النموّ السكاني في البلدان العربيّة نعمة أم نقمة؟
العدد: 63 التاريخ: 13/7/2011
تشير الإحصاءات السكانية إلى أن عدد سكان الدول العربية يتضاعف كلّ ثلاثة عقود تقريباً مقارنةً بنحو 116 عاماً في الدول المتقدمة، كما تشير إلى أن عدد سكان الدول العربية بلغ في العام 1970 نحو 112 مليون نسمة وارتفع إلى نحو 307 ملايين في العام 2004، ويقدر أن يبلغ نحو 484 مليون نسمة في العام 2025 ونحو 851 مليون نسمة في 2050.
الاستناد إلى نظرية الاقتصادي البريطاني توماس مالتوس(1766 -1834) الذي اعتبر أن عدد السكان يزيد وفق متوالية هندسية بينما يزيد الإِنتاج الزراعي وفق متوالية حسابية، وهو الأمر الذي سوف يؤدي حتماً إلى نقص الغذاء والسكن، الاستناد إلى هذه النظرية إذاً يقود إلى توقع أن يؤدّي النموّ الساني أو الديموغرافي في البلدان العربيّة إلى نتائج كارثية. إلا أن النظريات المتعدّدة التي دحضت فكرة مالتوس تشير إلى عكس ذلك. فلقد انتقد كلود مياسوClaude Meillassoux نظرية مالتوس مثلاً، بحجة أن عدد سكان العالم بلغ في العام 1960 نحو 3 مليارات نسمة، وأن عدد الذين عانوا من سوء التغذية بلغ ملياريّ شخص أي بنسبة(66 %)، فيما يبلغ سكان العالم اليوم 6 مليارات يعاني منهم 800 مليون نسمة من سوء التغذية أي بنسبة(13.3 %). كما استند النقد حالياً إلى إفادة العالم من الاستخدام المكثّف للوقود الأحفوري وما يؤدي إليه من تزايد في موارد الطاقة والمردود الزراعي(الثروة الخضراء)، فضلاً عن التبادل العالمي لسلع الكفاف بتكاليف نقل جدّ منخفضة...
إن وضع حدّ للنموّ السكاني لن يسهم في حلّ مسألة هدر الموارد أو تدهور البيئة. ما قد يحدّ من ذلك، بحسب الاقتصادي والسياسي الفرنسي ريمون بار Raymond Barre، هو العودة إلى القوانين الأساسية للنموّ الاقتصادي التي توازن ما بين زيادة السكان وزيادة الموارد، فيما أشار العالم الديموغرافي الألماني هيرفينغ بيرغ في مؤلفاته العدّة، ومنها كتاب "المنعطف الديمغرافي"(2001) وكتاب "الجيل الذي ضاع" (2005) أن التراجع السكاني في أوروبا، من تمثيل السكان الأوروبيّين 25 % في العام 1950 إلى11 % حالياً و7 % مستقبلاً سيجعل من تلك الدول أقزاماً ديموغرافية مع نهاية هذا القرن، محذّراً من الآثار السلبية لهذا المصير، سواء على صعيد الانسجام الاجتماعي أم على صعيد النسيج السياسي في البلدان الأوروبية.
واعتبرالاقتصادي البريطاني كولن كلارك Colin Clark أن النموّ السكاني عامل مشجع على التنمية، مؤكداً أن هذا النموّ يؤدّي على المدى الطويل إلى التنمية الاقتصادية، وليس العكس، وذلك بالاستناد إلى دراسته لتاريخ أوروبا حيث كانت الثورة الصناعية والزيادة في الإنتاج الزراعي مصاحبة لنموّ سكاني كبير.
واعتبر جوليان سيمونJulian Simon ، وهو أحد الاقتصاديّين في جامعة ميريلاند، أن النموّ السكاني مصدر أساسي للنموّ الاقتصادي، وأن الموارد محدودة بالقدرة على اختراعها، وأن القدرة على الاختراع تتزايد مع تزايد عدد العقول التي تحاول حلّ المشكلات.
مؤشرات متفرقة
لئن كانت قراءة أثر الديموغرافيا على البلدان العربية لا تهدف إلى مناقشة ما إذا كان النموّ السكاني عاملاً مشجعاً للتنمية الاقتصادية، أو العكس، أي ما إذا كان النموّ السكاني ليس عاملاً ضرورياً أو مشجعاً للتنمية الاقتصادية، فإن إيراد بعض المؤشرات يؤكّد ما ذهب إليه هؤلاء الخبراء وسواهم في أن الزيادة السريعة أو الكثيفة للسكان لا ترتبط ارتباطاً حتمياً بالتخلف أو بنقص الغذاء، من ذلك مثلاً الصين التي ارتفع عدد سكانها من 500 مليون بحسب إحصاءات العام 1949 إلى 1.315 مليار نسمة العام 2005، أي بما ما يزيد على الضعفين، والتي رافق هذا التضاعف الهائل لسكانها توجه رؤوس الأموال والاستثمارات وهجرتها إليها عقب انفتاحها الاقتصادي في بدايات عقد التسعينيّات من القرن الماضي، شأن دول جنوب شرق آسيا التي تدفّقت الاستثمارات إليها بفعل توفّر الأيدي العاملة الرخيصة.
