/ تمثيل المرأة في البرلمان الجزائري، ماذا يمثّل؟.

القائمة الرئيسية

الصفحات

تمثيل المرأة في البرلمان الجزائري، ماذا يمثّل؟.

المرأة الجزائرية تنتخب


تمثيل المرأة في البرلمان الجزائري، ماذا يمثّل؟.*
أشعر الآن بعد تجربة تمثيل المرأة في البرلمان الجزائري أنّ أشياء كثيرة تغيّرت، بل هناك أمورا أخرى ستحدث تباعا و ستؤدّي إلى تغيّر كبير على عديد المستويات في الجزائر؛ فما هو نوع هذا التّغيير، ماهي حدوده، و كيف حدث ذلك؟. لقد أقرّت السّلطة الحاكمة في الجزائر رفع نسبة تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة وفقا لإصلاحات أقرّها رئيس الجمهوريّة، و كانت أولى بوادر هذا الإصلاح على الرّغم ممّا شابه أو يُحسب عليه حصول المرأة على مائة و خمس و أربعين مقعدا من مجموع أربعمائة و اثنين و ستين مقعدا في الغرفة السّفلى بعد الانتخابات التّشريعيّة للعاشر من شهر مايو الجاري، و هو ما يعني حضور المرأة في ثلثي مقاعد المجلس. فماذا يمثّل هذا الواقع الجديد؟.


إنّ سنّ قانون يفرض تحديد نسبة ثلاثين بالمائة لصالح النّساء في القوائم الانتخابية غيّر بعض قواعد اللّعبة السّياسية، و منح النّظام الجزائري مصداقيّة ما أمام المجتمع الدّولي أكبر ممّا منح المرأة الجزائريّة التّي تتطّلع للقيام بدورها الاجتماعي وفق مختلف السّياقات الاجتماعيّة. يبدو أنّ النّظام يدرك جيّدا ما الذّي يجب القيام به لإطالة عمره، و المضي قدما نحو إقرار الاستمراريّة التّي يرفع شعارها منذ أكثر من خمسين سنة. علينا أن نعترف بمهارة نظام يستطيع أن يفهم ما له، و ما عليه، و ما يجب القيام به في الزّمان و المكان المناسبين على الرّغم من اعتراف قيادته في الواجهة بنهاية المَهمّة. كما علينا أن نفهم جيّدا أنّ مفاهيم نظريّة الاختزال الاجتماعي قد تمّ استيعابها و تطبيقها، و النتائج المحقّقة اليوم تبرهن على مكر و دهاء سلطة قادرة على التكيّف مع المتغيّرات، و إحداث التغييرات اللازمة التي من بينها توزيع السّلطة و إقرار المساواة و إلغاء التّفاوت.

