/ ذكرى الانتفاضة الجزائرية 5 أكتوبر 1988.د. نبيلة يوسف

القائمة الرئيسية

الصفحات

ذكرى الانتفاضة الجزائرية 5 أكتوبر 1988.د. نبيلة يوسف



د. نبيلة بن يوسف
يصادف الخامس أكتوبر من كل سنة في الجزائر و منذ 1988 يوم انتفاضة كبرى عرفتها عديد من ولايات القطر الجزائري، بعد ما تخبط  الشعب في  أزمات لسنوات لعدم نجاح السياسات العامة، خرج المواطنون لاسيما فئة الشباب منهم للشوارع منادين بتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية المتردية، حيث لم تكن تتوفر المواد الغذائية الهامة كالزيت والسكر والبن....، طوابير طويلة لاقتنائها ناهيك عن غلاء الأسعار وما قابلها من تدهور للمستوى المعيشي، وانتظار التحسن مع كل وعد حكومي. لكن تكرر عدم الوفاء  بالوعود استاء منه الشعب وقامت قائمته وهاج وانتفض وكان غضب الشباب الأكثر بروزا لما راح يكسر و يتلف مكاتب الحزب الواحد منددين بشعارات ضد النظام والتجاوزات الإدارية، تدل على فقدان ثقة الشعب بحكامه  كما  نوّه إليه الجنرال «رشيد بن يلس» للرئيس آنذاك.
نهبت الأسواق العمومية كأسواق الفلاح المعروفة آنذاك بل وتم نهب بعض البنوك العمومية ومراكز الشرطة، فتدخلت قوات الأمن لحماية ممتلكات الدولة والمواطنين وكان تدخلها قويا بتدخل الجيش ذاته، بعد أحداث العنف مابين الخامس والعاشر أكتوبر 88 التي لم يشهدها الشعب الجزائري منذ الاستعمار،  بدأت من المنطقة الصناعية بالرويبة امتدادا إلى مصانع أخرى في أرجاء البلاد مثل البويرة، مصنع الحجار في عنابة ومصانع في أرزيو . . .
راح ضحية الأحداث مئات الجزائريين و تم اعتقال 3357 شخصا حسب الأرقام الرسمية، ناهيك عن حالات الاستنطاق التي تجاوزت 7000 حالة حسب المحامي الجزائري «ميلود إبراهيمي»، وعمليات التعذيب المختلفة، ولا يزال الحديث عن مفقودي تلك الأيام العصيبة. ولتهدئة الأوضاع أمر رئيس الجمهورية بإطلاق سراح المعتقلين في هذه الأحداث في الفاتح نوفمبر 1988(بمناسبة إحياء الذكرى 34 لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة)، وإقالة اللواء «لكحل عياط» مدير المخابرات السياسية، الذي اتهم بمسئوليته عن عمليات التعذيب التي مورست ضد المتظاهرين. وإعفاء«محمد الشريف مساعدية»(1924- جوان 2002) من منصبه كأمين عام للحزب (من المفارقات العجيبة أن يعود عام 2002 ليصبح رئيس مجلس الأمة خلفا للسيد "بشير بومعزة" الذي نحي عن رئاسة المجلس المذكور-
وكان من المنتظر أن تسوي الحكومة أمرها وتبحث عن حلول ناجعة، إلا أن الأمر لم يكن كذلك  بل راح الرئيس يقترح على شعبه إصلاحات سياسية داعيا للانتقال للديمقراطية علما أن تلك السنة وما بعدها كانت السنوات الأولى لموضة اسمها "الانتقال الديمقراطي", و أولى الخطوات لإسكات الشعب هي تعديل الدستور مصرحا بذلك في خطاب تلفزيوني يوم 10/10/1988 من مراميه الأساسية التعدية الدستورية والفصل بين السلطات.
على إثر هذا الإصلاح السياسي الذي  لم يكن من مطالب الشعب الجزائري المنتفض شهدت الساحة السياسية ميلاد حوالي 60 حزبا سياسيا، وإن أطلق عليها تسمية الجمعيات السياسية عوض الأحزاب السياسية. وربما ذلك يعد من حيل المشرع الجزائري، ناهيك عن إفراغ محتواها بحكم تعدديتها العشوائية. ويتساءل العديد عن مصدر هذا التحول السياسي، هل هو نتيجة الاحتجاجات الشعبية العنيفة في أكتوبر 1988م ؟ أم هو نتاج الضغط الخارجي في تبني الديمقراطية وحقوق الإنسان، أم لكلاهما معا ؟ علما أن  التحول لوحظ في عدد من الدول العربية مثل؛ تونس التي تبنت التعددية عام 1987م، والأردن في 1989م، واليمن سنة 1990م .

وعوض التفكير في حلول للازمات العميقة للمجتمع بقيت الحكومات المتعاقبة تلهي الشعب بالأحزاب وصراعاتها اللامتناهية، ومن هذه الأحزاب كان حزب الجبهة الإسلامية لإنقاذ الذي كان له شان هام بعد تاريخ انتفاضة الشعب الجزائري في 88 انه الحزب الذي التفت حوله الجماهير الحالمة بمستقبل أفضل خاصة لما لمست فيه الحق والعدالة لإتباعه الشريعة الإسلامية ومناداته بالتغيير والقضاء على المفاسد والمظالم، لكن الإصلاحات السياسية أكلت نفسها بعد أن قبعت السلطة اختيار معظم الشعب لهذا الحزب في الانتخابات التشريعية وكانت بعدها النار التي لا ترحم إنها نار الإرهاب التي لم تخمد إلاّ بعد أن حصدت أرواح الآلاف من الجزائريين والتي لا يزال جرحها عميق في قلوب الملايين.
إن كانت بعض الشعوب العربية وغير العربية اليوم تنتظر انتفاضة الشعب الجزائري وثورته نحن نقول لهم أننا انتفضنا و بعقدين من الزمن قبل ما أطلق اليوم عليه بالربيع العربي، و لما انتفضنا على البطون وسوء الأحوال والفساد، جاءتنا إصلاحات سياسية وبقينا ندور في دوامة الانتخابات واختيار الأحزاب وصراعاتها، و بقينا ننتظر الإصلاح الذي نرجوه ، و لا زلنا ننتظر مجبرين لا مخيرين، لان انتفاضتنا من جديد قد تسيل لعاب الغرب فيزيد إشعال فتيل النار و تلهب وتأكل الأخضر واليابس فلا نطيق حينها مواجهة الأخطار والأزمات التي قد تنجر عن التهديدات الخارجية التي تترصد بنا من كل جهة ساحل الصحراء والقاعدة والمغرب والغرب، و لكل واحدة طرقها في إذكاء النار والتفرج عليها والاستمتاع من بعيد إلى أن تصبح البلاد طعما سائغا تنهب خيراتها الباطنية و تهلك مواردها البشرية.
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع