/ الخروج من البئر.

القائمة الرئيسية

الصفحات

الخروج من البئر.
قلم: أحمد بلقمري

لو كنت جزائريّا مثلي، أعطني بعض الوقت لأروي لك قصّة العلق في البئر: تخيّل معي أنّ اسمك "عيّاش محجوبي-رحمه الله-"، تخيّل أنّك علقت داخل بئر عميقة، حين كنت تحاول تجربة النّزول إلى الأسفل، أو التقدّم إلى الوراء، أو حين خطرت ببالك فكرة غريبة لتجريب ذلك، قد تكون نفس الفكرة التي خطرت قديما ببال الأمازيغي عبّاس بن فرناس لمّا حاول الطّيران؛ فجأة ستشلّ حركتك، وتصبح غير قادر على فعل شيء، للأسف، ستكون علقت !!. نعم، علقت داخل بئر، حاولت التخلّص ممّا فعلت لكنّك علقت فعلا، لا شيء يخلّصك غير نداءات تطلقها، صرخات، أنّات، بكاء ودموع، يسمعك، واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، عشرون، مائة، ألف، أكثر من ذلك، يتجمّعون حول البئر، يحاولون إنقاذك، إلاّ مسؤولا سياسيّا جبانا كان منشغلا بتفقّد مشاريع فخامة الرّئيس !!!. بالنّسبة له، لم يكن مهمّا أن تكون لك فرصة للعيش، فرصة لأن تكون على قيد الحياة، فأنت لا تساوي شيئا أمام صورة للرّئيس تمزّق أو يكتب عليها بالطّبشور لا... لا أنت، ولا أخوك، ولا أحد مثلكما له الحقّ في الحياة، حتّى وإن كانت هذه الحياة في شبه صحراء شحيحة الماء، وقليلة البشر. للأسف الشّديد، ستموت يا "عيّاش" بعد أيّام من محاولة خرق الشّرنقة والخروج للحياة مجدّدا، سيتضامن معك الجميع، يضحّون من أجلك، يفعلون كلّ شيء من أجل أن تعود مرّة أخرى لتعزف بــ"القصبة" أفضل لحن على الإطلاق، لحن الحياة !.  
هل فهمت شيئا ممّا قلته لك، أعلاه؟.
أعرف أنّك شعرت بالضّياع أمام كلام كهذا، سأشرح لك الأمر على عجل لتفهم ما أردت قوله، أنت وأنا نعيش في بئر عميقة منذ مدّة طويلة، طويلة جدّا، بدأت القصّة قبل أن نولد، فهناك من سرق الحبل والبكرة والدّلو، وأغرقنا جميعا، كان كلّما أراد الصّعود إلى السّماء قام بإغراقنا، بالماء، بالعرق، بالدّم، بالتّراب، بالرّمل، بكلّ ما لا نستطيع احتماله !.
أعرف أنّك لم تفهم إلى حدّ الآن، قم فقط بالتالي:
ارغب، واطلب حاجتك، أحلم، قم بنفس الفعل الذي قام به فخامة الشّعب الجزائري يوم 22 فبراير 2019، اجمع قواك كلّها، اجعلها قوّة محرّكة، وأخرج، إلى الأعلى صوب فخامة الرّئيس الذي لا تراه سوى في صورة جامدة معلّقة على ثلاثة أرجل خشبية. التحق بالجموع، أخرج، واصدح بدعوتك، قل: لا سيّد هنا سوى الشّعب !. لا تلتفت لما يقال، لا تشتّت قواك يمنة ويسرة، صوّب هدفك نحو الأعلى، واصرخ: لقد خرجنا من البئر، يا سادة!.
آه، نسيت شيئا مهمّا، قبل أن تقرّر الخروج من البئر، عليك بمشاهدة فيلم عبقريّ مبهر بعنوان "البئر Le puits"، وهو فيلم درامي جميل لمخرج سينمائي جزائري اسمه: لطفي بوشوشي، تدور أحداث قصته في  نهاية خمسينيات القرن الماضي أثناء فترة الاحتلال الفرنسي حول معاناة سكان إحدى القرى الجزائرية التي قام الجيش الفرنسي بمحاصرة سكّانها من النساء والأطفال ومنعهم من الاقتراب من البئر الوحيدة التي يتزوّدون منها بالماء، فكلّ من يقترب من البئر يقوم جنود الاحتلال بإطلاق النّار عليه، فيكون مصيره الموت.
نسيت أن أقول لك، أيضا، أنّك بعد مشاهدة الفيلم ستفهم أنّ النّصر هو حليف من يمتلك الإرادة، وليس من يملك القوة.
أخي في الحلم، انزع القبّعة، تعال معي، ولنهتف معا: لقد خرجنا من البئر، أيّها العالم !.
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع