عُمر جلاّب من عُمقِ
جِراحه يمُوتُ في الكلام..
منذ
مدّة طويلة لم أقرأ نُصوصا بلون فصوص أدبيّة غارقة في لغة هاربة حتّى عثرت على
كتاب الأديب عمر جلاّب، إنّه الموسوم "مِن عُمْقِ الجِرَاحِ"، يتمثّل
جوهر هذا الكتاب في سرّ العلاقة الموجودة بين اللاوعي و الكلام، وجدتني أقرأ عمر
بعناية كبيرة حتّى أفهم و أدرك مصير الكلمات.
عندما يسأل الله عمر جلاّب:
-
" ما معنى الحياة عندك يا عمر؟!، فيجيب أديبنا بعمق و حكمة:
-
أن أعيش لما أنا له شرط الاقتناع...
-
أما يكفيك هذا يا عمر وقودا لسير حياتك؟!؛ فيحذو عمر حذو الأنبياء، و يلبس
لباس العباد قائلا:
-
تعلم يا آ الله بأنّ الفلسفة وحدها ما أقامت حضارة، و لا
أسّست بناء بل تلزمها عاطفة و حماسة تترجم إلى الفعل لغة العقل... تعلم هذا يا ربّ
و أخفيت؟!!. ربّ.. أريد أن أنتحر؛ قد سئمت
الحياة !!."
إنّه الموت في الكلام يمكن أن يعطي
الحياة لما هو قادم من الأحاسيس و المشاعر، إنّ فعل "أعيش" جاء مجاورا
لشرط الاقتناع، فما دون الاقتناع موت، لذلك أراد عمر الانتحار لأنّ معنى الحياة
لديه لم يعد له وجود. هذه التساؤلات الفلسفية المفتوحة على عوالم ميتافيزيقية هي
حقيقة دامغة بأنّ هذا الأدب يخرج من مشكاة شاعرة، يتّحد فيها اللّساني باللاّوعي،
و يبدو في أبهى حلله.
ما أروعك يا عمر حين تتوصّل إلى
اللّغة الاستعارية، و تستبدل معيشك بالرّموز !. ما أسماك في حوارك مع الله !، و ما أجمل لغتك حين تقول:
"حزين أنا..
تقولون لم؟
أجيبكم.. لن أجيبكم، لأنّ الألم
أخرص لساني كما أخرص ألسنة المعذّبين في الأرض."
هي سُلطة الحرف و الكلمات في
اللاّوعي تمارس السّطوة عليك، و تُخرص لسانك فتحتار ما تختار، فأنت أدركت أنّ
الكلمة المتحوّلة إلى شيء ستخرج للحياة و بها قداسة لأنّ قبلها ألم و وجع أَلَمَّ
بصاحبها قبل الخروج و بعده. ليس سهلا على الإطلاق أن نتكلّم يا عمر، و قد قلت لها:
"فكّي قيود أسرك و ثوري !!
حطّمي أسوار الجسد فلسوف
تطمئنّي !!."
أم تراك تدعوها و تدعونا إلى تفكيك
الرّمز، و إحقاق التحرّر و الاستقلالية؛ إنّي أراك هنا تعيد قولك:
" لن أقول أكثر من هذا..
أُرِيدُ أن أكون حرّا بالمعنى الذّي
أُرٍيدَ لي !."
لنعُد إلى حضرتك أيّها الصّوفيّ العارف،
و لتدلّنا على طريق الله فليس يعرفها منّا أحد لم يطرق أبواب الرّوح، و الحُبّ و
لم يجرّب ولوج العوالم. أيّها الكاتب المحترق من نار الحياة؛ علّمنا كيف نموت في
الكلام، علّمنا كيف نصنع من الكلمة شيئا فقد ضاقت بنا السّبل، و أصبحت كلماتنا
غورا !.
تعليقات
إرسال تعليق