تمثّلات الرّغبة في
لغة أنقاض أكسيوم للشّاعر رشيد زهّاني
يقول
رشيد زهّاني:" كم نحتاج إلى المعاني حين تغربُ عنّا بعضٌ من شُخوصنا
العميقة !". هكذا يتحدّث الشّاعر الشّاب عن الرّغبة(بين
الحاجة و الطّلب) و إشباعها حين يعيش حالة الاغتراب و التوتّر الداخلي، و هكذا
يفتح شهيّتنا على قراءة الرّغبة(رغبته) في اللّغة(لغته) بحيث يشعرنا بالتّشابه
الكبير بينه و بيننا، أي بين القارئ و الشّاعر اللّذين يلتقيان حيث يسكُن المعنى.
رشيد
زهّاني في ديوانه "أنْقاضُ أكْسيُوم" حاول قدر الإمكان أن يقبض
على المعاني و يُحيلها إلى لغة شعريّة مدهشة تعبّر عن الرّغبة بداخله. إنّ إنتاج دال
الرّغبة من خلال الكلمات أو "صياغة البديل" كما يقول فرويد في
ديوان زهّاني أظهر جليّا قدرة الشّاعر على صناعة الشّعر خارج المألوف، مُشتغلاً
على تجربة الرّوح و خبرة الحياة استطاع زهّاني أن يتجوّل داخل مدينته و أنقاضها،
متحسّسا الأمكنة، و متحرّكا في مختلف الفضاءات و الاتّجاهات (الإنسان/ اللّغة/ الذّات/
الآخر...).
باعني
دهري
و
حملني يومي على دابّة العقارب فوق ظهري..
تمنّعت
عنّي ساعتي
و
رمتني الثانية في جزئها بهجو دون فخر..
أسقي
من ورد اللّطافة
تأسّفا
على ما طال من ظلال ذات سُعُر
تبرز صورة الرّاوي السّير- ذاتي و
هو يسرد الشّعر في لغة ذات روابط، حيث لا مسافة بين الذّات و الأشياء، بين الذّات
و الآخرين. اليوم/ الدّهر/ العقارب/ السّاعة/ الثانية/ الجزء من الثانية/ الظّلال
المُلتهبة كلّ هذه الألفاظ تساهم في تكثيف الصّور و تفتح لدى المتلقّي آفاقا واسعة
ما بين القراءة السّاذجة و المُركّبة، و تتوسّع لديه دوائر و فضاءات هي بين الوضوح
و الغموض؛ إنّها العلاقة بين الخيالي و الرّمزي من جهة، و إصرار الرّغبة على
الانفلات من الرّقابة، و تحقيق الإشباع. و لعلّ مشهد السّاقي المتأسّف على ما طال
من الظّلال المُلتهبة، هو أكثر مشهد تعبيريّ استطاع من خلاله الشّاعر أن يبيّن مدى
رغبته في الانعتاق من سطوة الزّمن الملتهب الممتدّ وراءه، و الخروج إلى الحياة
الجميلة الفسيحة. إنّ الشّاعر أو السّاقي هو كباعث الحياة في الأشياء يبحث عن
الخلاص من الزّمن المُلتهب المتآكل إلى الزّمن المبارك حيث لا يشعر الإنسان فيه بالإحباط
و الأسف و لا الضّجر أو الملل.
إنّنا لا نستطيع أن نقرأ أيّ نصّ
قراءة حقيقيّة تستنفد الغنى الدّلالي لكنّنا نستطيع أن نفكّ على الأقل بعض
شيفراته، و نحلّ ما التبس من بعض أفكاره، من أجل ذلك وجب أن نقف عند حدود النّص و
ننقل بأمانة للمتلقّي المتلهّف ما استطعنا من سيميائيّة النّص حتّى يقرأ ذاته في
الكلام، كيف لا و رشيد زهّاني يستفزّنا في تجربته السّير-ذاتية الشّعرية
بقوله:
كم هي مؤلمة معرفة اليقين و السّكوت عن
البّوح !.
فنبقى نتساءل: هل صحيح ما يقول
الشّاعر؟، هل معرفة اليقين مؤلمة حقّا؟، و هل المعرفة تقود إلى السّكوت عن البوح؟،
هل ينتج الألم عن معرفة اليقين أم السّكوت عن البّوح، أم كليهما معا؟. ما مدى
الألم الذّي ينتج عن معرفة اليقين/ عن السّكوت عن البّوح، عنهما مجتمعين؟. أما
تتحقّق اللّذة من وراء ذلك أيضا لأنّ دورة الحياة هي التّاريخ المترابط ما بين
لذّة و ألم؟؛ كلّ هذه الأسئلة و أخرى ترتبط بقراءتنا لرشيد زهاني الموغلة نصوصه في
سيمياء الدّال و لعبة المعنى.
سيّدتِي عجوزٌ لم تجاوز الثّلاثين
رغمَ فارِق التّجاعيدِ
فَتَحَتْ بابَ الدُّنُوِّ
اسْتَبَقْتُ العَقْدَ
ففضَحَنِي تزويرُها المُتقنُ لقوائم
الشّباب !!
لقد تحدّث الشّاعر عن حبيبته
(السيّدة ذات الثلاثين ربيعا) التّي راودته ففتحت عليه باب الدّنو(الاقتراب)، فما
كان منه إلاّ أنِ استجاب لرغبته و رغبتها(محاولة الإشباع) مُستبقا العقد الذّي
بينهما(فارق التّجاعيد- فارق السّن). ثمّ ما يلبث الشّاعر أن يلتفت إلى تجربة
إشباعه أين يعترف بالفشل في استرجاع الإشارات المرتبطة بتجارب الإشباع الأوّلي، و
تحقيق اكتمال إشباع الرّغبة( فضحني تزويرها المتقن لقوائم الشّباب)، و هنا نلاحظ
كيف أفضت الصّور إلى حقيقة النّقصان في الرّغبة. يبدو المشهد كمتسابق في مضمار
طويل يصطدم صاحبه بحاجز فيوقفه، هذا ما يسمّى بالرّقابة أو بمعنى منع الرّغبات
اللاواعية من العبور إلى نظام ما قبل الوعي- الوعي، لذلك قلنا بأنّ الرّغبة على
علاقة بالهوام، و بالتّالي ليست في جوهرها علاقة بموضوع مستقل عن الذّات.
إنّ تجربة رشيد زهّاني الإبداعية
استطاعت أن تفتح أعيننا على علاقات هي غاية في الأهميّة من حيث معرفة خبايا النّفس
البشرية و حقائق الرّوح؛ إنّها علاقة الحلم بالكتابة، التمثّل و اللّذة، الأنا و
الآخر، هي بحقّ منجم للمعنى مفتوح للبحث و التنقيب في سبيل الإضافة إلى المعرفة
الإنسانيّة.
تعليقات
إرسال تعليق