أحمد بلقمري ليومية كواليس
"أكتب لأحاول الإجابة عن أسئلة تخنقني".
حاوره: محمد رفيق طيبي
الأربعاء 27 مارس 2019. العدد: 2590
كتب أحمد بلقمري
روايته الأولى الجندرمي منطلقا من معطيات مكانية وزمانية لها خصوصياتها. ودخل تجربة
الشّعر الشّعبي من بوابة واسعة ليوظّف
نصوصا داخل المتن السّردي بشكل مختلف، كما عرف بمواقفه الثقافية والسياسية خاصة
وأنّ الحوار يتزامن مع الحراك الشّعبي الذّي تعرفه الجزائر، في هذا اللّقاء يتحدّث
عن الرّواية، مشاريعه القادمة، والكثير من التفاصيل الأدبية والثقافية المرتبطة
به.
- مرحبا
صديقي أحمد، بغرض التمشي في حوار مسعاه إضاءة تجربتك الأولى في السرد، أرى أنّه من
الضروري أن نجد هامشا لسؤال ثقيل بشكل من يكون أحمد بلقمري، وماهي هواجسه، وكيف،
ومتى قرر الالتحاق بالكتابة؟.
أنا كاتب جزائري، وصلني بعالم الكتابة كتاب قصصيّ للأطفال أهدتنيه معلّمتي
في الصّف الابتدائي، وقد أثرّ ذلك الأمر في بشكل كبير، فقد نقلني الكتاب إلى عوالم
مثيرة ورائعة، ووضعني على سكّة الخيال والكتابة منذ ذلك الحين. أنا أكتب لأنّني أشعر
بأنّني لم أقل شيئا يوافق الأفكار التّي تخطر ببالي، أكتب لأحيل اللّحظات إلى ما
أمكن من صور كتابية تؤرّخ لها، أكتب لأنّني أشعر أنّ الإنسان باحث مستمر عن معنى
الكلام، عن الحقيقة، عن الجرح النّرجسي الذي يأبى الالتئام.
- في روايتك الجندرمي تكتب في زمكانية بعيدة (ما قبل
الثورة)، ما الذي يدفع كاتبا شابا إلى استعادة تلك المرحلة، بشكل آخر هل هناك نقاط
ظل أو محطات في ذلك التاريخ تثيرك، وتدفعك للكتابة داخل هذا الإطار؟.
كتبت نصّ الجندرمي لأنّني اكتشفت
إنسانا عظيما عاش بيننا، أحسست وأنا أستمع لقصّته أنّه تعرّض للظّلم كثيرا، هذا
الشّعور ألهمني وجعلني أنخرط دون كلل في كتابة قصّته كما تصوّرتها، فكتبت عن
طفولته، ومراهقته، ورشده، وشيخوخته، كتبت عن الزّمن الماضي كما لو كنت هو، مشيت
على التراب الذي مشى عليه حافيا، انزويت لوحدي في الأماكن التي اختارها للابتعاد
عن الناس، التقيت الأشخاص الذين التقاهم، تفهّمت غضبه، قرأت الحسرة التي بدت على
عينيه حين ضيّع كثيرا من الأشياء، بكيت لبكائه، وسافرت معه على ذات السّفينة،
وسكنت معه نفس الشّقة، أمّا المرأة التي أحب، فقد كانت فوق الوصف، والخيال، أردت
أن أكون الرّاوي العليم عميق المعرفة بالجندرمي، فكان هذا النّص.
-العلاقة العاطفية بين العيد الشّاب الفقير المنحدر من
قرية صغيرة، وسارة ابنة مدينة قسنطينة، هل تؤكد للقارئ من خلالها أنّ العاطفة تبقى
متجاوِزة دوما للسياقات المالية والاجتماعية للأفراد، هل بكتابة قصة العيد وسارة
تشي بأنّ حنينا ما يدفعك لكتابة رومنسية تراجعت كثيرا في سياقنا الحالي؟.
في الحقيقة، أنا من الكتّاب المتحيّرين، أبحث دوما عن فحوى السّر والعلاقة
بين التراب، الإنسان والزّمن، كما أعتقد أنّ دور الكاتب هو القبض على اللّحظات
وإحالتها إلى كلمات تداوي الجرح النّرجسي العميق في ذات الإنسان الباحث عن الكمال.
سارة كان لها معنيان في حياة العيد عشقي وجغرافي، لم يستطع نسيانها لأنّها تمثل
بالنسبة إليه الأرض والحياة معا. العاطفة أكبر من اختزالها في علاقة رجل وامرأة، فهي
تجاوز بقدر سعة الأرض والسّماء. نحن لا نبحث حاليا عمّا هو فينا، بداخلنا، لذلك
نعيش هذه الفوضى وعدم الاستقرار والثبات، ما هو فينا يلتئم مع ما هو حولنا، وعلينا
كبشر فهم ذلك، وعيشه بعيدا عن الكبت والاحتباس.