لنفهم جيّدا علينا التّركيز جيّدا على الأدوات المستخدمة لإحداث التّوازن بين أفراد المجتمع الواحد، المُضطرب، القلق، غير المستقر، المُطَالَب بالتّغيّر و الذّي يُطالب بدوره بالتّغيير؛ علينا أن نعي أنّ عمليات تاريخية يجب أن تحدث في حياة المجتمع (هذا الأخير الذّي يتكوّن من رجال و نساء)، هناك حركات اجتماعيّة مستمرّة و يجب أن تستقرّ أحيانا لتواصل مسارها. لقد وجدت الجزائر نفسها معطّلة بعد أكثر من خمسين عاما من استرجاع السّيادة الوطنيّة و كان يجب أن يتحرّك صنّاع القرار بالسّرعة القصوى لمواكبة التغيّرات المختلفة على مستوى المجتمع المحلّي و المجتمع الدّولي ككلّ، لا سيما ما تعلّق بالتّغيّر الثقافي. في كلّ دول العالم تقريبا أعطيت المرأة أدوارا اجتماعيّة أكبر و فرصا أكثر بينما تأخّرت الجزائر في ذلك لأسباب عديدة أهمّها عدم إيلاء الأهميّة اللازمة لمساهمة و مشاركة المرأة في مسيرة البناء و التشييد و الرّقي بالأمّة. لن نتحدّث عن صدق نوايا السّلطة أو عدم صدقها في خياراتها الإستراتيجية المتعلّقة بدور المرأة، لكنّنا سنشير إلى جزئيّة مفادها أنّ اللاّوعي الفردي و الجماعي قد يعوق هذا التّطوّر لأنّ تغيير أنماط السّلوك ليس من السّهولة بمكان، خاصة لدى فرد لا يتمتّع بالثقافة اللاّزمة لتحقيق التّغيّر الأساسي، نقصد بذلك غياب ثقافة المواطنة، و المشاركة، و صعوبة قبول فكرة المساواة بين الجنسين في الحقوق و الواجبات اتّجاه الدّولة، هناك ما يعرف بالمقاومة و الرّغبة عكس القانون. إنّ إحداث التّغيير دون إطلاق الحريّات الأساسيّة و إقرار العدالة يعتبر مغامرة غير محسوبة العواقب، و تغيير الوجوه دون تغيير الذّهنيّات سيغذّي الكراهيّة، سيؤجّج الحقد و المقاومة، و يقضي على آمال إحداث التّجانس و التّوافق (اللاّوعي الجزائري يرفض في الغالب فكرة حصول المرأة على أدوار حيزت للرّجل وتمّ الفصل فيها منذ زمن بعيد لفائدة الرّجال كالعمل/ التّعليم/ ممارسة السّياسة/ القيادة).

إنّنا أمام مشكلة حقيقيّة متعلّقة بوضع المرأة و حقّها في الوجود و ممارسة دورها في المجتمع في ظلّ مناخ سياسي معقّد، غير واضح، عائم، عبثي، فوضوي، و مقابل تحسينات السّلطة التي تبقى سطحيّة و لا تساير التحوّل المجتمعي. نحن أمام أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة صريحة و صادقة، و أوّل هذه الأسئلة: هل دفع إفلاس النّظام و انهيار السّلطة نحو تغيير وضع المرأة أم أنّ هناك إرادة حقيقيّة لإحداث الاختزالات الاجتماعيّة اللازمة(تمكين المرأة) بعيدا عن البروتوكولات التقليدية؟، هل تدرك السّلطة الحاليّة أنّ الوقت  قد حان لإزالة العوائق التّي تقف في وجه الحريّة و المساواة بالنسبة للمرأة الجزائريّة خاصة في مجالات: التّعليم، العمل و السياسة أم أنّ الأمر لا يعدو أن يكون خطّة سياسية للاستمرار في الحكم دون تمكين المرأة؟.

يجب القول أنّ هذا الإنجاز(تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة) لا يعدو كونه ذرّ رماد في العيون، إنّ المجتمعات المتقدّمة كما المتخلّفة لا تختلف كثيرا في نظرتها للمرأة خاصة المرأة السّياسية، إنّ المجتمعات بمختلف أنواعها لا ترى المرأة صالحة تماما للمناصب السّياسية لا سيما العليا، و كلّنا نذكر ما فعله الفرنسيّون بمرشّحة الانتخابات الرّئاسيّة سيغولين روايال، و حتّى في أمريكا مع هيلاري كلينتون، يجب أن نعلم أنّه و إلى غاية 1979 لم تنتخب امرأة واحدة عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي، حتّى في عام المرأة (1992) في أمريكا لم تبلغ سوى ستّة نساء عتبة مجلس الشيوخ. هنا علينا أن نقرّ بأنّه يلزم وقت طويل لتغيير الممارسات الاجتماعية اليوميّة التّقليديّة، و يلزم وقت أطول لتغيير الذّهنيات أمام واقع و تفاصيل حياة ثقافية نعيشها و لا ندرك أبعادها المتجذّرة و العميقة، ما زال أمام اللاّوعي فرصة للمقاومة و ما زال للّساني فرصة للمناورة.

*نشر بصحيفة الجزائر نيوز. العدد: 2537، بتاريخ: 17 ماي 2012
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع