فهم للحالة الجزائريّة على ضوء المنهج اللاكاني استنادا لتفسير مفهومي الحاجة و الرّغبة، حيث يعتبر لاكان أنّ الحاجة تستهدف موضوعا تجد فيه إشباعا لها، بينما يعبّر عن الطّلب الذّي يتوجّه إلى الآخر؛ في حين أنّ الرّغبة تولد من البون الفاصل بين الحاجة و الطّلب[2]، من خلال هذا الطّرح الجيّد نستطيع القول أنّ الجزائريّين لم يصلوا بعد إلى مرحلة الرّغبة حيث تكون العلاقة في جوهرها مع الهوام و ليس مع موضوع واقعي، هناك حيث لا تردّ إلى الطّلب رامية فرض ذاتها دون الأخذ في الحسبان لغة الآخر و لاوعيه(نعني بالآخر النّظام الحاكم/ السّلطة)، و كما يقول لاكان:"إنّما تتطلّب الاعتراف القاطع من قبله"[3].
و في انتظار الاعتراف القاطع من قبل الزّمرة الحاكمة برغبة الجموع، و في انتظار تسوية الصّراع و تحقيق الرّغبة يبقى التّغيير السّلمي و الهادئ مأمولا و ممكنا يغذّيه الضّغط الشّعبي القوي و المستمر على السّلطة للحصول على مزيد من الحريّات و الحقوق، و ممارسة المواطنة الفعليّة في إطار الدّولة الحديثة، دولة الحقّ و القانون على درب الرّخاء و التّقدّم.
*نشر بصحيفة الجزائر نيوز. 22 أفريل 2012
*نشر بصحيفة العرب. 18 جوان 2012




[1] جان لابلانش، ج.ب بونتاليس. معجم مصطلحات التّحليل النفسي. ترجمة: مصطفى حجازي. ديوان المطبوعات الجامعية. الطبعة الأولى -.1985. ص 260
[2] نفس المرجع. ص 261
[3] نفس المرجع. ص 261
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع