شخصيّة قاتل الطّفل عبد الرّؤوف كما ظهرت في وسائل الإعلام
(رؤية تحليليّة نفسيّة)
قلم: أحمد بلقمري
![]() |
من يحمي الطّفولة في بلدنا؟ |
إنّ خطورة ما حدث يوجب علينا كباحثين و مختصين في علم النّفس العيادي التوقّف عند الحدث و تقديم قراءة تحليلية للحادثة، إنّ اللّحظة التّي وقع فيها الحادث تعتبر ذات أهميّة كبيرة لأنّها ستكون نقطة الانطلاق لوصف مشهد لا يمكن لأحد أن يتجاوزه أو يقفز عليه. إنّ تقديم قراءة نفسيّة وفق المعطيات المتوفّرة سيكون بمثابة خطوة لازمة لا غنى عنها على طريق كشف الحقيقة و تنوير الرّأي العام قصد تبديد بعض من القلق و الشّك الذّي استحوذ على النّفوس، حيث ساد منطق الخوف و الفزع و الهلع في أوساط النّاس خشية الاصطدام بنفس المصير و التّعرّض لنفس النّهاية. إنّ تقديم إجابات ممكنة لعديد التّساؤلات الآن قد يساعد على إيجاد مخرج ما من هذا المأزق النّفسي العميق، و أولى الأسئلة التّي تفرض نفسها هي تلك المتعلّقة بالجاني: هل كان القتل نحرًا وسيلة لتصفية حسابات ماديّة أو معنويّة؟، هل يعتبر استخدام العنف الشّرس ضدّ طفل في سنّ الخامسة متعلّقا بانحراف جنسيّ معيّن (عشق الأطفال Pédophilie )؟، هل قام الجاني بتحضير مسرح الجريمة أم أنّ الأمر حدث بصفة غير متوقّعة، فجأة و بسرعة؟، ماذا عن الحالة النّفسيّة للأمّ المكلومة في صغيرها؟، كيف ستواجه هذه الأمّ الصّدمة و كيف ستتعامل معها؟، ماذا عن والد الضحيّة و حالته النّفسية؟، ماذا عن حالة المجتمع و الرأي العام الذّي استقبل خبر استخدام العنف الشّرس ضدّ طفل بريء؟... وحده تشريح الحالة العامّة و الخاصّة للأطراف المعنيّة يكشف اللّبس و يعرّي المشهد، وحدهم علماء النّفس و الاجتماع و الأناسة يستطيعون القيام بالدّراسة و التّحليل حتّى يكون بإمكان رجال الإعلام نقل أخبار و صور مقنّنة علميّا فلا تسهم في زيادة انتشار الوباء و تأجيج الأمور في أوساط المجتمع( يقول إيلول1979 : ليس هذا الزّمن بزمن العنف إنّما زمن الوعي به).
ما حدث كان جريمة قتل بشعة قد يكون الفاعل الرّئيسي فيها فردا يعاني اضطراب الشّخصية المعادية للمجتمع(الفرد السيكوباتي)، وهو في العادة فرد يستهين بحقوق الآخرين و ينتهكها، فيكون بذلك من النّوع الذّي أخفق في الامتثال للقواعد الاجتماعية، يتّسم بالخداع و الكذب المتكرّر و الاحتيال(يحمل بعض صفات الشّخصية السّادية: يتلذّذ بإيلام الآخرين، و يكون هذا الإيلام جسديّا أو معنويّا،1-جسديّا: الضّرب/التعذيب/ العض/الجلد/البتر/العنف و العدوان بأنواعه، 2-معنويّا:الشّتم/الإهانة/التّحقير و غيرها). يكون السيكوباتي في العادّة مندفعا و يعاني من إخفاق مستمرّ في التّخطيط لمستقبله، يستثار بسرعة و يتميّز بالعدوانيّة، يتشاجر مع الآخرين و يعتدي عليهم مرارا، لا يبدي أسفا على إلحاقه الأذى بهم و يستهتر بذلك. يبدو قاتل الطفل عبد الرّؤوف ذو شخصيّة سيكوباتيّة وفقا للمعلومات المتوفّرة لدينا لحدّ الآن من خلال وصف وسائل الإعلام للجاني و الظروف المحيطة بالحادث. إنّنا لا نستطيع الجزم نهائيّا بسيكوباتيّة القاتل(وضع تشخيص كامل و جازم من الصّعوبة بمكان) في ظلّ عدم توفّرنا