هل تصلح السياحة البيّنيّة العربيّة ما أفسدته السياسة؟
العدد: 93
التاريخ: 21/9/2011
تشير بيانات "منظمة السياحة العالمية" إلى أن السياحة في العالم تتوزّع ما بين 82% سياحة بينيّة و18% سياحة بعيدة، وتمثّل تلك النسبة في أوروبا نحو 88%سياحة بينيّة و12% سياحة بعيدة، وفي شرق آسيا والباسيفيك 79% سياحة بينيّة و21% سياحة بعيدة، فيما لا تشكّل السياحة البينيّة على مستوى الوطن العربي سوى 42% مقابل85% للسياحة البعيدة، مع توقعات المنظّمة بانخفاض السياحة البينيّة العربية في العام 2020 من 42% إلى 37%، وازدياد نسبة السياحة البعيدة إلى63%. وهذا ما تؤكّده الأرقام أيضاً، المستقاة من تقريرٍ لجامعة الدول العربيّة تحت عنوان "الدول العربيّة في أرقام ومؤشّرات" صادر العام 2008. حيث تفوّقت على سبيل المثال نسبة السيّاح الأوروبيّين الوافدين إلى عدد من الدول العربيّة السياحيّة على نسبة العرب الوافدين باستثناء لبنان. إذ بلغت نسبة العرب من السياح القادمين إلى الأردن32.3 % مقارنةً بـ45.7% للأوروبيّين، ونسبة السياح القادمين إلى تونس 38.5% للعرب و59.8% للأوروبيّين، وإلى الجزائر 33% للعرب و53 % للأوروبيّين، ومصر 17.7% للعرب و71.6% للأوروبيّين. أما لبنان فبلغت نسبة العرب الوافدين إليه 80.3% للعرب مقارنةً بـ8.8 % للأوروبيّين.
وشهد العقد الماضي جهوداً عربيّة لتطوير التنمية السياحيّة البينيّة العربيّة، برزت نتائجها بحصة القطاعات السياحيّة الجاذبة للاستثمار من حجم الاستثمارات البينيّة العربيّة التي ارتفعت من 1.43 مليار دولار العام 1995 إلى نحو 14 مليار دولار العام 2007 (الأسرج، حسين عبد المطلب، الاستثمارات العربيّة البينيّة وإشكالية البطالة في الدول العربية،2011)، وبالاهتمام العربي المتزايد بموضوع السياحة البيّنية العربيّة. حيث وقّعت "المنظمة العربية للسياحة" اتفاقية تصبح بموجبها ممثلاً لمنظمة السياحة العالمية في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يسمح لها بخدمة صناعة السياحة على امتداد المنطقة العربية، من خلال القيام بإجراء عدد من المسوحات السياحية، وتنفيذ مجموعة من برامج عمل مشتركة، وتوسيع مشاركة الدول العربية في المحافل الإقليمية والعالمية المتخصّصة، وإقامة ندوات ومؤتمرات تخدم التنمية السياحية بإشراك القطاعين العام والخاص...إلخ؛ فيما قامت المنظمة بتوقيع اتفاقية إنشاء شركة خاصة برأسمال قدره 113 مليون ريال سعودي، لتسهيل استفادة المواطنين في الدول العربية من العروض المتاحة في الفنادق والمنتجعات والشقق الفندقية وفق برامج زمنيّة مجدولة مسبقاً، تضمن تحقيق مستوى إشغال للنزل السياحية على مدار العام وبأسعار تلبّي احتياجات السيّاح، وتسهم بالدرجة الأولى في تطوير مستوى السياحة العربيّة البينيّة. وكذلك إنشاء مشروع الصندوق العربي السياحي برأسمال 500 مليون دولار بتحالف مع شركتين استثماريّتين عربيّتين هما شركة البلاد للاستثمار السعودية وشركة المدينة للاستثمار والتمويل من دولة الكويت.
وفي ختام أعماله في نيسان/أبريل الفائت، أوصى ملتقى تنشيط السياحة العربيّة، الذي عقدته منظمة السياحة العربيّة بالتعاون مع وزارة السياحة المصرية، وبرعاية جامعة الدول العربية بمشاركة وزراء سياحة الأردن والبحرين والسودان ومصر وفلسطين في مدينة شرم الشيخ، بتعزيز العلاقات بين الدول العربيّة وبتطوير خطط سياحيّة مشتركة وتنمية الصادرات والإسهام في تنمية الاستثمارات العربية والعالمية لدول المنطقة كافة، ودعم السياحة البينيّة بين الدول العربيّة وإزلة مختلف المعوقات أمام السائح العربي تحت شعار "نحو سياحة عربية متكاملة". فيما تبنّى الاجتماع الثالث عشر لمجلس وزراء السياحة العرب في مدينة الإسكندرية( حيث تمّ تدشين المدينة كعاصمة للسياحة العربية لعام 2010 بعد تبنّي المجلس الوزاري العربي للسياحة مبادرة عاصمة السياحة العربية) برامج الاستراتيجية السياحيّة العربية ومشاريعها، مثل برامج تطوير التدريب والتعليم السياحي، وبرامج تنشيط الاستثمار العربي في المشاريع السياحيّة، وبرامج التنمية السياحيّة للمجتمعات الأقل حظاً للحدّ من الفقر والبطالة، ناهيك بمناقشة موضوع محاولات إسرائيل استخدام المواقع التراثيّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة للترويج لرحلات سياحية إليها، أي إلى إسرائيل. حيث أكّد وزراء السياحة العرب على متابعة تنفيذ الشقّ الخاص بالتنمية السياحيّة في قرارات "القمّة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية" التي عقدت في الكويت في كانون الثاني2009، وفي مقدّمتها زيادة إسهام السياحة العربيّة في تنشيط أداء الاقتصاديات العربية بتشجيع السياحة العربية البينيّة، وتنمية الكوادر العربية العاملة في صناعة السياحة وتأهيلها، وتشجيع مراعاة مفاهيم السياحة المستدامة لحماية المقوّمات السياحيّة التي تتمتّع بها الدول العربيّة، وتأمين المناخ الملائم للاستثمار في القطاع السياحي لتشجيع القطاع الخاص العربي على زيادة استثماراته في المشاريع السياحيّة.
إلام تشير هذه المعطيات والنسب؟
يظهر كلّ ما ورد من معطيات ونسب أن مقوّمات البنية السياحيّة العربيّة بحاجة إلى مزيد من النموّ والدعم، ولاسيما أن للمنطقة إمكانات هائلة وثروات طبيعيّة وأثريّة وبشريّة لا بدّ من استثمارها لتفعيل الأخوة بين أبناء الوطن العربي، نظراً للروابط الثقافيّة والدينيّة والقوميّة والّلغويّة التي تجمعهم. حيث أشارت إحصاءات "منظمة السياحة العالمية" إلى أن منطقة الشرق تحتوي على أكثر من مائة ألف موقع سياحي تتحقّق فيها درجة الأصالة والعراقة وأن مصر بالتحديد تحتلّ المرتبة الأولى في هذا المجال ومن ثم العراق في المرتبة الثانية وإذا ما أعاد العراق ترميم آثاره ومواقعه السياحية واكتشاف العديد منها فإنه سيحتلّ المرتبة الأولى، وبجدارة، ناهيك بأهميّة تعزيز السياحة الثقافيّة التي تتحدّد عموماً بالسفر "بهدف التعرّف أو استكشاف الجاذبيات التاريخيّة والثقافيّة، والتعرف إلى تراث الجماعة المقصودة بطريقة ممتعة وناجحة"؛ هذا في الوقت الذي تتكوّن فيه مادة هذه السياحة الثقافية من المعطيات التاريخية والفنّية والعلمية والتراثية والمعيشية لجماعة ما أو منطقة ما أو مؤسّسة ما"(محمد شيّا، السياحة البيئيّة في لبنان، 2004)، ولاسيّما أن ظاهرة السياحة الثقافيّة وكذلك البيئيّة التي يحرص عالم اليوم على تنميتهما تحت تأثير تحوّل النشاط السياحي إلى علم كامل(Tourismology) ظاهرة من شأنها، إذا ما تمّ استثمارها بينيّاً، أن تتجاوز أهدافها كعامل انفتاح وتضامن بين البلدان العربية إلى رافعة لهويّة الأمة الحضاريّة ولأمنها البيئي.
يذكر أن استطلاع رأي على الموقع الإلكتروني لمؤسّسة الفكر العربي(نشر في النشرة الإعلاميّة للمؤسّسة،"متابعات"، العددالثامن، آب/أغسطس2009)، أظهر أن 65.9 % من الذين شملهم الاستطلاع سبق لهم أن زاروا المعالم الأثريّة والسياحيّة والمواقع المهمّة داخل بلدانهم، وأن50 % منهم سبق أن زاروا المعالم الأثرية والسياحية والمواقع المهمّة في بلدان عربية أخرى، فيما ذكر93.3% أن القيام بمثل هذه الزيارات الأثرية والسياحية يشكّل خطوة ضرورية. الأمر الذي ترجم الاهتمام المتزايد منذ تسعينيّات القرن الماضي برسم توجهات مختلفة عن عدد من الأنماط السياحية السائدة، كالسياحة الترفيهية، والسياحة الرخيصة، والسياحة الكثيفة، وذلك لصالح السياحة المتميّزة، وكذلك رغبة بعض المواطنين العرب بالانفتاح على دول عربيّة أخرى، وإيمانهم أو قناعتهم بأهمية السياحة الثقافية بعامة والسياحة البينيّة بخاصة، كاتجاه يشير إلى أن جمهور الثقافة عموماً في عالمنا العربي ليس غائباً، بل ربما يحتاج إلى سياسات تنموية ثقافية من شأنها زيادة هذا الجمهور وتغذيته في الحقول الثقافية كافة، ومنها السياحة الثقافيّة والبيئيّة التي تمثّل عنصراً أساسياً من عناصر السياحة البينيّة.