هذا فضلاً عن اتجاه عدد من بلدان شرق وجنوب شرق آسيا، وعلى الرغم من من كثافتها السكانية، التي تجاوزت 1.6 مليار نسمة، من تحقيق معدلات نموّ اقتصادي قياسي تراوحت بين 8.5 % و10.5 %، نتيجة التركيز على الاستثمار في الفرد على اعتبار أنه أساس التنمية، ما ولّد وفرة في اليد العملة ذات الخبرة والمهارة العالية، ومردودية عالية للعمال، وسرعة التكيف مع التطوّر التكنولوجي الحاصل في العالم واستيعاب أحدث الأساليب العلمية، وانخفاض أجور اليد العاملة الذي خفض تكلفة الإنتاج وأسهم في زيادة القدرة التنافسية لبضائع المنطقة، واتساع السوق الاستهلاكية الذي سمح لهذه البلدان باستهلاك إنتاجها والحدّ من تبعيتها لصادراتها...إلخ، واحتكار المنطقة عموماً 21 % من حجم المبادلات التجارية العالمية منها 10% لليابان العام2004. وقد أصبحت اليابان القوة الاقتصادية الثانية في العالم وباتت تمتلك 7 من أكبر 10 بنوك في العالم، كما احتلت كوريا الجنوبية المرتبة 1 واليابان المرتبة 2 في إنتاج السفن عالمياً، وتحوّلت الصين إلى سادس قوة صناعية في العالمhttp://salimprof.hooxs. com/t1870)).
في المقابل، صنّف التقرير السنوي لعام 2008 لـ المكتب الإقليمي لشرق المتوسط التابع لـ منظمة الصحة العالمية، صنّف كلاً من الكويت والإمارات وقطر من بين أعلى دول إقليم شرق المتوسط، من حيث النموّ السكاني، وذلك بمعدلات نموّ سنوية للسكان بلغت على التوالي: 9.3 % في الكويت، 6.2 % في الإمارات، 5.2 % في قطر. فيما سجلت الكويت أدنى معدل بطالة في الإقليم للعام 2007، بلغ 1 %، وحلّت الإمارات ثانية بنسبة 4 %.
ما تفصح عنه هذه المؤشرات
تثبت هذه المؤشرات حقيقة مهمة، أقلّه أن العلاقة بين النموّ السكاني والمعضلات الاقتصاديّة ليست حتميّة. وإذا ما كان ثمة من مشكلة أو أكثر ارتبطت بالنموّ السكاني في بعض البلدان العربيّة، ولاسيما أن الوطن العربي يتميّز ببنيةعمرية فتية، يشكّل مَن هم دون سن الخامسة عشرة أكثر من ثلث سكانه، إذا ما كان ثمة من مشكلة إذاً، فهي ليست بالتأكيد نتيجة لهذا النموّ بل الأرجح أنها نتيجة الخلل في الاستراتيجيات والخطط التي من شأنها استثمار هذا النموّ السكاني كرافعة للنموّ والتنمية الاقتصاديّة. فبحسب عبد الرزاق الفارس في كتابه "الفقر وتوزيع الدخل في العالم العربي" ازداد السكان العرب منذ ثلاثينيّات القرن الماضي مثلاً، بسرعة أكبر من سرعة التوسّع في الموارد الأرضية والمائية المستخدمة، وبسرعة أكبر من سرعة تكثيف استخدامها أيضاً، ما أثّر في انخفاض حصة الفرد من الأراضي المزروعة التي تقدر بنحو 3.31 هكتار فقط، مع انخفاض كبير لحصته من المياه المحدّدة سنوياً، والتي تقدر بنحو 1200 متر مكعب، فيما يتوقّع الخبراء المختصّون زيادة حدّة مشكلة المياه في المستقبل مع زيادة عدد السكان، وتراجع نصيب الفرد العربي من المياه في العام 2025 إلى نحو 500 متر مكعب سنوياً. هذا فضلاً عن الآثار السلبيّة للمعضلة الديموغرافية في الدول العربية على زيادة حدة البطالة، وغيرها من الظواهر الاجتماعية السلبية مثل زيادة مساحة المناطق العشوائية ومدن الصفيح، وازدحام المدن وتلوثها وارتفاع معدلات الفقر وما شابه. ثم إن الانتقال أو التحوّل الديموغرافي الذي يشهده العالم العربي وبدرجات متفاوتة بين أقطاره، "بدأ منذ زمن الانخفاض في نسب السكان للفئة العمرية دون 15 عاماً والمزيد من ارتفاع نسب السكان في سنّ 64 عاماً، وهو ما يعرف علمياً باسم النافذة الديموغرافية أو ما هو متعارف عليه بـ "الهبة الديموغرافية" والتي تعتبر منحة مؤقتة تستمر لفترة تتراوح ما بين 30 إلى40 عاماً، وما يترتّب عن هذا التغيّر في هيكلية السكان من خلق فرص مؤاتية للنموّ الاقتصادي في الأجل القريب والمتوسط باعتماد سياسات موائمة لهذا الحدث الهام"( قطيطات، أحمد،"الهبة الديمموغرافية في الوطن العربي"، 2007 ).
غير أن واقع الأمر يشير إلى عدم استثمار البلدان العربيّة لهذه الفرصة النادرة الحدوث بشكل كافٍ، على الرغم ممّا أفضت إليه السياسات والاستراتيجيات السكانية والبرامج السكانية والصحية والتنموية والتعليمية من تفعيل للوضع الديموغرافي الأمثل. بحيث لا تزال هذه السياسات السكانية- ولأسباب بنيويّة أساساً- غير مدمجة ضمن خطة تنموية متماسكة وواضحة الأهداف من شأنها تنمية الموارد البشرية لغايات التنمية.
تعليقات
إرسال تعليق