على المعلومات الكافية لكن هناك افتراض قويّ بأنّ القاتل في نهاية الأمر قد استوفى بعض المعايير لهذا الاضطراب( السّيكوباتية La psychopathie). قد يعتقد البعض أنّ هذا الفرد مجنون أو مصاب بما يعرف بالذّهان (La psychose) أو العصاب (La névrose) لكنّ الحقيقة أنّ الفرد السّيكوباتي لا ينتمي إلى هذا أو ذاك حيث تظهر عليه أعراض اللاّستقرار، القهريّة و صعوبة الحياة(صعوبة التوافق النّفسي)، هو فرد يعاني بالأساس من عدم تكيّفه الاجتماعي مع محيطه، حيث يفتقر إلى الشّعور بالنّدم وهو ما نراه في لامبالاته عند إلحاقه الأذى بالآخرين، يبدو أنّ الجاني يقترب من اضطراب الهويّة حيث حدث الاتصال بين عالمين مختلفين: عالم الرّاشدين(الجاني) و عالم الأطفال(الضحيّة)، هنا نقف عند حدود عدم الاستقرار في صورة الذات و الإحساس بها. إنّ تشخيص حالة القاتل (ذو شخصيّة سيكوباتيّة) يجعلنا نستبعد تماما فرضيّة القتل نحرًا كوسيلة لتصفية حسابات ماديّة أو معنويّة؛ لكن هناك جزئية مهمّة في تشريح حالة القاتل و هي تلك المتعلّقة بعشق الأطفال، هنا ينبغي علينا أن نجيب على التّساؤل الآتي: هل يعتبر استخدام العنف الشّرس ضدّ طفل في سنّ الخامسة متعلّقا بانحراف جنسيّ معيّن (عشق الأطفال Pédophilie )؟، من غير المستبعد أن يكون الجاني منحرف جنسيّا(Pervers sexuel) حيث يعاني وجود الخيالات و الإلحاحات الجنسيّة شديدة الإثارة و متكرّرة في نفس الوقت اتّجاه طفل أو مجموعة أطفال، حيث يتصرّف هذا الشّخص وفق هذه الإلحاحات أو الخيالات الجنسيّة ممّا يشكلّ له صعوبة و ضيق شديدين ينعكسان سلبا على قدرته على التوافق.
هذا من جهة، و من جهة أخرى سنتحدّث عن صدمة الأمّ و الأب المكلومين في ابنهما. دون شكّ سيعجز لسان الوالدين عن التّعبير كتعبير داخلي عن الصّدمة، قد يطول ذلك و قد يشعر الوالدين بتحسّن في الحالة النّفسيّة مع مرور الوقت؛ إنّ الخبرات المؤلمة تترك آثارا ذكرويّة عميقة (Des traces mnésique profondes)، تترك تغيّرات عميقة على المستويات المختلفة سواء كانت جسميّة و نفسيّة و اجتماعيّة. سيشكو الوالدين من حالة الصّدمة النفسيّة (Le traumatisme psychique ou psychotraumatisme)، قد تظهر أعراض عصاب صدمي لدى الوالدين إثر الصّدمة الانفعالية التيّ كانا عرضة لها، هذا العصاب يتّخذ في لحظة الصّدمة شكل نوبة قلق عارمة قد تتطوّر إلى حالة من الهياج و الذهول أو حتّى الخلط العقلي.
إنّ جريمة قتل بشعة في حقّ طفل بريء تحدث في مجتمع ما لهي أكبر من جريمة أو خطأ حيث تحمل تفسيرات عديدة و تقبل تحليلات كثيرة، إنّ ظاهرة العنف في حياتنا اليوميّة و تجلّيه في أشكال و أنساق متعدّدة يجعلنا نواجه مستقبلا تحديّات كبيرة جدّا لا سيما وجوب بذل مجهودات مضاعفة من أجل احتواء الجريمة و الجريمة المنظّمة، و كذا ضرورة تحسين المستوى المعيشي بما يضمن من جهة تحقيق تنمية على كافة المستويات الثقافية، الاجتماعيّة، السياسيّة، الاقتصاديّة، النّفسيّة، الإعلاميّة، و من جهة أخرى سيعود هذا الأمر بالإيجاب على الحياة النّفسيّة للأفراد بما يضمن توافقهم و تكيّفهم و يحقّق أمنهم النّفسي.
تعليقات
إرسال تعليق