-القارئ العارف بسيرة أحمد بلقمري يكتشف بسرعة منطلقاتك
المكانية، فمدينتك التي تنحدر منها (بليمور بولاية برج بوعريريج) قريبة مكانيا من
المشاهد التي رسمتها في الجندرمي، كما أنّك استعدت تاريخها المحلي في وقفات كثيرة،
ممكن توضيح؟.
ليس من كاتبٍ
كان له يوما أثرٌ في تاريخ الأرض التي ولد بها إلاّ بعض الكتاب العظماء كشكسبير،
دانتي، وهيجو، أنا أكتب لأحاول الإجابة عن بعض الأسئلة التي تخنقني، وأدرك أنّ
للّغة دور في ربط الصلة بين التراب، الإنسان والزّمن، من أجل ذلك اهتممت بنقل
تفاصيل المكان لأنّه يشكّل بالنسبة لي جزءا لا يتجزّأ من العاطفة، من شعور
الانتساب. لا يمكن لأحد أن يمحو التاريخ أو يتجاوزه، لذلك أردت من خلال نصّ الجندرمي
أن أقول للنّاس تأمّلوا التّراب قبل الإنسان ففيه كثير من الأجوبة التي تخافون
مواجهتها.
- وظّفت داخل عملك نصوصا من الشّعر الشعبي، والشّعر
الفصيح أنت كاتبها، ماهي علاقتك بهذه الأجناس، وهل تتصوّر أنّها خدمت النّص؟.
التجريب في رواية الجندرمي جعلها متميّزة بإضافة نصوص من الشّعر الشّعبي
والشّعر الفصيح، وهذا بهدف إعطاء شحنات قويّة من الإبداع لقارئ النّص، فيجعله متحمّسا
ومتمسّكا بإكمال قراءة الرّواية.
- شخصية العيد الجندرمي تبدو مثيرة وغامضة، وقد توقفت عن
السّرد في مرحلة مبكرة جدّا من حياة العيد، هل سنلتقي بالجندرمي مجدّدا في نصوص
أخرى؟.
عاش العيد طفولة صعبة وقاسية، فقد توفي والده، وغاب إخوته الذكور عن البيت
لأسباب مختلفة، وهو ما جعله يتحمّل مسؤوليات البيت العائلي لوحده، كما أنّ الظلم
الذي تعرّض له جعله يغادر بلدته في سنّ مبكّرة، وهو ما انعكس على البناء النفسي
لشخصيته، وجعله متمرّدا وثوريّا. التوقّف عن السّرد كان محكوما علي-ضرورة-. تركت
باقي الرّصيد الثّوري للعيد حتّى لا أنطلق من فراغ حين أقرّر الكتابة عنه مجدّدا،
لا أريد لنص ثان أن يولد ولادة قيصرية بل طبيعية.
- تبعا للرّوح الثورية التي ختمت بها النّص، والتي ستدفع
العيد للمغامرة، وبناء مسار حافل ضمن الجيش الفرنسي، ولاحقا ضمن صفوف ثوار جبهة
التحرير وربطا بسياقنا الحالي، كيف تنظر إلى نتائج ما قام به جيل العيد الجندرمي،
أي ما بعد الاستقلال تزامنا مع الحراك الشعبي الذي تعرفه الجزائر هذه الأيّام.
ما قام به جيل العيد الجندرمي كان من أجل استقلال الفرد، فحينما استقل
الفرد في فكره تفجّرت الثّورة. هم يحسّون بالقطيعة بين الأجيال، وقد أدركوا مؤخّرا
أنّهم ارتكبوا جرما شنيعا حين قالوا: "نحن حرّرنا البلد"، حيث كان ينبغي
عليهم القول أنّهم حرّروا أنفسهم قبل تحرير التراب. على هذا الأساس، أعتقد أن جيل
الجندرمي يشعر بحجم الخطأ الذي ارتكب في حقّ الأجيال المتعاقبة، فقط لأنّهم لم
يدركوا دور اللّغة، وتكلّموا بفجاجة عن إنجازاتهم حتّى سقط احترامهم. الجيل الحالي
انتفض وشكّل حراكا شعبيا عظيما عبر إجماع جديدة مستندا إلى وسائل التواصل الحديثة،
وقد أحدث ذلك هزّة عنيفة على عديدة المستويات، وهو بصدد إنهاء القطيعة بين الشّعب
ولغته.
- سؤال أخير، علاقتك بالنّشر، متّى تصل الجندرمي إلى
القارئ المحلي، وهل هناك أعمال أخرى في الأفق؟.
رواية الجندرمي ستنشر نهاية شهر مارس 2019 بدار نشر تركية كبيرة، وستكون
متوفّرة بعدها في كلّ المعارض العالمية للكتاب، حاليا أنا أشتغل على كتابة نصّ
روائي جديد بعنوان "رجال النخل"، بعد ذلك سأعود لكتابة الجزء الثاني من
رواية الجندرمي.
تعليقات
إرسال تعليق