/ دُرُوبُ التِّيهِ العَظِيم

القائمة الرئيسية

الصفحات



دُرُوبُ التِّيهِ العَظِيم*

"الأمّة في خطر و البلد في انحراف نتيجة تراكم عدد من المصائب التي تتغذّى بينيّا و آليا، وهذا ينذر بحتمية الانفجار الاجتماعي و حلول العنف و سيطرته كوسيلة فريدة لتسوية النزاعات بين الأفراد، وبين جماعات من الأفراد، و بين مجموعات من الأفراد و السّلطة". هذا القول لرئيس الحكومة الجزائريّة الأسبق أحمد بن بيتور، و هو الرّجل الذّي عمل مع الرّئيس بوتفليقة الذّي تخلّى عنه في بداية الطريق بعد عام و نصف تقريبا[1]؛ بعد ذلك و بمرور أكثر من عشر سنوات يصرّح الرّئيس بوتفليقة صادحا:"إنّ الطّريق الذي سلكناه لم يؤدِّ بنا إلى الجنة. يجب علينا أن نعيد النظر في إستراتيجيتنا؟!!"، ماذا يعني كلّ هذا؟!، و هل كان الرّئيس يعي فعلا قيمة الخسارة و مقدار الخيبة؟!.


هناك أسئلة كثيرة يجب أن تطرح في هذا الصّدد، كما على الأجيال القادمة أن تعرف حقيقة هذا التّيه و قصّة هذا الغرق، فمن تيّه الرّئيس بوتفليقة يا ترى؟، من أضلّ طريق الرّئيس و النّاس؟، هل كان ذلك من فعل وزراءه الأقوياء و نقصد بهم من شكّلوا لفترة من الزّمن حكومة مُوازية لحكومة أحمد بن بيتور (وزير الطّاقة، وزير الصناعة و ترقية الاستثمار، و وزير المالية)؟، أم أنّ الأمر متعلّق برؤساء الحكومة من بعد بن بيتور، و نقصد بذلك عبد العزيز بلخادم و أحمد أويحيى اللذين أقاما تحالفا باسم "التحالف الرّئاسي" مع شريكهما أبو جرّة سلطاني (وزير الدّولة دون مهام)؟. الأسئلة كثيرة دون شكّ و الأجوبة مثل التجارب تحتمل الصواب و الخطأ لذلك سنحاول سرد بعض الوقائع لتبيّن الحقائق.

لقد أعلن الرّئيس في نيسان/ أفريل 2011 عن إصلاحات سياسية دون الحديث عن تعديل قوانين الإعلام و الانتخابات و الأحزاب، لكنّه استدرك بعد مدّة من الزّمن و أعلن عن تعديل هته الأخيرة، فهل استطاع الرّئيس أن يجنّب الجزائر بعد كلّ هذا طريق النّار؟. الجواب أنّ الرّئيس و من خلاله النّظام الجزائري يعتمد على الرّيع لإيجاد الحلول العاجلة للمشكلات المتجذّرة في المجتمع كالفقر و الفساد و فقدان الأخلاق و بروز وحش البيروقراطية، وهذا لم و لن يؤد لنتائج جيدة على الإطلاق، خاصة في ظلّ دعوة  بلخادم زعيم الأفلان و أويحيى زعيم الأرندي طرفا التحالف الرّئاسي و اللذين زكيّا برنامج الرّئيس لضرورة الاستمراريّة، فإذا فهمنا قول الرّئيس جيّدا فمعنى ذلك أنّ الطّريق الذّي سلكناه أدّى بنا للنّار، و إذا فهمنا خطاب زعيمي الأفلان و الأرندي باعتبارهما عرّابي برنامج فخامة الرّئيس فمعنى ذلك أنّ الشّعب عليه أن يختار الاستمرارية على طريق النّار، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، إذا اكتشف الرّئيس بوتفليقة بعد أكثر من اثنتي عشر سنة أنّه أخطأ فهذه مصيبة، و إذا قرّر بلخادم و أويحيى الاستمرار على الخطأ فهذه مصيبة أكبر.

صحيح أنّ البلد أمام منعرج خطير، و الحلّ يتطلّب قرارات حاسمة و شجاعة نادرة لكنّ هذا يتطلّب أيضا الصّدق في النّوايا قبل كلّ شيء. يعتقد كثير من متتبعي الشأن السياسي الجزائري أنّ الزّمرة الحاكمة لم يعد بمقدورها السّيطرة على الوقت و لا تمرير الإصلاحات كما يجب بسبب وجود مقاومة و ضغط رهيبين من الشّارع و المجتمع المدني و حتّى ضغط المقرّبين ممن يطالبون بالإسراع في التّغيير قبل فوات الأوان و حيث لا ينفع النّدم. لكن هل يتمّ التغيير بالوسائل التّي حدّدها النّظام سلفا و في ظرف قياسي كمنح اعتماد الأحزاب السياسية قبيل الانتخابات التشريعية؟.

طبعا لن يتمّ تجنّب طريق النّار بمثل هذه العمليات التجميلية التّي تُبطئ وتيرة الانحراف و تقود إلى المهلكة لا محالة !. إنّ التّغيير الحقيقي لا يتمّ من الدّاخل و بوسائل تقليدية إنّما يجب أن يكون شاملا، هادئا، متوازنا، متوازيا، تدريجيّا و سلميّا، و من خارج النّظام المتهالك. التّغيير لا يكون بالاستناد على الأغنياء الجدد و لا الأحزاب الجديدة و الخطابات الجديدة للوجوه القديمة، التغيير الحقيقي لا يكون بشراء أصحاب المال للسّلطة و لا يكون بتسلّق الانتهازيّين الحالمين لمدارج السّلطة على حساب المواطنين البسطاء الحالمين بغد أفضل، إنّما يتمّ بتوفير الفرص و الحرص على تكافئها بين الأفراد، التغيير المنشود لا يأتي من خلال انتخاب برلمان أعرج ولد في ظروف استثنائية تشبه إلى حدّ ما ظروف ولادة طفل في الطّريق العام أثناء نقل أمّه إلى المستشفى، إنّما يكون بمشاركة أفراد المجتمع في إحداث ضغط أكبر على السّلطة الحاكمة للحصول على الحريّات و الحقوق، و من ثمّة الانطلاق في مسيرة تغيير نظام الحكم ككل بكلّ هدوء و سلمية. لكن يجب مع هذا توفرّ عنصر مهم للغاية في العملية هو تحالف قوى التغيير، و سعي هذه الأخيرة إلى صياغة برنامج يمثل بديلا تنمويا لائقا و يستجيب لتطلّعات المجتمع.

إنّ التّدجين المُستمر للمؤسسات الدّستورية للدّولة(خرق الدستور و تعديله، الطّعن في مصداقية البرلمان...)، و خلق طبقة طفيلية شبيهة بالمجتمع المدني، و استخراج ما يشبه السياسيين من الأرشيف لتنشيط «الهملات» الانتخابية و غيرها من مظاهر الإخفاق، لا يمكن أن يقود إلى الجنّة بكلّ تأكيد في ظلّ الحكم الفردي و التّسلّطي، و في غياب المشاركة و المعارضة الحقيقيّة أيضا. نحن في حاجّة ماسة لابتكار وسائل عمل سياسية حديثة، و الانطلاق في التحضير للتغيير المنشود و المرتقب بعيدا عن التهريج الواقع حاليا بفعل دعاة الاستمراريّة على طريق النّار و النّزول إلى الجحيم.


[1] قاد بن بيتور الحكومة في بدايات حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ديسمبر «كانون الأول» 1999 إلى أغسطس «آب» 2000
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع