الحَرَاك
الشّعبي في الجزائر: ثورةُ استعادة الفَضَاء العُمومي.
قلم:
أحمد بلقمري
حدث ذلك كلّه فجأة، خرج الجزائريّون إلى الشّارع في 22
فبراير2019، فاستعادوا الفضاء العمومي، وحاصروا الحكم الاستبدادي القائم على
علاقات السّلطة التراتبية والجماعية. في ثقافتهم السّياسية، كان الجزائريّون إلى
وقت قريب يعتقدون أنّ ما هو خارج المنزل العائلي ليس ملكا لهم، بل هو ملك للدّولة
التي تمثّلها أدوات القوّة ومظاهرها (الجيش والشرطة). كانت المواقف الاستبدادية
تنمو، وتعزّز ويسعى كثير من النّاس إلى الحفاظ عليها، واستمرّ هذا المناخ الثقافي
في إطالة عمر الحكم الاستبدادي، إلى أن جاءت لحظة الحقيقة، يوم أن تفوّق تطوّر
المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع الجزائري على هذه الثقافة السياسية
الاستبدادية، وصدح الصّوت المطالب بالتغيير الدّيمقراطي خارج أسوار البيت، فصار
الفضاء العمومي ملكا للجميع، لا للدّولة الاستبدادية !.
فجأة، اكتشف الجزائريون أنّ الحياة السياسية هي الصّراع،
وعليهم أن يخرجوا من أجل قضيتهم، هتفوا: "جزائر، حرّة، ديمقراطية"، فكان
ذلك رهانهم الأكبر. كانت عاطفتهم أكبر ممّا يحتمل، فقالوا: "يتنحاو
قاع"، بمعنى رحيل كلّ من كان وليّا للدّولة الاستبدادية، عليه أن يرحل قبل أن
يرحّل !.
كان من الصعب الحديث عن العواطف في زمن الثورة السّلمية، السّلمية، فكان من الصّعب
نكران العواطف، التي أبت إلاّ أن تخرج فنونا مختلفة، وُرُودا، ورسوما، وموسيقى،
ومشاهد مسرحية، خرجت العواطف عبر كلّ أشكال الفنّ، تحدّى النّاس ماضيهم بمفردات
أوصلت العواطف إلى مناطق العقل، فتحرّر العقل، والجسم، والنّاس أجمعين.
صارت القصّة عاطفية وواقعية، كلّ يوم تعاش حكاية جديدة
بالوعي في الشّوارع، والأزقة، والحدائق، والفضاءات والمرافق العمومية، وكلّ
الأمكنة. صار شيء ما أساسي يدفع نحو الخروج عبر البوابة القريبة، ذلك الشّيء الذي
أريد له أن يموت إلى الأبد، ذلك الشّيء الوثيق الصلة بالمأزق الذي تركنا الرّئيس
المخلوع عليه بعد أن وجدنا فيه قبل عشرين سنة. بحثنا عن الكلمات لوصفه بعد 22
فبراير، فلم نجد أفضل من "يتنحّاو قاع"، بمعنى رفض شكل الدّولة التي
يعتبرها الدّكتاتوريون والجماعات الاستبدادية الأداة الرّئيسية لممارسة السيطرة،
هكذا هم يريدون استخدام هذه البنية السياسية، والجيش، والشّرطة، والبرلمان
بغرفتيه، وحتى العدالة ليبسطوا سيطرتهم المطلقة على المواطنين، إنّهم محافظون يعملون
من أجل بقاء الدّولة، أو هكذا يريدون أن يسوّق لهم جهاز الإعلام الفاسد الذي لا
يبتعد يوما بعد يوم عن الأخلاقيات، والتدقيق بعناية في المادة الإعلامية.
هناك سؤال آخر يطرح نفسه باستمرار: كيف سمح الجيش باستعادة
الشّارع من طرف المواطنين دون مواجهتهم بالقوّة؟، وكيف تمّ استيعاب ذلك من كلّ
طرف؟، والجواب على ذلك بسيط جدّا، هناك ارتباطات تاريخية هامّة وقوية بين الجيش
والشّعب، تترابط إيجابيا، ويغذّيها توجّه جديد لقيادة الجيش الحالية وهي رابطة
جيش-أمّة، يسعى من خلالها الجيش لأن يكون متمسّكا بتجسيد مطالب الحراك الشّعبي، كما
يدعو للصّبر واليقظة، ومن جهة أخرى، يعتقد الشّعب الجزائري أنّ الجيش مطالب
بالانفتاح أكثر على التغيير، والمساعدة في تحقيق الانتقال الدّيمقراطي دون وصاية
أو سطوة ترتبط سلبيا مع الاستبدادية، بل يدعوه لتحديد ذلك في إطار المرافقة، فلا
يريد منه أن يكون مسيطرا على المشهد السياسي، ولا داعما للقوى الفاشلة في تسيير
الدّولة، لهذا السّبب يبدو الجزائريون مصرّين على رسم حدود فاصلة بين مطالب
حراكهم، وحركتهم في الشّارع، والوضع الآمن والمستقرّ، والمأمون الذي يتوجّب على
الجيش توفيره دون الدّخول في مهاترات تنظيم العلاقات الاجتماعية والسياسية. هذا
الأمر يتوازى تاريخيا، وبشكل مباشر مع الموقف الذي اتخذته جيوش الدّول التي سارت
في طريق الانتقال الدّيمقراطي.
تعليقات
إرسال تعليق