![]() |
السّؤال يستمر...؟ |
النّخبة
السّياسية في الجزائر؛ سؤالُ الوجود والمسؤوليّة؟!!. *
يقول الخبير الجزائري في علم الاجتماع ناصر جابي:«إنّ
التوزيع غير العادل للثروة، وبطالة الشّباب وخريجي الجامعات و المعاهد العليا
الذين يتزايدون كلّ سنة، وغياب حرية وسائل الإعلام، وعدم الاعتراف بالنقابات
والأحزاب والتضييق على نشاطها، وتقييد بعض الحريات، وزيادة الهوّة بين سياسات
الحكومة وطموحات الشباب، هي أسباب رئيسيّة من كثير الأزمات والمشاكل التي يعيشها
المُجتمع الجزائري، والتي ستعجّل بحراك شعبي لم تبرز الآن مؤشّرات طبيعته وأبعاده.« يحدث
كلّ هذا و سؤال وجود نخبة سياسية في الجزائر يتكرّر في كلّ مناسبة، فهل هناك نخبة
سياسيّة فعلا؟، و إذا كانت موجودة هل هي مسؤولة عمّا آلت إليه الأوضاع؟.
تحديد مفهوم النّخبة أولويّة مُهمّة
إنّ تعريف النّخب يتطلّب من الدّارسين حذرا
إبستيمولوجيّا و فلسفيّا للقبض على مفهوم جيّد و إحالته إلى الاستخدام العلمي
الموضوعي، إنّه على الرّغم من صعوبة التوافق على مفهوم واحد للنّخبة إلاّ أنّنا
سنحاول أن نصوغ مفهوما تقريبيّا وصفيّا لها حتّى يتحقق لدينا الفهم اللاّزم. نعلم
أنّ النّخبة هي الفئة المتميّزة في جماعة ما، فهي الطّبقة أو الشّريحة المنتقاة من
نوع عام، فالنّخبة إذا موجودة في حقل اجتماعي و تتّسم بسمة (Trait) غالبة، ناتجة عن فعل أو توتّر و خاضعة لسياق تنافسي و صراعي؛
تكتسب النّخبة صفتها بآليتين مهمّتين: آلية الاكتساب، أو آلية الوراثة. و هي أنواع
حسب تصنيفات متعلّقة بالموضع: (نخب محليّة، جهويّة، وطنيّة...)، أو بالقطاع:(نخب
سياسيّة، ثقافيّة، ماليّة...)، أو بالموضوع: (نخب السّلطة، المعرفة، الثّروة...)؛
وهكذا... لكنّ المتداول و الأكثر وضوحا هو التّصنيف القطاعي لذلك سنتحدّث عن نوع
معيّن من النّخب و نقصد بذلك النّخبة السّياسية دون غيرها.
نخبة سياسية موجودة أم غائبة؟
من خلال التّعريف السّابق للنّخبة نستطيع أن نقول
أنّ النّخبة السّياسية موجودة في الجزائر على الأقل منذ أكثر من خمسين سنة بقطع
النّظر عن مردوديّتها و حجم مسؤوليتها. نعلم أنّ النّخبة السياسية تتمتّع بحجم
أكبر من النّفوذ في المجتمع، و ذلك راجع إلى قدرتها على صياغة السّلوك بما في ذلك
صياغة السّلوك الثقافي أي صناعة الثقافة و توجيهها. صحيح أنّ هناك نخبا قطاعيّة
أخرى كالنّخب الثقافيّة و الاجتماعيّة، و الماليّة و التقنيّة و حتّى العسكريّة
لكنّها تذوب كلّها في النخبة السّياسية، أو لنقل أنّ مبلغ النّخب الأخرى هو
النّخبة السّياسية. هنا نصل إلى نتيجة مفادها أنّ النّخب مهما تنوّعت و اختلفت
يبقى تأثيرها ضعيفا بالمقارنة مع النّخبة السّياسية القادرة على صياغة النظم
المعيارية لتعكس مصالحها و تحميها. النّخبة السياسية إذا تمارس دورا قياديّا و تضغط
قصد الحصول على مزيد من السّلطة أي مزيدا من السّيطرة و القوّة.
