مصر الجديدة، إلى أين؟.
قلم: أحمد بلقمري
تحت النّجاحات اللاّمعة للإخوان المصريين بعد ثورة 25 يناير، و بعد صعود التيار الإسلاموي بقوّة بمناسبة انتخابات مجلس الشّعب، ها هو المشهد السّياسي المصري ينبري عن صورة قاتمة للمستقبل بعد عودة فلول النّظام السّابق إلى الواجهة من خلال مرور الجنرال أحمد شفيق أحد أبرز رجالات مبارك إلى الدّور الثاني من الانتخابات الرّئاسية التي يفصلنا عنها أقلّ من أربع و عشرين ساعة. هي هكذا مصر الجديدة قبيل ساعات فقط من الحسم في اختيار رئيس الجمهوريّة تعيش على وقع الصّدمات و الخيبات المتكرّرة، القنابل الموقوتة مزروعة في كلّ مكان و تحدث انفجارا في كلّ زمان، الجيش يلعب دورا سياسيّا أقرب إلى دور المرعب السياسي، و المصريّون ينتابهم قلق شديد على مستقبل ثورتهم المدلهم؛ فإلى أين تتّجه مصر الجديدة بعد الثورة؟.
يعتبر علماء الاجتماع المجتمع المصري مجتمعا متجانسا فعلى الرّغم من تنوّعه فهو يتكوّن من جماعة واحدة منصهرة اجتماعيا و ثقافيّا؛ هو مجتمع من السّهل الوصول فيه إلى الإجماع حول القضايا الأساسيّة، و هذا راجع إلى تجذّر النّظام السّياسي المركزي و هيمنته، فلطالما اعتبرت مصر "سيّدة الحلول الوسطى"، فمصر عبر التاريخ تميّزت بملامح التّجانس البشري، و الوحدة السّياسية و المركزيّة، و الاستمراريّة التّاريخيّة و حتّى التّجانس الطّبيعي نظرا لامتداد النيل على طول الصّحراء. إنّ هذه الأسباب مجتمعة ساعدت منذ زمن طويل على تحديد نظام الحكم في مصر، أين تقوم مؤسسة الجيش بإدارة شؤون البلاد بصفة سياسية تمثّلها الواجهة المدنية على الأقل منذ ثورة يونيو 1952، هو نفس الشّيء الحاصل تقريبا في الجزائر، حيث يسيّر الجيش الحياة السّياسية للبلد، كما يقوم بتموين السّلطة بمسؤولين مدنيين قادمين من الجيش و قادرين على تنفيذ الأجندات و إطاعة الأوامر دون مناقشة في كثير من الأحيان. يعتقد كثير من النّاس أنّنا نعيش في بلدان ديمقراطيّة غير أنّ الواقع أمر آخر تماما، و هنا يجب أن نطرح أسئلة مهمّة: هل سقط النّظام في مصر؟، إذا كانت الإجابة بنعم فهذا خطأ كبير لأنّ سقوط النّظام يعني سقوط الجيش المصري؛ من هم الفلول في حقيقة الأمر؟، لكي نعرف يجب أن نبحث في حقيقة و تركيبة النظام الحاكم السّابق، بمعنى يجب أن نعرف من كان يحكم من في مصر؟. و لا داعي للذّهاب بعيدا كي يتحقّق الفهم، هناك طبقة انتهازية أنتجها حكم العسكر منذ سنوات و لطالما تمتّعت بمزايا ماديّة و تشريفيّة؛ هذه الطّبقة ساعدت في تشكيل الواجهة المدنيّة لنظام الحكم غير الدّيمقراطي، نظام قادر على المناورة في أيّ زمان و مكان، لديه أدوات الحكم و الوسائل اللازمة لذلك، قادر على إدارة الصّراع السّياسي، و مضطلع بمهمتي حماية النّظام السياسي و السّيادة الوطنية، هذه الأخيرة التّي يلجأ إليها كفزّاعة للتحكّم في الصّراع و فرض منطق السّطوة كلّما دقّ ناقوس الخطر و تمّ اكتشاف تكتيكه، و كلّما تعرّض لمضايقات من طرف الشّركاء السّياسيين خارج دائرة اللّعبة المعدّة قواعدها سلفا وفق أطر لم تكن ديمقراطيّة يوما، نقصد بهؤلاء الإسلامويّين و التروتسكيّين أمّا الليبراليين فهم شركاء مطيعون، لا يعترضون على طرق الإدارة لأنّهم يغتنون من المال العام دون رقيب أو حسيب تحت الشّعار الكبير"دعه يعمل، اتركه يمرّ"، إنّه الأمر الذّي يفسّر انتشار الفساد المالي و الإداري على كافة المستويات، إنّ الجيش بالنّسبة للعصرنيين الليبراليين يعتبر درعا ضدّ الرّجعية لذلك يقبلون أيّ سيناريو يتمّ رسمه لإدارة شؤون البلاد، و ينخرطون في التّرويج له بكلّ الوسائل مستعملين كلّ الأدوات الممكنة لإقناع الشّعب بجدوى السياسات المقترحة.
في هذه الظّروف الحرجة، هل يمكن القول أنّ الأمل سيغرق في مصر بوصول شفيق للحكم؟، وهل يمكن اعتبار وصول مرشّح الإخوان للرّئاسة أملا جديدا و حقيقيّا للمصريين؟، الحقيقة التّي يفرضها المنطق و العقل أنّ الأمل لم يكن مرتبطا يومًا بمرشّح العسكر و لا بمرشّح الّإخوان، الأمل الحقيقي لا يتمثّل في هذا أو ذاك، الأمل معقود على المصريّين أنفسهم، فإرادة كلّ المصريّين وحدها كفيلة بحماية الحق في الحلم حيث لا يسمح لأحد بالحيلولة دون إقرار النّظام الدّيمقراطي و بناء الدّولة الوطنيّة، فمهما كانت النتائج و مهما ساد الغموض، و على الرّغم من محاولات استلاب السّلطة من جديد عبر سلسلة الاغتصابات السّياسية فإنّ المؤكّد أنّ مصر قبل ثورة الشّباب، ثورة 25 يناير ستكون مصر جديدة، يفرض فيها على الجيش القيام بمهامه الدّستوريّة، حيث يعود إلى ثكناته، لأنّ الشّعب المصري تحرّر، و الخبز لم يعد ثمنا للحريّة، زمن الاستعباد ولّى دون رجعة، و الخشية اللاإرادية لم يعد لها مكانا سوى في نفوس الجبناء. إنّ المسؤولية جماعية، و المسيرة طويلة، العوائق كثيرة، و الخسارة كبيرة لذلك فقد آن أوان ردّ الفعل الحضاري و انتصار كبرياء المواطن البسيط على سيناريوهات الغشّاشين و المزوّرين و الانقلابيين على الإرادة الشّعبية.
تعليقات
إرسال تعليق