التحديات
كانت الدراسة الصادرة عن "المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية" في العام 2008، قد نبّهت إلى "أن السياحة البعيدة سريعة التأثر بالأحداث والمتغيّرات والشائعات التي تروّجها وسائل الإعلام الأجنبية التي تضخّم من الحدث البسيط بقصد التأثير السلبي الشديد على حجم السياحة الأجنبية الوافدة، في حين أن المواطن والسائح العربي لا يتأثران بتلك الأحداث والشائعات بل على العكس من ذلك(..) وأن تسهيل السياحة البينيّة العربية من شأنه أن يسهم في تحسين فرص الاستثمار وفرص العمل في العالم العربي، لأن الصناعة السياحيّة تحتلّ حالياً المرتبة الأولى في العالم، وتمثّل 5.8% من الاقتصاد العالمي، وأن ثمة نحو11% من سكان العالم يعملون في القطاع السياحي، وأن الإنفاق على السياحة سيتضاعف مع حلول العام 2012 ليبلغ نحو 180 مليار دولار ويوفّر نحو 3 ملايين فرصة عمل خلال هذه الفترة".
وفي بيان لـ"الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء"، أن حركة السياحة الوافدة إلى مصر خلال شهر يونيو/حزيران العام 2011 سجلت تراجعاً بنسبة 29%، مقارنة بمعدلاتها في شهر يونيو من العام 2010؛ وأن عدد السائحين القادمين من مناطق العالم إلى مصر، تراجع خلال شهر يونيو الماضي ليبلغ نحو 732 ألف سائح، مقارنةً بالفترة ذاتها من العام الماضي التي بلغت 1.029 مليون سائح. وأوضح البيان أن السياحة الوافدة من مناطق أوروبا الغربية، سجلت أكبر نسبة انخفاض بنحو 35.2% تلتها أوروبا الشرقية بنسبة تراجع سجّلت28.5%. في حين أظهر البيان نفسه أن حركة السياحة العربية سجّلت تراجعاً طفيفاً خلال شهر يونيو 2011 بنسبة 0.3% ليبلغ عدد السائحين العرب الوافدين نحو 182 ألف سائح، مقابل 184 ألف سائح في العام الماضي. وهذا ما يؤكّد ما ذكره "المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية" في أن السياحة البعيدة أكثر تأثراً بالأحداث والمتغيّرات من السياحة البينيّة.
لكن ثمة تحديات تواجه القطاع السياحي العربي بعامة، والسياحة البينيّة بخاصة، نتيجة عوامل عدّة، من بينها عدم الاستقرار السياسي والأمني في بعض الدول، وحاجة البنية التحتيّة المتعلّقة بالقطاع السياحي إلى مزيد من الدعم، فضلاً عن الإجراءات المعقّدة والروتينيّة التي تعرقل انتقال السائح العربي بين بلد عربي وآخر أكثر من تلك التي تواجه نظيره الأجنبي.
والواقع أن الجهود العربيّة لتطوير التنميّة السياحيّة البينيّة العربيّة، والتي تُرجمت، على سبيل المثال لا الحصر، بارتفاع حصة القطاعات السياحيّة الجاذبة للاستثمار من حجم الاستثمارات البينيّة العربيّة، لا تشكّل بالضرورة مؤشراً إيجابياً مطَمْئناً، خصوصاً أن تركّز الاستثمارات العربيّة البينيّة في الأعوام الأخيرة في قطاع السياحة مرتبط بطبيعة الاقتصادات العربيّة الريعيّة المنسجمة مع متطلّبات العولمة، أكثر من ارتباطه بالاستثمار الإنتاجي، سواء بشقيّه المادي والبشري. وهذا ما يفرض على الدول العربيّة، من جملة ما يُفترض عليها القيام به، وفي ظلّ المساعي الجارية لتحرير خدمات القطاع السياحي والانضمام إلى الالتزامات السياحية التي نصّت عليها اتفاقيات منظمة التجارة الدولية، أن تحرص على التوازن ما بين متطلبات القطاع السياحي كمجال اقتصادي محدّد في السوق الرأسمالية من جهة، والسياحة الثقافية غير الخاضعة من جهة ثانية لآليات السوق.
تعليقات
إرسال تعليق