النّخبة السياسيّة في الجزائر، هل هي
مسؤولة عمّا آلت إليه الأوضاع؟
يذكر المفكّر و الفيلسوف المغربي محمّد سبيلا في
مقال له بعنوان: "النخبة السّياسية والنخبة الثقافية في مغرب ما
بعد الاستقلال" ما يلي: «وكما تردّد ذلك السّوسيولوجيا الألمانية فإن
الحركات السياسية تكون ثورية في مرحلة الصعود ومحافظة في مرحلة الاستقرار في موقع
السّلطة وميّالة إلى السّوداوية والتشاؤم في حالات الانهيار أو الأفول أو الهبوط.
ويكاد هذا المنحنى أن يكون بمثابة قانون تاريخي لصعود وهبوط الحركات السّياسية.[1] « هذا تقريبا ما حدث و يحدث مع أولى النّخب السّياسية التي استأثرت
بالحكم مباشرة بعد استرجاع السّيادة الوطنيّة استنادا إلى الشّرعيّة الثّوريّة،
حيث قامت تلك النّخبة منذ فجر الاستقلال بإضفاء الطّابع المثالي اليوتوبي على
سلوكها، كما استخدمت هالة الثّورة التحريريّة لإضفاء القداسة و التمويه و التّمجيد
الذّاتي على الممارسة السياسية حينذاك. كما لم تتوانى تلك النخبة في إقصاء و تهميش
كلّ الفاعلات الأخرى التّي تختلف مع النّخبة الحاكمة في وجهات النّظر و المواقف
بما في ذلك النّخبة الدّينية ممثلّة في جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين؛ فكان
شعار كلّ المراحل إلى غاية سقوط القطب الاشتراكي" لا صوت يعلو على صوت الحزب
الواحد، و الرّجل الأوحد". بعدها
عرفت الجزائر ميلاد مجموعة هائلة من النّخب في شتّى المجالات و ذلك بميلاد
التّعدّدية لكنّ إصرار نخبة الشرعية الثّورية على الاستئثار بالحكم و استلاب
السّلطة، و تحالف النخبة العسكريّة مع بعض النّخب الخفيّة(نخب سياسية و ثقافية
خفيّة منتظمة على شكل عصب متطرّفة عصيّة عن الفهم، التغلغل و الاختراق في الغالب)
خذل النّخب الأخرى ممّا غذى العنف لمدّة تزيد عن العشر سنوات. بعدها استطاعت نفس
النّخبة السّياسية ممثلة في تنظيمات حزبيّة من الاستحواذ على السّلطة بتحالف
النخبة العسكريّة و الماليّة(ميلاد حزب التجمّع الوطني الديمقراطي)، حيث استطاعت
الأقليّة الاستحواذ على السّلطة من خلال موقعها في مركز اتّخاذ القرار، هنا أبان المشهد
السياسي عن نخبة تتشكل من الذين يشغلون مواقع قياديّة في المؤسسة العسكريّة و
السّياسية و الشّركات الكبرى. لا تزال هذه النخبة تحكم إلى يومنا هذا، و هي مسؤولة
مسؤوليّة تاريخيّة عن دوّامة الاختلالات و الانحرافات التّي عرفتها الدّولة
الجزائريّة بمختلف أشكالها منذ الاستقلال إلى الآن.
من خلال طرحنا السّابق نصل إلى خلاصة تفيد بأنّ
النّخبة السياسية في الجزائر لطالما كانت موجودة، لكنّ قانون الصّراع و التنافس
سمح بسيادة وظهور نخبة على أخرى نظرا لظروف تاريخيّة و سياقات ساهمت في تحديد
أطراف المعادلة. لكنّ هذا لا يعني أنّ باقي النّخب اضمحلت و انتهت بل ذهب دورها
وغاب فحسب، و قد آن أوان العودة إلى المنافسة في ظلّ ضعف أداء النخبة الحاكمة و
تراجع أسهمها لدى الشّعب بعد سقوط الأقنعة و تكشّف الحقائق إثر ربيع عربيّ عرّى
الواقع و كشف حجم الخسارة. إنّ خطابات الرّئيس بوتفليقة المتلاحقة مؤخرا كشفت بما
لا يدع مجالا للشّك عن حجم حالات الانهيار و الأفول و الهبوط لنظام يحتضر، و هي
الآن فرصة مواتية لتحالف قوى التّغيير من أجل جزائر عصريّة، متفتّحة، ديمقراطيّة و
حرّة.
*نشر بصحيفة الجزائر نيوز. العدد: 2545، 27 ماي 2012
د.محمّد سبيلا : النّخبة السياسية و النخبة الثقافية في مغرب ما بعد الاستقلال.
تعليقات
إرسال تعليق