قال فيغارو Figaro)
( يوما: «إذا تظاهر الإنسان بجهل
ما يعرفه، و بسماع ما لا يفهمه، و بعدم سماع ما يسمعه فعلا، و بالانزواء و التظاهر
بعمق التفكير عندما يكون فارغ الذهن، و إذا لعب دور شخصية عن نية حسنة أو سيئة، و
إذا نشر الجواسيس و استضاف الخونة، و إذا عمل على تليين الأختام، و إذا صادر الرّسائل
و حاول إعلاء شأن فقر الوسائل عن طريق إبراز أهمية الأشياء، فهذه هي السياسة أو
دعني أموت».
هذا ما صنعه الأوليغارشيون بالجزائر و الجزائريين بعد أكثر من خمسين سنة من
استرجاع السيادة الوطنية، لقد استطاعوا احتراف السّياسة عبر بوابة الجيش كمرعب
سياسي و شبح رهيب يخيّم على أسوار الجمهورية؛ استثمروا في التاريخ النّضالي الكبير
و الطّويل للشعب الجزائري، تبنّوا الاشتراكيّة و صنعوا الديمقراطية الاجتماعية
لاستلاب السلطة، معتمدين في إستراتيجيتهم على صناعة الرّؤساء و المواطنين و
الدّساتير و التعدّدية الحزبية في فترة من الفترات لضرورة المصلحة، لقد أدخلوا
البلد في دوّامة العنف و العنف المضاد؛ إنّه الإفلاس على مختلف الأصعدة !.
لقد تمكّن الأوليغارشيّون خلال سنوات حكمهم من التحكّم في الموارد و الثروة
الوطنية، حيث عطّلوا عجلة الاقتصاد و خدّروا الأهواء و وصلوا إلى لاوعي الشّعب
يروّجون للاستراتيجيات الفاشلة، يخلقون الأكاذيب، يغذّون الوهم، و يقتلون كلّ حلم
أو أمل يلوح في الأفق.
لقد كانت جماعة الأوليغارشيين تدرك منذ البداية أنّ ضمان بقائها في السّلطة
يمرّ عبر التحالف مع المتعطّشين للسّلطة من شركاء انتهازيّين تمت صناعتهم من خلال
أدوات تكوين ناعمة تقوم على التمايزات الدينية و المذهبية و الإثنية و المناطقية؛
إنّها تلك الطّبقة التي تشترك مع الأوليغارشيين في الرّغبة في الاستيلاء على
السّلطة. لقد عملت جماعة الأوليغارشيين على خنق الحياة السياسية و الاجتماعية لقتل
مبادرات المعارضة و التحكم في إمكانية انفلات الأوضاع متذرّعة في ذلك بخبرتها
الخاصة و مبرّرة مكانتها كنخبة قادرة على تولّي الحكم.
هكذا كانت حالة الشّعب مثل حالته اليوم (كأنّ الزّمن توقّف به عند تلك
اللّحظة) غارقا في يومه، باحثا عن مخرج لأزمته، قلقا على مستقبله، و كان
الأوليغارشيّون يبحثون عن مزيد من السّلطة و الثّروة !.
إنّ تخويف الشّعب الجزائري لن يستمر طويلا لسبب وحيد يتعلّق بالرّغبة؛
الرّغبة عكس القانون، الرّغبة في التحرّر من الرقابة، و الانغلاق و المعاناة. إنّ
النّضال من أجل نظام ديمقراطي حقيقي سيستمر، لقد كانت تلك دائما رغبة الشعوب و
وظيفة الحكّام النزهاء الشرعيّين و بناة الدّول الحديثة. إنّ الخروج من العبوديّة
المختارة إلى الحياة الكريمة في الدّولة الحديثة لن يستغرق أكثر مما تستغرقه
فرّاشة تخرق الشرنقة لتعلن خروجها للحياة. إنّ الشّعب الجزائري سيعرف في اللحظة
المناسبة طريقه الجديدة لحكم نفسه بنفسه، إنّها الطريق التي تغيّر أوضاعه و توجب
له الاحترام.
*نشر
على صفحات مدوّنة أحمد بلقمري، بتاريخ: 19 أكتوبر 2012
تعليقات
إرسال تعليق